◄يقول تشارلز جينز في كتابه (الذات العليا):
"بدون أهداف ستعيش حياتك متنقلاً من مشكلة لأخرى، بدلاً من التنقل من فرصة إلى أخرى".
وفي قصة أليس في بلاد العجائب يجيب (توماس كلير) عن تساؤل هام كان يدور في ذهن بطلة روايته بقوله: "بدون هدف ستكون حياتك كقارب بلا دفة، وستنتهي رحلتك على صخر الحياة.. أشلاء مبعثرة".
فإذا كان الهدف يحتل هذه الأهمية الكبيرة، فلماذا لا يقوم الناس بتحديد أهدافهم في الحياة؟
لماذا نخشى دائماً من الجلوس أمام ورقة بيضاء لنرسم عليها خططنا، وأهدافنا..؟
لماذا نخشى ذلك الضوء الذي ينير لنا دربنا في الحياة؟
إنّ الله – سبحانه وتعالى – يؤكد لنا أهمية النظر إلى المستقبل واستشفاف ملامحه، وتأهيل النفس لخوضه والتعامل معه، يقول ربنا (ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغد)، فلماذا نخشى من النظر إلى الغد، وإعداد العدة لذلك؟
وأجيب بأنّ هناك أباب تجعلنا نحجم عن التخطيط ووضع الأهداف وهي:
أوّلاً: الخوف:
الخوف والرهبة هما أعدى أعداء المرء، فما إن يتملك منه ذلك الشعور البغيض إلا ويصاب بحالة من الشلل في التفكير والتركيز، والإنسان قد يخاف من الفشل، أو الغد، أو الرفض، أو حتى النجاح.
والخوف يكون عادة ناتجاً من خبرات سابقة مؤلمة، فتعمل عملها في تدمير النفس، وبث الرسائل السلبية المحبطة.
فالفشل السابق ينمي شعوراً بالخوف من فشل مستقبلي، مما يدفع الإنسان إلى عدم خوض التجربة مرة ثانية كي يتجنب مشاعر الألم التي شعر بها في المرة الأولى.
يقول زج زجلر في كتابه (فوق القمة): الخوف هو برّ الأمان الوهمي الذي يبدو وكأنه واقع.
والخائف – قارئي الكريم – إنسان مسجون في إطار من الأوهام والشكوك، وعدم الثقة في الذات.
لذا كانت الخطوة الأولى في سبيل تحقيق اهدافك أن تحارب خوفك، وأن تتسلح بالشجاعة في مواجهة أخطاء الماضي وتصحيحها والاستفادة منها، بدلاً من الوقوع في أسرها.
ثانياً: النظرة المشوشة للذات:
هناك حكمة تقول بأنّه لا يمكن للمرء أن يؤدي عملاً ما باستمرار، إن لم يتوافق هذا العمل مع رؤية المرء لذاته.
فالرؤية المهزوزة للذات، تنعكس على المرء في كافة شؤونه، مما يشعره بأنّه غير كفء للنجاح والتمييز، وأنّ النجاح قد خُلق للآخرين فقط، لذا نراه سائراً مع القلة الضالة في الحالة، لا يدري شيء عن أهدافه، ولا يستطيع تحديد ما يريد.
ولعل الشيء الجيد في هذا المقام أنّ الرؤية المهزوزة أمر يكتسبه الإنسان من تعامله مع البشر، وتتكون لديه من خبرات حياتية سابقة، لذا ليس من المستحيل تغييرها شريطة أن يكون لديه العزيمة والإصرار لذلك، وإلا فسيكون إمعة على هامش الحياة يقبل ويرضى بأي شيء، يقتنع ويوافق على أي قرار، ولن يرى بد ولا أهمية لتحديد أهدافه في الحياة، توماس أديسون يقول لهؤلاء أن "أكبر الفاشلين هم أولئك الذين يخشون من التجربة".
أما إن كنت من الذين يتمتعون بروح تواقة، تشتاق دائماً إلى الجلوس على القمة، وتأنف من المراكز المتدنية، فلابدّ أن تنسى دائماً أن هناك مركز ثان، يجب أن تكون عينيك ثابتة على المركز الأوّل، فكما يقول كنيدي: بمجرد أن ترضى بالمرتبة الثانية، فلن تصل إلى أقصى من ذلك.
ثالثاً: التأجيل والتسويف:
وهذا هو السبب الثالث، أو اللص الثالث الذي يسرق عمر المرء، فيضيع دون أن يضع لها الخطط والأهداف.
والتأجيل ببساطة هو تأخير عمل اليوم إلى الغد. فتسوف وتؤجل وتؤخر ما لا يجب تأخيره، إلى أن يمر العمر منك وحياتك خاوية إلا من أمنيات لا تجدي نفعاً.
المسوف يعشق كلمة (فيما بعد)، ويسجل أرقام قياسية في قول (سأفعل)، وهو شخص مبدع في استدعاء الحجج والمبررات التي تمنعه من القيام بعمله، وقد يستدعي الشيء وضده، فمرة تراه يقول: "الجو سيء جدّاً.. إنّه ليس بالجو الذي يشجع على العمل"، ويقول في موضع آخر: "الجو ممتع يساعد على الاسترخاء والراحة"!!.
والمسوف قد يؤمن بأهمية الأهداف لكنه ليس بالإيمان حار.
هي أقرب للأمنية منها إلى الإيمان، وللأسف التسويف عادة إذا فعلها المرة مرة وثانية وثالثة، وترك للنفس مساحة ترتفع فيها من التسويف، يصعب التحكم فيها بعد ذلك.
إننا لا نعيش إلا حياة واحدة، وبالرغم من أن كلنا يعلم ذلك إلا أنّ القلة فقط هي من تعمل من أجل ذلك، القلة فقط هي التي تهم في الحال لتؤمن نفسها أقصى فائدة في تلك الحياة.
رابعاً: عدم الإيمان بأهمية الأهداف:
فكما أسلفنا أن هناك من البشر من لا يؤمن بقوة وأهمية أن يحدد أهدافه في الحياة، بل ويرى أنها مضيعة للوقت، وترى في جعبته حجج كثيرة مقنعة – له على الأقل – بعدم تحديد أهداف له في الحياة، وقد يفاجئك بمثال لشخص لم يكتب أهدافه في الحياة لكنه ناجح ومتميز، وهذا بالضبط نفس ما يجيبك به الشخص المدخن عندما تحدثه عن الأضرار الصحية للتدخين فيقول لك: هل ترى فلان الذي بلغ من الكبر عتياً، إنّه يدخن بشراهة!.
نعم هناك من لا يخطط وقد ينجح لموهبة لديه، أو لتوفر عوامل النجاح، لكن الاستثناء ليس هو القاعدة.
الشخص الذي لا يخطط قد ينجح لكن الصعوبات والعقبات والمشاكل التي تواجهه تكون أكثر وأشد من التي تواجه الشخص الذي لديه خطة وهدف واضحين. وليس من الحنكة أو الذكاء أو نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
خامساً: عدم المعرفة:
هناك أشخاص قد يُعجبوا بما نقول، وقد تتوفر لديهم الرغبة في تحديد أهداف لهم في الحياة، لكنهم لا يملكون الذخيرة المعرفية التي تؤهلهم لذلك، وللأسف لا يعملون على امتلاك تلك الذخيرة.
ليس هناك أعجب من شخص يطمح في شيء ثمّ لا يتسلح بالمعرفة كي يحقق هذا الشيء.
أحد أصدقائي أخبرني ذات يوم بأن حلمه في الحياة أن يكون ممثلاً متميزاً، لكنني لم أره ولو مرة واحدة يحضر دورة عن فن التمثيل، أو يقرأ كتاب يتحدث عن التمثيل، لا يأخذ أي خطوة نحو تحقيق هدفه، لذا يظل مجرد حلم.
وعندما سألته: ولما لا تقوم بعمل خطوات لتحقيق حلمك قال لي: لا أدري كيف أبدأ!.
فإذا لم يحاول المرء أن يتعلم كيف يمكن أن يكون لديه خطة واضحة لتحقيق أهدافه، ويضع لذلك الوقت المحدد لتنفيذ تلك المهمة، سيظل أسيراً مع تلك الفئة التي تردد مع صاحبنا الحالم بالتمثيل (لا أعرف كيف)!.
يقول زج زجلر (قد يمنعك الآخرين عن فعل شيء لبعض الوقت، لكنك أنت الذي تمنعها كل الوقت). أنت الوحيد القادر إما على إطلاق سراح أحلامك، ووأدها والإجهاز عليها بعدم التعلم والتدريب، والبحث المضني عن الطريقة المثلى لتحقيقها.
أهمية الأهداف:
1- للتحكم في الذات: عندما يكون لدى المرء برنامج منظم ومتكامل ومتزن لتحقيق أهدافه في جوانب حياته المختلفة، سيشعر أنّه متحكم أكثر في حياته ومصيره، ويكون لديه القوة كي يقوم بالمبادرة في كافة شؤون حياته، إنّ القوة التي يستمدها الشخص الذي خطط لمستقبله عظيمة جدّاً، كما أنها تساعده على التغلب على العقبات المختلفة، حيث أنّه قادر أكثر من غيره على رؤية ما خفي من الأمور، فرؤيته لهدفه تتيح له مقدرة إضافية من الثبات والصلابة في مواجهة مشكلات وعقبات الحياة.
وتجعل من صعوبات الحياة متعة، فما أجمل الحياة أن تنجز ما اتفق الناس على كونه مستحيل كما قال أرسطو.
2- الثقة بالنفس: فبمجرد أن تكتب أهدافك، وتضع خطتك إلا وستجد أن ثقتك بنفسك قد تزايدت بشكل كبير، تتزايد هذه الثقة بزيادة تحكمك في حياتك، وتحقيقك لأهدافك، وستدفعك هذه الثقة إلى مزيد من التقدم والرقي، حيث أنها تؤهلك لتحقيق نتائج مبهرة ورائعة.
والواثق من نفسه لا يستطيع مخلوق إيقافه أو تحويله عن قبلة النجاح الذي يمم شطرها بوصلة طموحه، إنّه قوي في إيقاف من يحاول هدمه وعرقلة مسيره، وهو كما يقول أرشميدس (حدد لي موقعي السليم وسوف أحرك لك الكرة الأرضية).
3- رقي الذات: تتوقف قيمة المرء منا على ما حققه في حياته من إنجازات وأهداف، بانتهاء الهدف يرتقي الواحد منا خطوة أخرى في سلم الرقي والتميز.
إنّ تحقيق الأهداف يخلق نوعاً من احترام المرء لذاته وتقديره لها، وتدفعه إلى الثقة فيها والإيمان الكامل بقدراتها، وسيجد المرء نفسه رويداً رويداً ومع توالي الإنجازات برقي ذاته.
وستجد أنّ العقبات التي تواجهك تثير بداخلك الحماسة كي تخطط أكثر، وتفكر بذهن أكثر تفتحاً ووعياً، مما يساعدك على اتساع مداركك، وتفتح تفكيرك.
4- إدارة الوقت: عندما تحدد أهدافك، ستجد نفسك مضطراً إلى تنظيم أولوياتك، وإدارة وقتك بشكل سليم، بعيداً عن هدر الدقائق والثواني، وقتل حياتك في عمل ما لا طائل من وراءه.
وعندما تضع إطار زمني لتحقيق أهدافك، ستجد أن تركيزك أصبح أقوى، وقابلية الخضوع لمضيعات الوقت صارت ضعيفة، وستجد أن إدارة والوقت وتحديد الهدف صارا وجهان لعملة واحدة، ومعادلة لا يمكن فصلها من معادلات النجاح.
5- استمتع بحياتك: عدم وجود خطة في حياتك يجعلك تعيش الحياة وكأنها حالة طوارئ، فكل شيء متداخل ومضطرب، على العكس من ذلك فوجود خطة منظمة ومتوازنة لحياتك، سيجعلك أكثر تركيزاً على طريقة معيشتك، وستجد أن هناك طاقة هائلة ونشطة بداخلك على الدوام تدفعك إلى الاستمتاع الدائم بحياتك، أو كما قال روزفلت (السعادة تكمن في تحقيق الأهداف، ونشوة الجهود الابتكارية).►
المصدر: كتاب سيطر على حياتك
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق