خطب أميرُ المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) يوم الأضحى فقال: «ألا وإنّ هذا اليوم يومٌ حرمتُه عظيمةٌ، وبركتُه مأمولة، والمغفرة فيه مرجوّة، فاكثروا ذكر الله، وتعرّضوا لثوابه بالتوبة والإنابة والخضوع والتضرّع؛ فإنّه يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيِّئات، وهو الرحيم الودود. وإذا ضحّيتم، فكلوا منها وأطعموا وادَّخروا واحمدوا الله على ما رزقكم من بهيمة الأنعام، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وأحسنوا العبادة، وأقيموا الشهادة بالقسط، وارغبوا في ما كتب الله لكم، وأدّوا ما افترض الله عليكم من الحجّ والصيام والصلاة والزكاة ومعالم الإيمان؛ فإنّ ثواب الله عظيم، وخيره جسيم، وامروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، واعينوا الضعيف، وانصروا المظلوم، وخذوا فوق يد الظالم والمريب، واحسنوا إلى نسائكم، واصدُقوا الحديث، وادّوا الأمانة، واوفوا بالعهد، وكونوا قوّامين بالقسط، واوفوا المكيال والميزان، وجاهدوا في سبيل الله حقَّ جهادِهِ، ولا تغرّنكم الحياة الدُّنيا، ولا يغرَّنكم بالله الغَرور».
عيد الأضحى هو يومُ التضحية بكلّ الأنانيات والأحقاد، حیث یضحي المسلمون في الحجّ، وهو يومُ التكافل فيما بينهم، يحنو أغنياؤهم على فقرائهم، وأقوياؤهم على ضعفائهم، سواء كانوا أفراداً أو جماعاتٍ، أحزاباً أو دُولاً؛ فالمُسلِم للمُسلِم «كالبيان المرصوص يشدُّ بضعُهُ بعضاً»، و«المسلمون في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم كالجسد الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسَّهر والحمّى». في هذه المناسبة، نتذكّر ذكرى حجّة الوداع للرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، هذه الخطبة الجامعة المليئة بالدروس والعِبَر، ومنها التمسّك بكتاب الله والعترة الطاهرة: «وقد تركت فيكم ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي»، «أيّها الناس، إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربّكم، كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنّكم ستلقون ربّكم فيسألكم عن أعمالكم..»، إلى آخر الخطبة الشريفة. عید الأضحى هو رمز للوحدة، يستمرُّ في كلِّ مسيرة الحجّ، المسار واحدٌ، والهدف واحدٌ، والقبلة واحدة، حتى الانتقال بين مشعَرٍ وآخر (مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) (البقرة/ 199)، أي انطلقوا من حيث أفاض الناس، في مسيرة ربّانية تتّجه بكم إلى ما يريد الله لكم أن تصلوا إليه من تقواه ، فلا يصحّ أن يشذَّ حاجٌّ عن الناس؛ وهكذا كان مشهد الحجّ دورة تدريبية على تفعيل عناصر الوحدة بين المسلمين، ليصبح تنوّعهم مظهر غنىً يوحي بالعزّة، ويملؤه الإيمان والعبودية لله. فالحجّ يعلِّم الناس أن يتلاقوا وينتفعوا من كلّ الغنى والتنوّع الذي أودعه الله تعالى في الأُمّة، وأن يتعالوا على كلّ الفروقات والحواجز بينهم، والتي تعقّد حياتهم، فإذا ساروا في خطّ الإيمان فلن يكون لأي فروقات من معنى واعتبار. وعندما يجتمع الناس في الحجّ يجب أن تسقط كلّ الحواجز المادّية والنفسية التي تضعها الفواصل العرقية واللونية والقومية بين الناس، ليلقوا على صعيد واحد هو الإيمان بالله والسير على نهجه والالتزام بدينه والجهاد في سبيله طلباً لرضاه، ممّا يوفِّر لهم الخروج من الدوائر الضيِّقة التي يحبسون حياتهم فيها لينطلقوا إلى الدائرة الكبيرة التي تحتويهم جميعاً، والتي تؤسّس لقضاياهم الإسلامية وارتباطها بالهدف الكبير الذي يتحرّك فيه الإسلام في الحياة.
إذاً، العمل الجادّ مطلوب وضروري من المسلمين جميعاً في أجواء هذه المناسبة، ليعيدوا حساباتهم، بما يجعلهم مجتمعاً متراحماً متواصلاً، يتشاركون فيه الهموم والآمال، ويتعاونون على أساس البرّ والتقوى، في إعادة إنتاج الحاضر، بما يؤسّس لمستقبلٍ واعدٍ وعزيز، حيث المسلمون عائلة واحدة، وكيان واحد، وغاية واحدة. لابدّ في هذه المناسبة، من أن يستثمر الجميع أجواء الحجّ والعيد، ويحقّقوا معنى التقرب الحقيقي إلى الله تعالى، بالالتزام الجادّ بما عليهم من مسؤوليات تحفظ الناس والحياة من أيّ شكل من أشكال الإساءة والفساد؛ إنّه عيد التضحية في سبيل رفع منسوب المحبّة ورفع مستوى الروح والفكر والوعي، فلنكن من أصحابه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق