إنَّ فريضة الحجِّ موسِمٌ دينيٌّ تعبُّديٌّ . وهذه الفريضة الإسلامية غنيَّة بمعانيها و دلالتها ، أمدَّتِ الأدباء بفيضٍ من النجوى والتضرُّعات و أوحت إليهم بصورٍ ومشاهِدَ ساميَةٍ ، تثيرُ لواعجَ النفسِ وتحرِّك مشاعرَهم ممَّا جعل قصائد الحجِّ غنيَّةً وعميقة . فقد أوردت كتبُ النقد و الأدب والدواوين قديمها وحديثها الكثيرَ من القصائد والمقطوعات . فقد وردَتْ في كتاب نقد الشعر أبياتٌ استشهد بها الكثير من النقاد:
ولمَّا قضينا مِنْ منىً كلَّ حاجةٍ وشُدَّتْ على حُدْبِ المطايا رحالُنا أخذْنا بأطرافِ الأحاديثِ بيننا ومسَّحَ بالأركانِ مَنْ هُوَ ماسِحُ و لا ينظرُ الغادي الذي هو رائحُ وسالَتْ بأعناقِ المطيِّ الأباطحُ وأورد مؤلف كتاب " كنوز الذهب في تاريخ حلب " سبط بن العجمي الحلبي قصيدة مطوَّلة فيها ذكر دقيق ومفصَّل لرحلة الحجِّ يوماً بيومٍ فقال في مطلعها الوارد في الجزء الأول من الكتاب : دعِ الدارَ وارحلْ للَّذي جاءَ بالبشرى دُعينا الى دار النبوَّةِ عزمة وبِعْ دارَك الدنيا من الله بالأخرى فقمنا ولم تترك لأنفسنا عذرا في القصيدة يذكر الأيام و الأماكن التي حلّوا بها وهم في طريقهم الى الديار المقدّسة . فيقول في المدينة المنورة : وفي الروضةِ العليا قصْدنا لربِّنا ولما دنوا من كعبة اللهِ أبصروا ومن زمزمَ العذبِ المذاقِ تضلَّعوا صلاة جعلناها لأنفسِنا ذخرا بدائعَ حسنٍ تُخْجِلُ الكاعبَ البِكرا فما صَدَروا إلاَّ وقد شفوا الصدرا الى أن يقولَ : وتا للهِ لا أنسى بمكَّةَ عيشنا ديارُ ذوي العلياءِ من آل هاشمٍ فيا حبَّذا لو كنْتُ به العمرا فكمْ وهبوا والجوُّ قد أمسك القطرا وأوردت كتب التراث والدواوين مواقفَ فيها استهتارٌ ومجون . فروي عن عمر بن أبي ربيعة وعن أبي نواس قصصاً لا تليق بقدسية الحجِّ . فقد ذكروا عن أبي نواس أنَّهُ لحق أثناء الطواف بامرأة ولم يعرفها أحدٌ من أصحابه حتى صارا الى الحجر الأسود فانثنت المرأة على الحجر تقبِّله وتبعها أبو نواس وألصق خده بخدها في زحام الحجيج ويقالُ بأنها " جنان " فقال في ذلك : وعاشقين التفَّ خدّاهما فاشتفيا من غير أن يأثما لولا دفاعُ الناسِ إيَّاهما ظِلْنا كلانا ساترٌ وجْهَهُ تَفْعَلُ في المسجدِ ما لم يكنْ عند التثام الحجرِ الأسودِ كأنّما كانا على موعدِ لما استفاقا آخرَ المسْنَدِ فما يلي جانبَهُ باليدِ يَفْعَلُهُ الأبرارُ في السجدِ هذا الموقفُ الذي لا يتناسب مع جلالِ المكان والمناسبة تناساه الشاعِرُ لمَّا أعلن توبته واعتزم أداء فريضة الحجّ فتوجَّهَ يسأل الاستغفار ويتجرّد من المعاصي ، فيذرف الدموع ويناجي ربّه بخشوع وهو في عرفات. الهنا