• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شهر رمضان.. شهر الطاعة المطلقة

أسرة البلاغ

شهر رمضان.. شهر الطاعة المطلقة

◄هذا شهر الصيام – رمضان – الذي اعتبره الرحمن الرحيم موسماً للطاعات تتكاثر فيه الأعمال الصالحات: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة/ 185). فقد اختصه الله من بين الشهور بهذه الميزة؛ فأنزل فيه هذا الكتاب المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ولقد حفظ المسلمون – على تعاقب الأجيال – لهذا الشهر حرمته وميزته، فأقبلوا يضاعفون فيه العمل الصالح، ويزدادون نشاطاً واجتهاداً في ليله ونهاره، في قيامه وصيامه، يستيقظون فيه كثيراً، وينامون قليلاً، يرصدون قدومه للتزود من صالح الأعمال والأخلاق حتى تكون مضاعفة الحسنات، حيث فضّل الله بعض الأيّام على بعض وفي قمّة هذه الأيّام المفضلة شهر رمضان. وإذا كان الكتاب يعرف من عنوانه، فإنّ لفظ الصوم يومئ إلى عظيم معناه، الذي يحمله مبناه. إذ الصوم في اللغة: مطلق الإمساك عن أي عمل. حتى جاز أن يقال: صام عن الكلام. أي سكت وأمسك عن الحديث، وإلى هذا يشير قول الله – سبحانه – حكاية عن السيدة مريم: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) (مريم/ 26). وجاء المعنى الشرعي موائماً لهذا المعنى اللغوي.. فلم يخرج عن دائرة الإمساك والتوقف، وإنما أحيط بقيود خاصة أضفتها عليه طبيعة الصياغة الشرعية للغة، فقال الفقهاء: إنّ الصوم شرعاً هو الإمساك عن جميع المفطرات. لكن هل هذا هو الصوم مبنى ومعنى؟ لعلنا نحن – المسلمين – حين نعود إلى أسس الإسلام الخمسة، نجدها قد أحكمت، فهي مترابطة، ومتفاعلة وهي سلسلة متعانقة الحلقات يشد بعضها بعضاً، تهدف إلى تربية المسلم على النقاء والصفاء في صلته بالله خالقه، وفي صلته بالمخلوقين أيّاً كان نوعهم أو جنسهم، وبهذا لا يكون المعنى الفقهي للصوم معبراً عما يجب أن يكون عليه وإنما لابدّ أن يضاف إليه كلّ عمل إيجابي محمود، وكلّ امتناع عما ينافي الخلق القويم، والصراط المستقيم، والسلوك الإنساني السليم، فلابدّ للمسلم الصائم أن يحافظ على الصلاة في مواقيتها، وأن يتلو القرآن الذي بارك الله به شهر رمضان وأن تعقد المجالس لمدارسته والتفقه في أحكامه ومعانيه، اكتساباً لفضائله والتزاماً بحلاله، واجتناباً لحرامه، فلا كذب، ولا غش، ولا سباب، ولا تطفيفاً للكيل والميزان، ولا غيبة ولا نميمة، ولا أكلاً لأموال النّاس بالباطل، ولا سخرية بمسلم ولا مسلمة، بل ولا بأي مخلوق لله.

وبالجملة فالصوم دعوة إلى أداء كلّ الواجبات، في العبادات والمعاملات، ورعاية لكافة حقوق المخلوقات والامتناع – كذلك – عن جميع المحرمات والشبهات. وهذا الصوم وسيلة إلى اعتياد الأعمال الصالحات، وإلى البعد عن سيئ العادات، وبالإخلاص فيه وأدائه كاملاً ينمحي من مجتمع المسلمين كلّ ما اعتادوه مما يخالف أحكام الإسلام من قول أو عمل، وهو وسيلة لتربية الوازع الديني لدى كلّ مسلم؛ ذلك لأنّ الصوم سر بين المسلم وربه فلا يداخله الرياء، ومتى كان الوازع الديني ملء قلب المسلم وقلب المسلمة استقام النّاس على صراط الله، هذا الوازع الذي يحث على الطاعة ويزع عن الفساد والعصيان هو مراقبة الله – سبحانه – واليقين بأنّه يعلم السر وأخفى، وذلك ما عبر عنه قول الرسول (ص): "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك". ذلك ما يجب أن يسعى الصائم إلى تحقيقه وكسبه من صومه؛ حتى لا يشقى بالصوم وهو يظن أنّه قد أدى فرضاً لازماً، وفهم أنّه بمجرد امتناعه عن المفطرات الحسية قد صام؛ إذ بقدر ما تتقلص حقائق الصوم وأهدافه يتقلص الأجر، وتتفاوت النسب بينه وبين الوزر، وهذا المعنى يقرره قول الرسول (ص): "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع.. ورب قائم ليس له من قيامه إلّا السهر". إنّ واقع الحال أنّ أكثر المسلمين لم يدركوا من معاني الصوم إلا أنّه الإمساك عن الطعام والشراب والرفث إلى لحلائل من النساء، وهذا القدر من معنى الصوم – في الحقيقة – واجب أساسي لكلّ صوم، غير أنّ الإسلام – وهو دين استهدف في فروضه وآدابه وأخلاقه تربية الإنسان مادياً ونفسياً وخلقيّاً – قد اعتبر الإمساك عن هذه الماديات والرغبات وسيلة لغاية، وبداية لنهاية، ومنطلقاً إلى عبادة أسمى وصوم أكمل وأجمل، لا يغني عنه الجوع ولا الكف عن الشهوات ساعات معدودات، تلك هي تقوى الله التي عبر عنها القرآن في نهاية آية الصوم بقوله تعالى: (لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183)، وتلك غاية يسرها الله – سبحانه – في شريعة الإسلام التي أمرت بما يستطاع من أعمل الخير، واجتناب كلّ الشر.►

ارسال التعليق

Top