أسرة
في هذه الكلمة يخاطب العبد ربه سبحانه وتعالى خطاباً حضورياً مباشراً، بالغاء كل الحجب التي تحجب العبد عن ربه عزّ شأنه من دون تكلف وببساطة كاملة، هكذا: لا إله إلا أنت سبحانك.
ومن عظيم فضل الله تعالى على عباده وجميل رحمته: أن يفتح على عباده أبواب خطابه ولن يكون الإنسان أقرب إلى الله تعالى في حال أفضل من حال الخطاب، ولن يلمس الإنسان حضور الله تعالى في حال أفضل من حال الخطاب ولن يجد العبد في الذات القرب والتعامل مع الله لذة أفضل من لذة الخطاب.
إنّ الله تعالى لن يغيب عن عباده. وهو أقرب إليهم من حبل الوريد، يحول بين المرء وقلبه، ولكن الإنسان قد يغيب عن الله، فلا يشعر بحضور الله، فإذا خاطب الله تعالى لمس حضور الله بكل مشاعره، وبقلبه وعقله.
والقرآن خطاب الله للعباد، يفتح أبواب هذا الخطاب على العباد.
وأبرز مصاديق هذا الخطاب في القرآن الدعاء، ففي الدعاء يتجسد هذا الخطاب من ناحية العبد لله تعالى بأجمل صوره، وأروع مشاهده، تأملوا في هذا الخطاب:
(رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) (آل عمران/ 193-194).
وحال الدعاء، من أفضل حالات العبد مع الله تعالى، لأنّ الدعاء يتضمن الخطاب. ففي كل دعاء يلجأ العبد إلى الله، ويطلب العبد حاجته من الله، ولن يتم هذا اللجوء وهذا الطلب إلّا بالخطاب.
وحال الصّلاة من مصاديق هذا الخطاب. ففي الصّلاة يخاطب العبد ربه، فيقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة/ 5)، ويقول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة/ 6).
إنّ خطاب العبد لله يعمق حضور العبد عند الله، ويعمق وعي العبد لحضور الله تبارك وتعالى.
وفي هذا الحضور، وفي هذا الوعي ما لا يعلمه إلّا الله تعالى من لذة القرب والخطاب والعلاقة بالله تعالى.
ففي كل صلاة لقاء لله وفي كل لقاء لله يخاطب الله تعالى عبده ويخاطب العبد ربه، وليس شيء في هذا الكون كله، في الدنيا والآخرة، ألذّ من هذا الخطاب المتبادل بين الله تعالى وعبده.
ففي كل صلاة كان يلمس رسول الله (ص) لقاء الله وفي هذا اللقاء كان يجد رسول الله لذة القرب والخطاب مع الله.
ولذلك كان يقول رسول الله (ص): "قرة عيني الصّلاة".
ومن بؤس الإنسان وشقائه أن يفتح الله تعالى على عباده أبواب هذا الخطاب في الصّلاة والدعاء ويرفع ما بينه وبين عبده من الحجب ويدعوه إلى خطابه، ويأذن له بذلك ويستجيب لخطابه ودعائه، رغم هذا الفاصل اللامتناهي الذي يفصل العبد عن الله... ثمّ لا يعي العبد قيمة هذا الخطاب، ولا يشعر بما في هذا الخطاب من لذة وقرة عين.
ارسال التعليق