كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) شخصية فريدة ومتميزة في كلّ تصرفاتها وأفعالها، حتى في حزنها وبكائها على أحبائها، لاسيما فراقها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ولأنّ الصبر قيمة إسلامية كبرى، ومن الطبيعي أن تمثّل الزهراء (عليها السلام) أعلى درجات الصبر من خلال مقامها الرفيع عند الله، فهي ككلّ أهل البيت (عليهم السلام) قدوة في الصبر، كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قدوة الناس كلّهم في هذا المجال، وكما كان الرسُل من قبله (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (الأحقاف/ 35). يقول تعالى: (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران/ 146)، وقوله: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال/ 46)، وكذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام): «الصبرُ رأسُ الإيمان»، وقوله (عليه السلام): «الصبرُ من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان».
إنّ حياة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في جميع الأبعاد كانت مليئة بالعمل والسعي والتكامل والسمو الروحي للإنسان، ومع تلك العظمة والجلالة، فإنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت زوجة في بيتها، وعالمة رفيعة في محيط العلم والعمل والعبادة والتقوى. كانت فاطمة (عليها السلام) في سموها الفكري والروحي، صورةً من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ما أخذته من علم وروحانية وانفتاحاً، كانت إنسانة الطهر والنقاء والعصمة. كانت (عليها السلام) تحمل علماً جمّاً، ولو امتدّت بها الحياة، لرأى المسلمون منها الكثير الكثير مما تفيض به من علومها التي أخذتها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّها كانت في حياتها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تغرف من بحر علمه، وتتحرّك في خطِّ أخلاقه، وتعيش آفاق روحانيته. ولهذا، كانت بضعةً منه: «فاطمة بضعة مني»، فعقلها بضعةٌ من عقله، وقلبها بضعة من قلبه، وطاقاتها بضعة من طاقاته، وروحانيتها بضعة من روحانيته، فليست كلمة «بضعة مني» تعني مجرّد أنّها ابنته، ولذلك قال: «يؤذيني ما آذاها، ويريبني ما يريبها، ويبسطني ما يبسطها»، لأنّها كانت منه بمنزلة الروح من الجسد، كانت شيئاً منه بكلِّ ما تعنيه ذاته المقدّسة.
كانت الزهراء (عليها السلام)، قدوة في برّها بأبيها وفي عفافها ونجابتها وطهارتها واستقامة سيرتها. قدوة في علمها الذي انعكس على سلوكها ومواقفها، قدوة في بيت الزوجية وفي تربيتها لأولادها، قدوة في صبرها وتحمّلها وفي حوارها وبيانها وخطابها الذي يعتمد القرآن وسنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) منهجاً له. هي القدوةُ في كلِّ شيء، لأنّها الإنسانة الكاملةُ في كلّ شيء. فاطمة الزهراء (عليها السلام) هذا الاسم الذي عندما تذكره فإنّه لا يوحي إليك إلّا بالطهارة كأصفى ما تكون الطهارة، وبالنقاء كأعذب ما يكون النقاء، وبالإنسانية التي تعطي الإنسان معنىً جديداً، وبالعصمة التي تتمثلها فكراً في فكرها وخُلُقاً في أخلاقها وسلوكاً في كلِّ حياتها وشجاعة في الموقف مع الحقّ، من دون أن تجد هناك أيّة نقطة ضعف.
إنّ مَن يدرس شخصية الزهراء (عليها السلام)، يجد أنّها تمثّل الشرعية في كلّ ما عاشته وانطلقت فيه ودخلت فيه من ساحات، فشخصيتها (عليها السلام) كلّها إيجابيات، فهي قدوتنا في العبادة وفي الأخلاق والجهاد والعطاء والإيثار. إنّ نداء فاطمة الزهراء (عليها السلام) للمؤمنين والمؤمنات هو أن يكونوا للإسلام بعقولهم وقلوبهم وعواطفهم وحركاتهم وأفعالهم وأقوالهم وكلّ حياتهم، كما كانت هي للإسلام في كلّ ذلك. وهكذا أثبتت الزهراء (عليها السلام) للعالم الإنساني أجمع أنّها الإنسان الكامل، إذ كانت تتمتّع بأوفر حظ من العظمة والكرامة. كانت (عليها السلام) بنت الرسالة ووليدة النهضة الإلهية الفريدة، واستطاعت أن تضرب بسلوكها الفردي والزوجي والاجتماعي مثلاً حقيقياً وعملياً، يُجسِّد مفاهيم الرسالة وقيمها تجسيداً واقعياً.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق