• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

سيكولوجية المراهق وتربيته

د‌. عبدالعزيز جادو

سيكولوجية المراهق وتربيته
   تنتهي مرحلة التعليم الإعدادي في سن (12 سنة) وحينئذ يكاد نمو الطفل يكتمل من حيث أنّه صغير يعيش في مجتمعه الصغير، والواقع أنّ هذه المرحلة الكبيرة منذ الولادة حتى نهاية الحادية عشرة ما هي إلا إعداد لمرحلة أكثر تعقيداً أو أكثر تأثيراً في حياة الإنسان المستقبلة وأقصد بها مرحلة المراهقة التي تميز المرحلة الثالثة من التعليم. ومرحلة المراهقة (وهي مرحلة التعليم الثانوي) من أدق المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته، أن لم تكن أدق هذه المراحل جميعاً. الأمر الذي دعا بعض علماء النفس إلى القول بأنّ الطفل حين يراهق يولد ولادة جديدة، بمعنى أنّ التغير الذي يعتريه سواء من الناحية الجسمية أو من الناحية النفسية يكاد يكون تغيراً كاملاً يشمل جميع النواحي. يضاف إلى ذلك أنّ المراهق إن لم يساعد على التغلب على مشاكله بيسر وسهولة وبطريقة صحيحة، انحرف واتبع أساليب سلوك معينة، أقل ما يصفها به المجتمع أنها غير مشروعة، ويصفها علم النفس بأنها أساليب سلوك مَرَضى تدل على شخصية معتلة غير متزنة. وللمراهقة في مصر وفي غيرها من البلدان العربية منزلة خاصة لعوامل كثيرة، منها أن مرحلة المراهقة في هذه البلاد عند الجنسين مبكرة عنها في البلاد الأوربية مثلاً. ولأن لنا من التقاليد ما يحيط النمو الجنسي بشيء من المحارم.   - التغيُّرات الجسمية: يكون نمو الجسم في أوّل هذه المرحلة سريعاً غير أنّ هذا النمو لا يستمر مطرداً في بقية المرحلة، بل يأخذ في النقص تدريجياً. ونمو العظام أسرع من نمو العضلات، ولذلك نلاحظ نحافة جسم المراهق في أول المرحلة. ومعنى هذا النمو السريع استنفاد سريع لطاقة الجسم وحاجة المراهق تعويضها بالغذاء الجيِّد والراحة والهواء، ولذلك ننصح المشرفين على تربية المراهق ألا يرهقوه بالأعمال الجسمية الكثيرة. ولهذا النمو الجسماني الظاهر أثره في تيقظ انتباه الغلام لحالته الجديدة من النمو وطول الجسم وطول الأطراف وقد يترتب على وعيه هذا وانتباهه خجله واضطرابه، واضطراب حركاته ورعونته وتغير في سلوكه أثناء المشي والحركة. ومن مظاهر النمو الجسماني تغير شكل الحنجرة وتغير الصوت وغلظه عند البنين، وقد يكون هذا التغير مفاجئاً، وعلى هذا قد يفقد الغلام القدرة على ضبط صوته، وقد تعلوه حالة تردد واضطراب عند الحديث، ولا يدري ما إذا كان يتكلم بصوت مرتفع أو منخفض، ضخم أو رفيع، وتغير الصوت عند البنت يكون تدريجياً. ومن مظاهر النمو بدء ظهور شعر اللحية والشارب عند الغلام، وكذلك شعر العانة والخصيتين. وينمو الشعر تحت إبط البنت والولد، وتبدأ ثديا البنت في النمو تدريجياً ليقظة الغريزة الجنسية ونضجها، كما تنمو أعضاء التناسل نمواً سريعاً، ويظهر الحيض عند البنت. ومن نتائج هذا النمو الجسماني ما قد يظهر عند البنات من فقر في الدم وعند البنين من أمراض الرئتين والقلب.   - الصفات الفكرية: تتميز الحياة الفكرية للشباب بميل قوي إلى الاستدلال والتفكير المنطقي. كما نجد أنّ الفتى يدور تفكيره حول المعاني والأمور المجردة والمثل العليا والفضائل المختلفة وما ينطوي تحتها من معانٍ سامية، ويهتم بالبحوث الاجتماعية والفلسفية وتزداد قدرته على تفهم قوانين الرياضة والعلوم وغيرها. فهو في هذه المرحلة يستعمل المدركات الحسية التي خبرها من قبل لتنظيم معلوماته وأفكاره الجديدة، ولتعديل آرائه السابقة في الكون والحقيقة والناس تعديلاً كبيراً. فاهتمامه يتجه اتجاهاً واضحاً نحو المباحث العقلية الأدبية منها والعلمية وبخاصة الأولى. فيعني بالأدب من قصص وشعر.. والقدرة على التذكر الآلي تضعف في هذه المرحلة ضعفاً محسوساً، على حين أنّ الذاكرة الممنطقة تزداد وتقوى، فبدلاً من أن كان الفتى ميالاً إلى استظهار المعلومات استظهاراً آلياً أصبح يهتم الآن بتفهم معاني ما يقرأ ويستذكرها بعلاقاتها المنطقية بعضها ببعض. وفي هذه المرحلة (بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة) يقف نمو الذكاء الفكري فلا يترقى إلى أبعد مما وصل إليه، وكل ما يزداده العقل من التحسن بعد ذلك إنما هو نتيجة الخبرة والقدرة على حسن استخدام المقدار من الذكاء الفطري واستغلاله والتصرف فيه.   - التغيُّرات الوجدانية: نتيجة للتغيرات الجسمانية وما صاحبها يمر المراهقون في حالات اضطراب إنفعالي شديد. فقد نراه يثور على غير عادته على من حوله من والدين أو زملاء، وقد نراه يتذبذب بين الثوران والهدوء، وقد نراه متناقضاً على وجه العموم فهو أحياناً برم بالحياة يمقتها ويتمنى الموت، أو ينتقد نفسه أشد النقد. وفي وقت آخر قد تراه راضياً عن الحياة سعيداً بنفسه ومعجباً بها أشد الإعجاب، وأحياناً يكون منقبضاً وأخرى منشرحاً، وأحياناً يجنح للعزلة وأحياناً يميل إلى الاجتماع بغيره. وتراه في هذه المرحلة قد يبحث في الدين، ويمارس بعض ما يؤمر به، عله يجد فيه ملجأ لحل مشكلاته. وأحياناً لا يجد فيه ما يحل مشكلاته فيتذبذب بين التدين وعدم التدين أو بين الإيمان والكفر. ويصحب هذه التغيرات أزمات نفسية حادة كثيراً ما لا تجد لها مجالاً إلا في أحلام اليقظة التي تتمركز حول الإشباع الجنسي وتحقيق النجاح في المستقبل المهني والزواج والانتقام من السلطة. لهذا نجد أن فترة المراهقة والمراحل الأولى من البلوغ فترة ثورة وصراع نفسي شديد يزيد من ظهوره تعقد المدينة وبعد المسافة الزمنية بين سن البلوغ والسن التي يسمح له فيها بالإشباع الجنسي، وسوء معاملة السلطة المحيطة بالمراهق وإنعدام الإطمئنان للمستقبل والمجتمع عامة.   - المثل العليا والأخلاق: يتميز هذا الدور بالميل إلى التحرر من المنزل والانتماء إلى مجموعة من الزملاء. ويميل إلى البحث عن بطل يعجب به، ولعل سبب هذا هو تفتح ذهنه لآفاق جديدة وعدم اكتفائه بما عرفه عن والديه من خبرة وكراهية الخضوع لسلطتهما عليه، خصوصاً وأنّ هذه السلطة تذكره بطفولته، إذ يعامل الآباء المراهق عادة – ولو لفترة من الزمن – بنفس المعاملة التي تعودها في أدوار الطفولة الطويلة السابقة. يبدأ المراهق ينتقد والديه علناً، أو سراً بينه وبين أصدقائه أو بينه وبين نفسه. وقد يعتبر والده رجلاً رجعياً ضيق الذهن قليل الجرأة والميل إلى التجديد، قليل الحيلة. يبدأ المراهق على وجه العموم يستقل عن المنزل ويتصل بالمجتمع ويبحث عن شخص يتجسم فيه المثل الأعلى الذي يرتضى لنفسه أن يحتذيه، وتصل علاقته من ناحية بالبطل الجديد أحياناً إلى درجة المغالاة. ومن هنا سميت المرحلة مرحلة "تبعية الأبطال" Hero Worship ولهذه الظاهرة أثر في تكيف الخلق إذ أن سلوك الفرد يتكيف في هذه المرحلة بما يناسب صفات البطل الذي نصبه لنفسه نموذجاً. وتصل عبادة البطل إلى تقمص المراهق لشخصيته، وامتصاص