• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

طرق الوصول إلى مقام القرب الإلهي

طرق الوصول إلى مقام القرب الإلهي
  إنّ من أراد أن يرتقي في درجات القرب من الله تعالى وأن يزكّي نفسه وينال المقامات العالية يمكن له أن يستفيد من العوامل التالية: 1- التفكّر والبرهان: إنّ التفكّر في البراهين التي أقيمت على وجود الله تعالى يمكن أن تكون عاملاً مساعداً للقرب من الله تعالى، فإنّ البراهين التي حفلت بها كتب الحكمة والعرفان والكلام تثبت أن كل ظواهر الكون ممكنة وفقيرة في وجودها لواجب الوجود الذي هو منتهى الكمال والغني بالذات. 2- التفكّر في الآيات الإلهية: يرى القرآن الكريم أن كل ظاهرة من ظواهر الكون تنطوي على آيات تدلّ على الله تعالى وتعرّفنا به، ولذلك دعانا القرآن الكريم للتفكّر في الآيات الكونية من باب أنّ التفكّر فيها يساعدنا على الإندفاع والسير في طريق التكامل. 3- العبادة والعمل الصالح: إنّ العبادة توأم الإيمان والمعرفة، والعبادة والأعمال الصالحة تجعل الإيمان أكثر كمالاً وكلما أصبح أكثر كمالاً كلما دنا من مقام القرب أكثر، فالعمل الصالح يرتقي بالإيمان عالياً حتى ينال مقام القرب الإلهي. يقول تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر/ 10). 4- الأذكار والأدعية: إنّ الذكر والأدعية من العبادة وقد ورد التأكيد عليها كثيراً في الآيات والروايات، فعن رسول الله (ص): "لمّا أُسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة وربما أمسكوا، فقلت لهم: ما لكم ربّما بنيتم وربما أمسكتم؟ فقالوا: متى تجيئنا النفقة؟ فقلت لهم: وما نفقتكم؟ فقالوا: قول المؤمن في الدنيا: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإذا قال بنينا وإذا أمسك أمسكنا". وعنه (ص) انّه قال: "من قال سبحان الله غرس الله بها شجرة في الجنة. فقال رجل من قريش: يا رسول الله، إن شجرنا في الجنة لكثير، قال: نعم، ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيراناً فتحرقوها، وذلك انّ الله عزّ وجلّ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) (محمد/ 33). إنّ كل كلام يكون مفهومه تمجيداً وتحميداً وتسبيحاً لله تعالى يكون ذكراً، وإن كانت الأحاديث قد صرّحت بأذكار خاصة، كما أنّه يوجد تأكيد على أذكار بعينها، فعن رسول الله (ص): "سيد القول لا إله إلا الله، لكن القول بما أنّ الهدف من الذكر توجه الإنسان نحو الله تعالى، فإن كل ذكر يوصل إلى الهدف أكثر يكون أفضل بالنسبة لذاكرة.   - أمور المساعدة على الوصول: ويوصي بعض أهل المعرفة بأمور تساعد أيضاً على اجتياز هذا الطريق وهي: أوّلاً: أن يغتسل بقصد التوبة. ثانياً: أن يسعى ليرى نفسه في محضر الله تعالى وأن يذكر الله في كل حال فلا يغفل عنه أبداً. ثالثاً: أن يبقى دائم الوضوء ويصلي صلاة الليل، ويكرر ذكر: "يا حي يا قيوم يا من لا إله إلا أنت". رابعاً: أن يقرأ يومياً مقدار من القرآن مع حضور القلب ويتفكر وبتدبر في معاني الآيات. خامساً: أن يسجد كل يوم سجدة طويلة يكرر فيها: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين". ويمكنه أن يكرر هذه الأمور لمدة أربعين يوماً، لعلّه يفتح به باب الغيب فيها.   - لا طريق للخوف في ساحة ولي الله: لا يوجد مقام أعظم من مقام "عبدالله" بالنسبة للإنسان الكامل، حيث يرتقي الإنسان إلى أن يصل إلى حضور الله. وهذا أعلى مراتب السير التكاملي للإنسان وهو مفتوح للجميع أيضاً. فما هو الطريق الذي يوصله إلى المقام العظيم؟ وماذا نفعل لكي ننال هذا المقام؟ أهم مراحل هذا الطريق، هو أن نرى الله حاضراً في جميع شؤون حياتنا، حتى نتمكن بهذا الشهود من السفر إليه فلا يصل العبد إلى حضور المولى إلا عندما يرى مولاه حاضراً وناظراً في جميع الأحوال إلى أعماله. فإذا حصل له ذلك فإنّه لن يهم بأي عمل إلا وفق إرادته، وهذا ما يوصله إليه. لهذا إذا أراد الإنسان أن يحصل على مقعد عند الله، ينبغي في البداية أن يرى الله حاضراً ونظاراً في جميع شؤونه ثمّ بعد ذلك يؤدي على أساس هذا الشهود جميع الأعمال خالصة لوجه الله. فإذا قام بذلك فإنّه يصل إلى حضور الله. إحدى الآيات التي يعد الالتفات إليها مؤثراً في طي هذا الطريق، الآية المباركة من سورة لحشر والتي أشرنا إليها سابقاً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ) (الحشر/ 18). فهذه الآية تدعونا إلى أصلين أخلاقيين، الأوّل: المراقبة، والثاني: المحاسبة. فكل إنسان مكلّف بمراقبة نفسه ومحاسبتها، فيراقبها في أفعالها وتصرفاتها وأقوالها ويحاسبها، فإذا عمل خيراً شكر الله وإذا عمل سوءاً استغفر الله وتاب إليه. الآية الأخرى التي تعمل عملاً مؤثراً في طي هذا الطريق أيضاً، الآية الكريمة: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ) (يونس/ 61)، فهي تخاطب خاتم الأنبياء (ص)، ثمّ تنتقل إلى خطاب الناس مؤكدة على حضور الله وشهوده لكل أفعال البشر. فليس الله شاهداً على أعمال النبي (ص) وتبليغه فحسب، وليس الله شاهداً على أفعال المؤمنين في الدنيا فحسب، بل إنّه شاهد على كل إنسان صالح أو غير صالح، فعل حقاً أم باطلاص، في أي زمان أو مكان، في الشرق أو الغرب، في الأرض أو السماء. فإذا أدرك الإنسان أنّه في حضور الله تقدّست ذاته، يسعى لأن يجعل كل أعماله موافقة لإرادة الله وخالصة لوجهه سبحانه.. فالله يقول: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا)، فليس الله هو الشاهد وحده، وإنما ملائكته وأولياءه أيضاً.

ارسال التعليق

Top