ما أعدلك لبَّيْكَ أن الحمد لك ما خابَ عبدٌ سألك مليك كلّ من ملك والملك لا شريك لك أنتَ له حيث سلك من الموضوعات التي أفاض بها الشعراءُ شوقُهم ولهفتُهم و حنينهم لبلادِ الحجاز فيقول الشاعر إبراهيم طوقان: بلادُ الحجاز إليك هفا ويا حبَّذا زمزمٌ والصفا هنيئاً لمن حضرَ المشهدا ومَنْ قَبَّلَ الحجرَ الأسودا فؤادي وهامَ بحبِّ النبي ويا طيبَ ذاك الثرى الطيِّبِ وطافَ بكعبة ذاك الحرمْ وظلَّلَهُ الركنُ لمَّا استلمْ وقد وصف الرحالةُ المؤرِّخ الأندلسيّ " ابن جبير " شوقه الى هذه المواطن المقدّسة فقال مُهنِّئاً وفداً قادماً من الديار المقدسة : يا وفودُ الله فزتُمْ بالمنى قد عرفنا عرفاتٍ بعدكم نحن بالمغربِ نجري ذكركمْ فهنيئاً لكمو أهلَ منى فلهذا برحَ الشوق بنا وغروبُ الدمعِ تجري بيننا وهذا الشوقُ الصافي الذي لا يحملُ إلاّ الأملَ والرجاءَ بعيداً عن الرياء و أمورِ الدنيا الدنية عبَّرَ عنه أكثر من شاعرٍ منهم محمود محمد كلزي : ديوان " رحلة في جزر الفيروز ص53 شوقاً إليها هَجَرْتُ الأهلَ و الوطنا شوقاً إليها سكبْتُ الدمعَ فاندلعَتْ في حُضْنِ أمِّ القرى ألقيْتُ راحلتي هنا تركتُ من وجدٍ لها حجراً ورحْتُ ألثمُ من وجدٍ لها حجراً وعفْتُ خلفي الندامى ترشف الحزنا حرائقُ الوجدِ تكوي الروح والبدنا وقد نَضَوْتُ ثياباً مَجَّت الدَّدنا مُسَرْبَلا ببياضٍ خلتُهُ الكفنا سوادُهُ في عيونِ الطائفين سنا وهناك شعراء عبروا عن شوقهم وأشادوا بالبناء والرعاية السديدة و الإصلاح للحرمين الشريفين تأمين الراحة للحجيج منهم الشاعر عبد الغفار عفيفي الدلاش : في قصيدته " صروح المجد " المنشورة في المجلة العربية العدد / جمادى الأولى 1423هـ / : تهادى الركبُ والصدّاحُ يحدو إلى "أمِّ القرى" من كلِّ فجٍّ تلبِّي من لَهُ أمرُ البرايا ففي " أم القرى " بيت عتيقٌ به طاف الألوفُ بكلِّ شوقٍ ويسعى الناسُ في دَأْبِ خفافاً وفي الأعماقِ أشواقٌ وعهدُ تسيلُ قوافِلٌ وفدٌ فوفْدُ لحجِّ البيتِ … والآمالُ وعدُ مع الإصلاحِ دوماً يستجدُّ كموج البحرِ لكنْ لا يحدُّ " كهاجرَ " في شباب العمر تعدو ومن المواقف الرائعة التي وصفها الشعراء مشهد الطواف وما فيه من تلبية ودعاء وزحام فيقول الشاعر أحمد محمد صديق : المجلة العربية عدد 275 هنا طاف النبيُّ هنا هنا دوَّى الأذان وقد وتوقظني من الذكرى كيومِ الحشرِ واقفة وأغرقُ في بحارِ النور أناخ … هنا مَشَتْ قدمُ هوى وتحطَّمَ الصنمُ حشودٌ سَيْلُها عَرِمُ وبالرحمنِ تعتصمُ رِ و الأشواق تضطرمُ نحن أمام مشهد ولوحات دافئة ندِّية يحيطُ بها عبق الايمان ويغمرها الحبُّ و الصدق . وهل هناك أجملُ من الفرحِ والغبطة للمسلم الذي توجَّهَ بقلبه وروحه الى بيت الله ، يسأل العفو ويطلب الطهرَ تلبيةً ودعاءً وتسبيحاً فيقول الشاعر السيد الصديق حافظ في قصيدة " الضيف في طهرين " المنشورة في مجلة الفيصل عدد / 258 / إنَّا نزلْنا في رحابك ساعةً في ظلِّ دانيةِ القطوفِ رحيبةٍ دار الكريم كريمةُ أرجاؤها عطرَّيةُ النفحاتِ طيِّبةُ القِرى الضيفُ في طهرين ، ساحة مسجدٍ إني بدارك سامحٌ ومسبِّحٌ هل تغسِلُ الأمواجُ كبر مكابرٍ قلبُ الزمانِ لمثلها يتشوَّقُ الروحُ والريحانُ فيها يَعْبقُ شمَّاءُ يعلوها الجلالُ ويسحقُ حسناءُ تفرحُ بالضيوفِ وترفق أو مسبحٍ وهما بضيفِكَ أَخْلَقُ نفسي تصحُّ بها وجسمَي المرهقُ وتذيبُ أدرانَ الفروقِ وتمحقُ فالحجُّ غنيٌّ بمعالمِهِ و أجوائِهِ القدسيّة الموحية التي تبعث الإلهام وهل بإمكان الشعراءِ أن يخفوا مشاعرهم ويسدّوا مجرى أشعارهم أمام هذه المواقف الروحية ، و أمام جلالِ هذه الأماكن المقدّسة؟ . فهذا محمود سامي البارودي يعبِّرُ عن مشاعره الفيّاضة وهو بين يدي الرسول : مجلة العربي العدد / 5 / 1971: زرْتُ الرسولَ فيا سعدي ويا فرحي وقفُتُ في الروضةِ الخضراءِ مقتبساً صلِّيْتُ مُتَّضِعاً للهِ منكسراً هنا مهابطُ وحيِ اللهِ عابقةً هنا الصحابة من حول النبيِّ ، هنا هنا النبوَّةُ تحيا في منازلِها رجعْتُ طفلاً فلا إثمٌ و لا دنسُ حتَّى توهَّجَ في أعماقيَ القبسُ أدعو و تجذبني النجوى فأنْغَمسُ لا الطيبُ يبلى ، ولا الأصداءُ تندرِسُ أبو هريرةَ يروي عنه أو أنسُ ويغمر القلبَ مِنْ أنفاسِها نفسُ إنَّنا أمامَ لوحاتٍ نقيّة و صافية لا يشوبُها رياءٌ أو تزلُّف ، لا تجدُ دافعاً للتعبير و النجوى إلاَّ الصفاء و الإيمان . فالشاعرة لمياء الرفاعي طافت حول البيت وابتهلت الى الله مناجية : المجلة العربية العدد 275 مَدَدْتُ يدي الى الرحمنِ ربيِّ تسابقني دموعي قبل وجدي هوَ الرحمنُ والتوّابُ فاسألْ فأسْبَحُ في رحاب اللهِ وحدي فألمح في شغاف القلب نوراً وروحي و الفؤادُ بهِ استجارا وأسكبُ في دموعي الوجدَ نارا رحيماً لن يردَّ منِ استجارا كأنيّ كوكبٌ يطوي مدارا كفجرٍ شقَّ من ليلٍ نهارا وكان للشاعر عمر بهاء الدين الأميري زؤية خاصة وتأملٌ في بعضِ المناسك المباركة . فأزاحَ السرَّ عن الحجرِ الأسودِ وهو يقف عنده ويقبِّلُهُ: ديوان مع الله ص116 الحجرُ الأسودُ قبَّلْتُهُ لا لاعتقادي أنَّهُ نافعٌ محمَّدٌ أطهرُ أنفاسِهِ محمَّدٌ والنوُر من ثّغْرِهِ قبَّلْتُ ما قبَّلَهُ ثَغْرُهُ الـ يشفُّني قلبي وكلِّيَ وَلَهْ بَلْ لهيامي بالذي قبَّلَهْ كانت على صفحته مرسَلهْ يشرِقُ آياتِ هدى مُنْزَلهْ ناطق بالوحي ابتغاءَ الصلهْ فموسِمُ الحجِّ مَنْهلٌ عَذْبٌ للمعاني السامية ، فترتفع الأكفُّ الى الله متضرِّعةً ومسبِّحةً وملبيَّة ، وتعفُّ النفسُ عن الدنايا وصغائر الأمور فما أكثر القصائدَ التي نقلَتنا الى بطاح مكة ومقدَّساتها فالشاعر أحمد شوقي يقول في قصيدته المعروفة " الى عرفات " : الى عرفاتِ اللهِ يا خيرَ زائرِ لدى البابِ جبريلُ الأمينُ ، براحِهِ وفي الكعبةِ الغرَّاءِ ركنٌ مرحِّبٌ وزمزمُ تجري بينَ عينيكَ أعيُنا ويرمونَ إبليسَ الرجيمَ ، فيصطلي إذا زرْتَ – يا مولاي – قبرَ محمَّدٍ فقُلْ لرسولِ الله : يا خيرَ مُرْسَلٍ شعوبُكَ في شرقِ البلادِ وغربِها بأيمانِههمْ نورانِ ، ذكرٌ ، وسنَّةٌ عليكَ سلامُ اللهِ في عرفاتِ رسائِلُ رحمانيَّةُ النفحاتِ بكعبةِ قصَّادٍ وركنِ عُفاهَ من الكوثرِ المعسولِ مُنفَجراتِ وشانيكَ نيراناً من الجمراتِ وقبَّلْتَ مثوى الأعظمِ العطِراتِ أبثُّكَ ما تدري من الحسراتِ كأصحابِ كهفٍ في عميقِ سُباتِ فما بالُهم في حالك الظلماتِ؟ لو كان شوقي بيننا ورأى بأمِّ عينه أحوالَ المسلمين لأعادَ ما قالَهُ و أضاف إليه الكثيرَ من الأسئلة . فيبدو أن شوقي أحسَنَ توظيفَ سؤالِهِ في هذه المناسبة الجليلة. ونبقى مع الشاعر أحمد شوقي في قصيدته " ضجيج الحجيج " وقد رفعها الى السلطان عبد الحميد استصراخاً من الشريف و أعوانه في 14 / أبريل / 1904 وقد وردت في ديوانه ص 211 : ضجَّ الحجازُ ، وضجَّ البيتُ و الحرمُ قد مسَّها في حماك الضرُّ ، فاقضِ لها لك الربوعُ التي ريع الحجيجُ بها أفي الضحى – وعيون الجندِ ناظرةٌ- ويُسْفَكُ الدمُ في أرض مقّدسة واستصرخَتْ ربَّها في مكّةَ الأممُ خليفةَ اللهِ ، أنت السيِّدُ الحكمُ أ للشريف عليها أم لك العَلَمُ تُسْبى النساءُ ، ويُؤْذى الأهلُ و الحشمُ وتُسْتباحُ بها الأعراضُ و الحرمُ وتتدفَّقُ المشاعِرُ المشعَّةُ بالنور والحبِّ أمام كلِّ مشهدٍ ولوحةٍ غنيَّةٍ بالمعاني فأغلبُ القصائدِ بدا فيها الشعورُ متأجِّحاً وفيَّاضاً وهذا أمرٌ طبيعيٌ و لا تفسيرَ له سوى صدقِ الموقف والحالة . فالشاعر السعودي حسن بن عبد الله القرشي توقَّفَ أمام مشهد الطواف فقال في قصيدته : " في ظلالِ الكعبة " المجلة العربية عدد رمضان /1422 أيُّ فجرٍ مُرَقْرِقٍ في شعوري أيُّ هديٍ ترعى صداهُ السماوا أيُّ ذكرى شعَّتْ هنا لرسولِ اللـ إنَّها رايةُ لإلهِ تجلَّتْ شاقني موكبُ الجلالِ تبدّى طُفْتُ مالي إلى سواكَ سبيلُ ربِّ فاملأْ بنورِ حبِّك قلبي أيُّ عطرٍمُرَفْرِفٍ في ضميري؟ تُ شفاءً لظامِئ مُسْ مُسْتجير؟ ـهِ دفَّاقةِ الشذا والحبورِ؟ هيَ بشرى هزَّتْ جنان العصورِ في ظلالِ التهليلِ و التكبيرِ ربِّ فاقبلْ نجوى فؤادي الكسيرِ أَرْتشفْ كوثَرَ الصفاءِ النضيرِ واقترب الشعراءُ من النجوى و التأمُّلِ والغوصِ في دلالات الحجِّ وما فيه من دروس وعبرٍ وحكمٍ وتقرُّب من الله . فيقول الشاعر الكويتي " أحمد عبد العليم الصافي " : المجلة العربية / رجب / 1421 هذي ديارٌ حباها الله منزلةً ربوعُها السحرُ ، لا يرقى لها قلمٌ تعالَ … تشرَبْ صفاءَ الودِّ ، كوثرُهُ تعالَ … نسعَ الى روضٍ تُظَلِّلُه قبِّلْ جداراً ، رسولُ اللهِ كرَّمَهُ واذرفْ دموعَك في شوقٍ وفي وَلَهٍ يهفو إليها ، إلى أفيائها البشرُ والسِّحْرُ يُدْرَكُ ، لا يأتي به الخبرُ هذا المَعينُ … فلا طينٌ ولا كدَرُ سحابةُ الأمين ، لا خوفٌ ولا خَطَرُ فرفَّ منهُ جناحٌ وانتشى الحجرُ (فها هنا تُذْرَفُ العبراتُ يا عُمَرُ) للوقوفِ عند عرفات مغزى عميق ، يَبْعَثُ في الوجدان و النفسِ قشعريرة ويزرَعُ فيها الأمان و الطمأنينة ، وهي حالة لا يمكن للإنسان أن يعيشها في مكان آخر . لهذه الوقفة خصوصيةٌ وجلالٌ فيقول الشاعر المصري " السيد حسن " في قصيدة / على عرفات / المجلة العربية / ذو الحجة / 1421 : وقد وقفوا على عرفاتْ / يجلِّلُهمْ رضا الرحمنِ / يغمرهمْ عطاءُ اللهِ و النفحاتْ / تطيرُ الروحُ في أفقٍ من الرضوانِ / و الأنوارِ و التركاتْ / يصير القلبُ تلبيةً / وتلبية ، وتلبيةً / وتوشك أن تذوب الذاتْ / و قد وقفوا على عرفاتْ / صعيداً واحداً صاروا / وصوتاً طاهِرَ الكلماتْ / فضاءُ اللهِ يسمعهمْ / يجاوبهمْ ، يشاركهمْ / يفيضُ النورُ في دفقاتْ/ . هذه وقفة فيها بوح ودفء وصدق … و قد وقفتها الشاعرةُ العراقية " نازك الملائكة " أثار مشاعرها منظر القمر في ليلة العاشر من ذي الحجة و الحجيج يجمعون الصخور و الحجارة من وادي مزدلفة . فقالت في قصيدتها " القمر على مزدلفة " وفي هذه القصيدة نفحات إنسانية إسلامية تثيرُ الإعجاب و الدهشة : ينحنونْ / يجمعون الصَّدَفَ الأبيضَ في شطِّ السكونْ / ويصلِّي فوق واديهم قمرْ / ضوءُهُ / أشرعةٌ عبْرَ نهرْ / وجْهُهُ رحلةُ صوفيٍّ و أسرارُ عيونْ / قمرٌ يمطِرُ زخَّاتٍ من الرؤيا و أقداحَ صورْ … / هُدْ بُهُ للروحِ رحلةْ / وصلاةٌ و أهِلّةْ / . ثمَّ تنتقل للتعبير عن ملامحِ وسمات الشعوب الإسلامية الوافدة لقضاء الحج التي جَمَعَها الحجُّ تحت راية واحدة وجهة واحدة فتقول : مجلة الشعرية المصرية – العدد السابع – يوليو 1977 : ضحكتْ مزدلفةْ / ورؤاها أومضَتْ لؤلؤةً في صدفَه / وحملْنا كنزنا الغالي صخوراً و أهِلّهْ / جدَّدتْ عمرَ السنينَ المضمحلةْ / يا صخوراً طَعْمُها طعمُ الكرومِ المتْرَفةْ / ترجمُ الشيطانَ شيطانَ المذلّةْ / تقذِفُ الإلحادَ / والفقرَ / وصِهْيونَ ، سترمي / كلَّ تشريدٍ وظلمٍ / كلَّ أكداسِ الخرافاتِ المُمِلّةْ / كلَّ زيفٍ / كلَّ تعريشةِ وهمٍ / تقذفُ الغفلةَ و اليأسَ ، وتُذْكي الجرحَ شعلةْ / وتحيلُ الموتَ قبلهْ / . عكس الشعراء الذين أنعمَ الله عليهم بزيارة الديار المقدسة واقعَ المسلمين ومعاناتهم في هذه المواقف المقدّسةِ الموحية . وهذا أمرٌ مستحبُّ وممكن ، لأنَّ الحجَّ سبيلٌ للتعارفِ ولدراسة أحوالِ المسلمين . في قصيدة الشاعر عبد الله بن صالح الوشمي " رحلة " شيء من هذه الوقفات المؤثرة / مجلة الفيصل : العدد 289 / : يا رسولَ الهدى … وفي القلبِ شوقٌ شَعْبُكَ المتعبُ الجريحُ يغنّي أنهكتْ جسمُهُ العظيمُ وشومٌ ظّمِئ الشْعبُ للبطولاتِ حتى وحنينٌ ، والأرضُ نورٌ ونارُ بدموعٍ ، ما كلُّ حادٍ هزازُ ورعى ماءَهُ الكريمَ العارُ ظمِئَتْ للحبيبِ هذي الديارُ يكاد الشوقُ للديار يغلِّفُ أغلبَ مضامين القصائدِ التي قيلت في الحج مع اختلافِ الأسلوب ووصف الحالة . فالشاعر محمد ضياء الدين الصابوني شوقُهُ لا ينطفئ إلاَّ بزيارة البيتِ الحرامِ وسط جموع الملبين / المجلة العربية عدد 275 ص48 م : قد فاضَ قلبُكَ أشواقاً وتحنانا نوازِعُ الشوقِ في الأضلاعِ ثائرةٌ هاهم ضيوفُكَ في شوقٍ وتلبيةٍ مهلِّلين ولحنُ الحبِّ يجمعهم إنِّي لأعجزُ عن تصويرِ مشهدهمْ لبيتِهِ الطاهرِ المعمورِ ايمانا حرّى تُؤَجّجُ في الأعماقِ نيرانا خفّوا إليك زرافاتٍ ووحدانا والقلبُ يرسِلُ في الأعماقِ ألحانا حيْثُ الصفاءُ وحيْثُ الكونُ مزدانا ومن المواقف الصادقة و المؤثرة تعبير الشعراءِ عن حرمانهم من زيارة الديار المقدّسة وتأدية فريضة الحج ، ولظروف قاهرة كالفقر و المرض وغيرهما . فالشاعر الدكتور غازي طليمات عبَّرَ عن هذه الحالة و هو يشاهد موكبَ الحجيج / مجلة منار الاسلام / ذو الحجة /1411 /: كم من محبِّين ردَّ الفقرُ موكبَهُمْ مِنْ خَمْسَ عَشْرةَ أسرَجْتُ الجوادَ ، فلَمْ وكلُّ عامٍ إذا همَّ الحجيج ، نزا الشوق يُطْلِقُهُ ، والفقرُ يخنقُهُ فما استكانوا و لا هانوا و لا وهَنوا أثْبَتْ على السرج ، أو يُسْلَسْ لي الرّسَنُ قلبي ، كما يتنزَّى الموثقُ الأرنُ فالصدرُ مصطخِبٌ ، والجسمُ متَّزِنُ إنّي أرى في هذه المقطوعةِ حسّاً إنسانياً شفّافاً مفعماً بالمعاناة ومرارة الخيبة . ولكن الله أفرج عنه بعد عسرٍ وهيَّأ له سُبُلَ الزيارة فيقول الشاعر الدكتور غازي طليمات في القصيدة نفسِها: واليومَ أغنانيَ المغْني فيا كبدي ويا عيونيَ فيضي كالعيونِ على وطهِّري القلبَ مِنْ أوضارِهِ فعسى توهَّجي فرحاً ، مُذْولَّتِ المحَنُ أدرانِ نفسي ، فنفسي كلُّها دَرَنُ يرتدُّ طفلاً فلا حقدٌ و لا إحَنُ هي رغبةٍ مشغوفةٌ بالأمل و الرجاءِ ومصحوبةٌ بالفرح والسرور ، و الأماكن مرسومة في الوجدان، والمشاهِدُ تبعث قرائح الشعراء فالشاعر الإماراتي عارف الشيخ يقول مناجياً وفرحاً : المجلة العربية العدد / 236: يا أيُّها الحرمانِ طابَ ثراكما حَرَمانِ إنّكما رياضُ عبادةٍ نفسي الى البيتِ الحرامِ مشوقةٌ الكعبةُ الغرّاءُ ملْءُ مشاعري جئْنا فشاهَدْنا الوفودَ نوازلاً في حجرِ إسماعيلٍ ناجَيْتُ الهوى يا ربُّ إني قد أتَيْتُك تائباً إنّي وقفْتُ مع الحجيجِ " مشاعراً" طابَ المقامُ لمنْ يُجِلُّ رُباكما نالَ الأمانَ من احتمى بحماكما والنفسُ تعشق رغم لومِ اللوَّمِ وهوى أبي الزهراءِ يسكنُ في دمي من كلِّ فجٍّ كالطيورِ الحوَّمِ فوجَدْتُ حبَّ اللهِ أكبر بَلسمِ متجرِّداً وتركْتُ كلَّ مُحرَّمِ على الذنوبِ ندمْتُ أيَّ تندُّمِ هناك شعراء وقفوا عند موسمِ الحجِّ وعبّروا عنه عن بعد . فمنهم مسيحيون كالقروي وجاك صبري شماس وهي وقفة تعبِّرُ عن نفحات لها خصوصيتها فالقروي يتغزَّل بالكعبة الزهراء الديوان ص61: بنورٍ على أمِّ القرى وبطيبِ لَثَمْتُ الثرى سبعاً ، وكحَّلْتُ مقلتي هنا الكعبة الزهراءُ و الوحيُ و الشذا وردَّدَتِ الصحراءُ شرقاً ومغرباً تلاقوا عليها من غنِيٍّ و مُعْدَمٍ غَسَلْتُ فؤادي من أسىً و لهيبِ بحسنٍ كأسرارِ السماءِ مهيبِ هنا النورُ فافْنَي في هواهُ و ذوبي صدى نَغَمٍ من لوعةٍ و رُتوبِ ومِنْ صبيةٍ زُغْب الجناحِ وشيبِ وعبَّرَ الشاعر جاك صبري شماس عن مغزى الحج و حمّل الرسول تحية و هو الذي أكثر من الإشادة بالمناسبات الإسلامية على مختلف درجاتها فيقول في قصيدة " مكة الحبيبة " المنشورة في ديوان عروس المدائن: في مكة الأبرار جئتك راجياً أنا لستُ من " روما " لأستوحي الهدى أوغلْتُ نورَ الضادِ في عمق الحشا وإذا قرأتمْ للرسولِ تحيَّةً هل تقبلينَ الشاعرَ النصراني وسلوا " الحطيئة " عن ندى عنواني ولثَمْتُ طهَ المرسلَ الروحاني فلْتَقْرِؤُوهُ تحيَّةَ النصراني وأشارَ بعض الشعراء الى ما بعد الحجِّ و أداء الفريضة المباركة فالشاعر رشاد محمد يوسف في قصيدة " أيُّها العائدُ من أرض الرسولِ" المجلة العربية / ذو الحجة 1421: أيُّها العائد من أرض الرسولْ نلْتَ من زمزمَ سقيا ظامِئٍ أيُّها العائِدُ طوبى للَّذي ويُمنِّي النفسَ عوداً ثانياً لفجاجِ النورِ في أرض الهدى مِنْ رحابِ الطّهرِ والظلِّ الظليل وارتوى القلبُ بماءٍ سلسبيلْ يحفظُ العهدَ ويرعى للأصولْ ينشد اللُّقيا ويشتاق الوصولْ لرحابِ المصطفى خيرِ رسولْمقالات ذات صلة
ارسال التعليق