خصائصه. ولهذه نجد المراهقة والبلوغ يكوِّنان مرحلة مناسبة لتكوين المثل العليا. ولكن يجب أن يتطور المثل الأعلى إلى أن يصبح فكرة بدلاً من أن يبقى متجسماً في شخص. ويكون هذا عن طريق دراسة حياة الأبطال والزعماء وقادة الفكر سواء في ذلك الشخصيات المعاصرة أو التاريخية. ويجب أن لا يبهر المعلم في هذه الأحوال إعجاب المراهق به. وعليه أن يساعده على كسب الخبرة ببطولات أخرى وكشف بعض نواحي قصوره. ويجب أن نستغل ولاء الفرد للجماعة وميله إلى الجماعات المنظمة لإنماء روح التعاون الإجتماعي وتقوية الشعور الاجتماعي عند الفرد. كذلك يجب أن نستغل ميل المراهق لإرضاء المجتمع في تكوين الخلق على أن تعبتر هذه خطوة المرحلة التالية في التكوين الخلقي وهي مرحلة العمل على إرضاء ضمير خلقي.   - الشعور الديني عند المراهق: في هذه المرحلة يشتد ميل الفتى إلى تعرف أسرار الكون وتقوى النزعة الدينية فيه. ونجد أنّ الحماس الديني أول مظهر من مظاهر اليقظة الدينية لأنّ النمو الجديد في شخصيته يدفعه إلى فحص الأفكار والمبادئ التي تلقاها في طفولته وسلم بصحتها دون القضاء على الشك الكامن في أعماق نفسه حيالها. وقد يكون هذا الحماس الديني نتيجة للنزعة الاجتماعية فيندفع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الصلوات، وهذه كلها تغلب عليها الروح الاجتماعية. وقد يكون هذا الحماس الديني من نوع آخر سلبي أي ينطوي المراهق على نفسه وتتسلط عليه الكآبة ويندفع إلى صلوات مستمرة تنتزعه من الانخراط في سلك المجتمع ويكون تدينه محاولة مخففة للقضاء على القلق النفسي الناتج عن الدوافع والرغبات الغريزية وبخاصة الجنس منها. أمّا المظهر الثاني من مظاهر تلك اليقظة الدينية هو الشك الذي يأخذ أحياناً شكل المجاهرة بالإلحاد. ويأتي هذا المظهر أعقاب النضج العقلي وتفتح ملكة النقد أو قد تقع بعض الكوارث تفقد الإنسان ثقته في نفسه وفي كل نواحي الحياة، كفقد الأب العائل مثلاً.   - الشعور الديني والجنسية: يرجع بعض الكتاب اليقظة الدينية في المراهقة إلى النضج الجنسي ويعتبرون الانقلاب الفجائي من عدم الاهتمام بالدين إلى الحماس الديني ناتجاً عن التحول الجنسي، ويلاحظ هؤلاء مسايرة النمو الديني للنمو الجنسي. والدين في نظرهم إبدال للغريزة الجنسية وتقشف القديسين وكفاح المبشرين كلاهما تحويل للطاقة الجنسية إلى أهداف مثالية. ومع تأكيدنا لأهمية النمو العقلي والاجتماعي في بعث الحماس الديني للمراهقة يمكن القول أيضاً إنّ العامل الجنسي بدوره عامل هام في هذه الناحية، فليس من شك أن اكتمال الوظائف الجنسية في مطلع المراهقة تهز المراهق هزّاً عنيفاً لأنّها تستثير المكبوت من الرغبات المحظورة، ومن ثمّ تزيد الشعور بالذنب فيخاف المراهق تحقيقها ويحاول جاهداً مقاومتها. وما إن يقع على الدين حتى يلمس أنّه عون له في حربه مع هذه الميول ثمّ يشعر أنّه يرضي فيه ميولاً أخرى كالميل للتكيف مع المجتمع والميل إلى الكفاح والميل إلى التفلسف فيزداد تشبثه به، ويرتضيه أسلوباً في الحياة ولو إلى حين، وبخاصة أن رقيه الفكري كفيل بتزويده بالحجج والأدلة العقلية التي تبرز ذلك الحماس.     - التربية الجنسية: إنّ مشاكل المراهقة الجنسية تسيطر على شخصية المراهق إلى حد بعيد بحيث تتدخل في مختلف نواحي النشاط العقلي والانفعالي والاجتماعي. وأن أهم هذه الوسائل الناجحة لمساعدة المراهق على أن يمر بهذه الفترة بسلام هي الإرشاد السديد والتوجيه الصالح . والتربية الجنسية هي ذلك النوع من التربية التي تساعد الطفل على مواجهة مشاكله الجنسية مواجهة واقعية. وأن يطلع على تطورات الحياة الجنسية عند الحيوانات والإنسان بطريقة عملية عقلية على قدر ما يسمح به نموه العقلي، إذ لا فائدة ترجى من إحاطة المنزل والمدرسة بكل ما يتصل بالناحية الجنسية بطبقة من التحريم لأنّه يبحث عن منافذ أخرى لإشباع حاجته إلى المعرفة في هذا الشأن.. وغالباً ما يتجه الأطفال في مثل هذه الحالات إلى من يكبرونهم قليلاً في السن فيسيئون الإرشاد وتكون النتيجة نوعاً من الانحراف الجنسي أو معلومات مشوهة تظهر نتائجها فيما بعد. ويجدر أن نبين هنا بعض المشاكل الجنسية في فترة المراهقة:   - المشكلات الجنسية: نلاحظ أنّ الأحداث الذين يتميزون بزيادة أو إفراط في ناحية من نواحي النمو يتجهون عادة نحو التعبير عن مظاهر هذا الإفراط بأساليب قد لا يقرها المجتمع. ونلاحظ ذلك على وجه الخصوص في فترة المراهقة حيث يحدث ازدياد ملحوظ في النشاط الانفعالي العام للمراهق لا يقابله نمو عقلي مناسب فيعبر عنه المراهق تعبيراً لا يقره المجتمع، وهو في أساسه انحراف في الوظيفة الرئيسية، فنحن نلاحظ أن من أكبر مشاكل المراهقة الانحراف في السلوك الجنسي. ولا شك أنّ الانحراف في الوظيفة الجنسية يبعدها عن هدفها الأصلي وهو التناسيل وحفظ النوع لا مجرد الإشباع. ومن الاتجاهات التي تهدف إليها المدرسة الحديثة هي إبدال الغريزة إلى الاتجاه بالطاقة الغريزية وجهة أخرى كالإتجاه إلى اللعب المنظم في الفرق الرياضية أو النشاط المدرسي وتشجيع الرحلات المدرسية واستغلال أوقات الفراغ فيما ينفع. ولا شك أنّ الطفل يميل نحو أعضائه التناسلية في وقت مبكر حوالي سن أربع سنوات، ومن الضروري أن نحيط الطفل في هذه الفترة باللعب الكثيرة ونفتح له آفاقاً من النشاط الخارجي التي تثير اهتمامه وتجذب انتباهه بحيث تبعده عن الاهتمام بأعضاء جسمه، وتحول بينه وبين تكوين هذه العادات التي قد تتطور في مرحلة المراهقة إلى العادة السرية المزمنة. كثيراً ما يسأل الطفل: (من أيت أتيت؟.. وكيف حضرت إلى هذا العالم؟.. وما الفرق بين الرجال والسيدات؟).. ونحن نعرف أن طفل الثالثة يجب أن يميز في كلامه بين الضمائر وخاصة ضمائر الذكور والإناث، ولذلك يجب أن نجيب على هذه الأسئلة بمنتهى الأمانة والإخلاص، وإلا فإنّ الطفل سيكوّن فكرة عن طبيعة هذه الأسئلة من حيث أنها مختلفة عن غيرها من الأسئلة التي تعوَّد أن يسمع عنها إجابات شافية. أما إذا أجبت عن هذه بدقة وأمانة وهدوء فأنّها ستدخل ضمن الأسئلة المعتادة التي سرعان ما تنسى. ويجب على الآباء أن يعاملوا نزعات الطفل كلها على قدم المساواة بما في ذلك النزعة الجنسية ومراعاة أنّ النزوع الجنسي ليس شراً في ذاته أو خيراً، إنما الخير والشر في طريقة توجيهه وأساليب ممارسته. كذلك عليهم أن يعلموا شيئاً عن التربية الخلقية وأنّ الأساس في التربية الجنسية هو الموقف العلمي المستقر الهادئ الخالي من الخوف من جانب الآباء. وهكذا يعد الطفل إعداداً ذكياً من الناحية الجنسية في المنزل. أما في أخريات المرحلة الإعدادية وفي مرحلة التعليم الثانوي أي في السنة السابقة للمراهقة وفي المراهقة، فالمدرسة هي المكان الذي يزود فيه الطفل بالتربية الجنسية التي بدأت في المنزل.   ·       كاتب من مصر     المصدر: مجلة التربية

ارسال التعليق

Top