للوطن قيمة ومكانة سامية في الإسلام، وأنّ الانتماء للوطن ليس مجرد شعارات أو كلمات بل هو حبّ وإخلاص وفداء وتضحية، وأنّ الإسلام جعل حبّ الوطن والانتماء له جزءاً من العقيدة وجعل الدفاع عن تراب الوطن واجباً مقدساً. بقيمة الأوطان ترتقي الشعوب وبصلاح الأوطان تسعد البشرية، ذلك أنّ الوطن في مفهومه الواسع والشامل هو الأرض التي أمرنا الله عزّوجلّ بإعمارها في قوله تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود/ 61)، وقال تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ) (الأعراف/ 10).
الوطن هو الأرض والشعب والنظام والقيم، والإرادة والإدارة، وهناك قاسم مشترك بين الإنسان والوطن الذي يعيش على أرضه، ويتجسّد هذا القاسم في التراب الذي تتكوّن منه أرض الوطن، فمن هذا التراب خُلقنا وعليه نحيا وبداخله نُدفن إلى أن يبعثنا الله يوم القيامة قال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) (الروم/ 20)، فالإنسان خلق في هذه الدنيا للإعمار وليس الإفساد، والمؤمن الصادق هو الذي يعرف قيمة وطنه ويعلي انتماءه له فوق كلّ انتماء، فحبّ الوطن ليس ترفاً أو رفاهة، بل هو واجب شرعي، كما أنّ الدفاع عن الوطن ضد المعتدين واجب شرعي أيضاً، لا يجوز التخلف عنه بغير عذر.
على الجميع معرفة أنّ المسألة في مواجهة الاعتداءات الخارجية ترتبط بالدرجة الأولى بإرادة وتصميم، وبعزم وإيمان الشعب. أمّا إذا (كان الشعب) لا يملك العزم ولا التصميم ولا الإيمان ولا الوعي، وإنّما تتملكه روح الهزيمة والتواكل وانتظار الآخرين في العالم، الآخرون ما أتوا ولم يأتوا. لذلك حين قرر شعب الكويت أن يرسموا خطوط التحرير عند أوّل لحظة احتلال، ولم ينتظروا أحداً، فإنّهم بالتأكيد كانوا يقصدون كويتاً موحداً صامداً خالياً من التفرقة والتعصّب والفتن.
في ذكرى التحرير، علينا أن ندعو إلى التعايش الإيجابي بيننا في جوٍّ من الإخاء والتسامح والتماسك بعيداً عن الحقد والكراهية ومكافحة الأفكار الهدامة السلبية والنظرة الإيجابية إلى المستقبل. من القيم الإسلامية التي يريد الله تعالى للمسلمين أن يأخذوا بها في حياتهم الاجتماعية، لا سيما في علاقة بعضهم ببعض، أن يحترم المسلم المسلم وأن يعزّه ويحفظ حقّه، مهما كان الاختلاف في الدرجة الاجتماعية بين المسلمين.. أن تكون إنسانيتنا وإسلامنا هما الأساس في احترام بعضنا البعض، فلا يجوز لمؤمن أن يحتقر مؤمناً لفقره أو لموقعه الاجتماعي، أو لأية حالة من الحالات، لأنّ الله تعالى يريد لنا أن نحترم إسلام المؤمن وإنسانيته، بحيث يشعر بأنّ إسلامه يمثّل قيمة كبيرة عند إخوانه المسلمين.
الإسلام دين المحبة والصفاء والألفة، فهو يشيع مبدأ الأخوة الإسلامية لتذويب الفوارق العرقية والإقليمية والمادّية، فتسمو على كافة الروابط الأخرى من خلال التأليف بين القلوب. ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه، ويحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمؤاساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض؛ حتى تكونوا كما أمركم الله عزّوجلّ: (رحماء بينكم)..».
نحن في حاجة دائماً إلى التفتح والإشراق في جوٍّ دافئ من المحبة والتعاون لبناء المجتمع على أساس المودّة والرحمة والتعاون على البرِّ والتقوى، فالإنسان لم يخلق ليعيش فرداً بل خُلِق ليعيش ضمن المجتمع البشري كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات/ 13).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق