• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

في مكنونات فكر الإمام عليّ (عليه السلام)

عمار كاظم

في مكنونات فكر الإمام عليّ (عليه السلام)

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ الله وَالله رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة/ 207) وفي أسباب النزول، يقول المفسِّرون إنّ هذه الآية نزلت في الإمام عليّ (عليه السلام)، عندما بات على فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة الهجرة، وهي تختصر كلّ سرّ الإمام عليّ (عليه السلام) في كلّ منطلقات حياته، وفي كلّ امتداداتها، وفي كلّ آفاقها، وفي كلّ روحانيّتها وحربها وسلمها.

الإمام عليّ (عليه السلام) هو الإنسان الذي باع نفسه لله، فلم يشعر بأنّ هناك شيئاً للذّات في عقله، ليحرّك عقله على أساس ما يعطي الذّات ضخامة وانتفاخاً وقوّة وحيويّة بين الناس. وهكذا كان قلب الإمام عليّ (عليه السلام) في كلّ نبضاته، وفي كلّ خفقاته، فلم ينبض قلبه إلّا بحبّ الله، حتى إنّه عندما كان يفكّر في النار، فإنّه، وهو البعيد كلّ البُعد عنها، لم يكن يفكّر في لذعاتها ولا في لهيبها، ولكنّه كان يفكّر في الله ويخشى أن تحجبه عنه تعالى: «فهبني يا إلهيّ وسيِّدي ومولاي وربّي، صبرتُ على عذابك، فكيف أصبر على فراقك؟». ليست مشكلتي يا ربِّ هي مشكلة العذاب، بل هي أنّ العذاب لو حدث، فإنّه يمثِّل حاجزاً يحجزني عنك، فلا ألتقي بك، لأنّ الذين يعذَّبون، يبعدهم الله عن رحمته فلا يلتقونه، «وهبني صبرتُ على حرّ نارك، فكيف أصبرُ عن النظر إلى كرامتك»، وقد عوّدتَني كلّ كرامتك وكلّ لُطفك وكلّ آفاق المحبّة التي تملأ قلبي. وهكذا كان عندما يتحرّك في الحياة مع نفسه، كان يقول للدُّنيا: «هيهات غرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلّقتك ثلاثاً»، وعندما كان يعيش مع الناس، لم يكن يفكّر فيهم إلّا من خلال الله: «ليس أمري وأمركم واحداً، إنّني أُريدكم لله، وأنتم تريدونني لأنفُسكم».

كيف كانت طفولة الإمام عليّ (عليه السلام)؟ ومَن الذي علّمه وربّاه مَن الذي أعطاه علمه وروحه؟ مَن الذي وهبه كلّ عناصر الحقّ في شخصيّته؟ مَن الذي فتح عقله على الله وفتح قلبه على المسؤولية وحرّكه في اتّجاه الحقّ؟ في نص للإمام عليّ (عليه السلام) يتحدَّث: «وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصّيصة، وضعني في حجره وأنا وليد»، وعمره آنذاك سنتان أو أقلّ، «يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده»، كان يحتضنه عندما ينام كما تحتضن الأُمّ ولدها، «ويشمّني عرفه - رائحته الذكيَّة - وكان يمضع الشيء ـ عندما كانت أسنانه لا تزال في البداية ـ ثمّ يلقمنيه. وما وجد لي كذبةً في قول - في كلّ ما تحدّثت معه ومع غيره - ولا خطلة في فعل»، ومعنى ذلك أنّ عصمته في طفولته عصمة وعي، لأنّ بيئته كلّها كانت رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم)، فهو لم يعش مع الأطفال، ولم يتحرّك في طفولته ليكتسب عادةً سيِّئة هنا أو عادةً قبيحة هناك، بل كان رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) كلّ شيء عنده؛ كان مدرسته، كان بيئته، وكان مجتمعه، بل كان رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) فكره وقلبه وروحه. ثمّ يحدّثنا عن أُستاذه الذي ربّاه وعلَّمه، ليعرّفنا أنّه أخذ كلّ أخلاقه من ينبوعٍ صافٍ يتدفَّق من لُطف الله ومن روحه، ولقد قرن به ـ أي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ من لدن أن كان فطيماً، فالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ أن فُطِم عن الرضاعة، تلقّفته ألطاف الله، والإمام عليّ (عليه السلام) عندما فُطِم عن الرضاعة، تلقّفه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). هذه مسألة دقيقة تعرّفنا لُطف الله بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولطف الله بأخيه الإمام عليّ (عليه السلام). وكان في بداية الدعوة الإسلامية، لم يكن هناك إلّا بيت إسلامي واحد يضمّ رسول الله وخديجة وعليّاً، وكان هذا البيت يتحرّك بكلّه ليذهب إلى المسجد الحرام ليهدم كلّ عبادة الأصنام، ولقد كان رسول الله يصلّي وعليّ إلى جانبه وخديجة خلفهما، حتى مرّ أبو طالب وقال لابنه جعفر: «يا بُنيّ، صِلْ جناح ابن عمّك»، وكانت تلك أوّل صلاة جماعة في المسجد الحرام.

ارسال التعليق

Top