• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

سبيل الحياة في القرآن الكريم

عمار كاظم

سبيل الحياة في القرآن الكريم

يشتمل الدِّين الإسلامي على أتمّ المناهج للحياة الإنسانية، ويحتوي على ما يسوق البشر إلى السعادة في الدارين. هذا الدِّين عُرفت أُسسه وتشريعاته من طريق القرآن الكريم والسنّة الشريفة، فالقرآن الكريم ينبوعه الأوّل ومعينه الذي يترشّح منه. والقوانين الإسلامية التي تتضمّن سلسلة من المعارف الاعتقادية والأصول الأخلاقية والعملية، نجد منابعها الأصيلة في آي القرآن العظيم. نعم، إنّ القرآن الكريم كلام الخالق عزّوجلّ فهو كتاب هداية ورحمة وبشرى للمؤمنين، الذين يقرؤون آياته فيعملون بها، ويسمعون القول فيتّبعون أحسنه، وهو كتاب شفاء لمن شاء، وكتاب تحدٍ حيث عجز عن الإتيان بمثله أو بسورة من مثله أحدٌ، إنّه النور الذي ينير طريقنا وعقولنا ويرشدنا إلى الحقّ اللامتناهي.

ومن صفات القرآن في المعاني والهداية، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله في صفة القرآن: «ثمّ أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه، وسراجاً لا يخبو توقّده، وبحراً لا يدرك قعره، ومنهاجاً لا يضلّ نهجه، وشعاعاً لا يظلم ضوؤه، وفرقاناً لا يخمد برهانه، وتبياناً لا تهدم أركانه، وشفاءً لا تخشى أسقامه وعزّاً لا تُهزم أنصاره، وحقّاً لا تخذل أعوانه. فهو معدن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره، ورياض العدل وغدرانه وأثافي الإسلام وبنيانه، وأودية الحقّ وغيطانه، وبحر لا يترفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها المانحون، ومناهل لا يغيضها الواردون، ومنازل لا يضلّ نهجها المسافرون، وإعلام لا يعمى عنها السائرون، وآكام لا يجوز عنها القاصدون، جعله الله ريّاً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجّ لطرق الصلحاء، ودواء ليس بعده داء، ونوراً ليس معه ظلمة، وحبلاً وثيقاً عروته، ومعقلاً منيعاً ذروته، وعزّاً لمن تولاه، وسلماً لمن دخله، وهدى لمن أئتّم به، وعذراً لمن انتحله، وبرهاناً لمن تكلّم به، وشاهداً لمن خاصم به، وفلجاً لمن حاج به، وحاملاً لمن حمله، ومطيّة لمن أعمله، وآية لمن توسم به، وجنّة لمن استلام، وعلماً لمن وعى، وحديثاً لمن روى وحُكماً لمن قضى».

لا قيمة للعلاقة بكتاب الله على مستوى القراءة والتدبّر والحفظ وغيرها، دون العمل والالتزام بتعاليم الله تعالى وتشريعاته التي نزلت وَحياً على نبيّ الإسلام محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد رُوِي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «مَن تعلَّم القرآن ولم يعمل به وآثر عليه حبَّ الدُّنيا وزينتها استوجب سخطَ الله...، ومَن تعلَّم القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى، فيقول: يا ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنتُ بصيراً؟ قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى، فيؤمر به إلى النار». ورُوِي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «مَن قال به (أي بالقرآن) صَدَق، ومَن عَمِل به أُجر، ومَن اعتصم به هُديَ إلى صراط مستقيم، هو الكتاب العزيز». وعن الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام): «إنّ الرجل إذا كان يعلم السورةَ ثمّ نسيها أَو تركها ودخل الجنّة أشرفت عليه من فوق في أحسن صورة فتقول: تعرفني؟ فيقول: لا. فتقول: أنا سورة كذا وكذا لم تعمل بي، وتركتني، والله لو عملتَ بي لبلغتُ بك هذه الدرجة، وأشارت بيدها إلى ما فوقها». وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «القلوبُ أربعةٌ: فقلبٌ فيه إيمان وليس فيه قرآن. وقلبٌ فيه قرآنٌ وإيمان. وقلبٌ فيه قرآنٌ وليس فيه إيمان. وقلب لا قرآنَ فيه ولا إيمان. فأمّا القلب الذي فيه إيمان وليس فيه قرآن كالثمرة طيِّبٌ طعمها ليس لها ريح. وأمّا القلب الذي فيه قرآن وليس فيه إيمان كالأشنة طيِّبٌ ريحها خبيثٌ طعمها. وأمّا القلب الذي فيه إيمان وقرآن كجِراب المسلك إنْ فُتِحَ فُتِحَ طِيْباً وإن وعى وعى طِيْباً. وأمّا القلبُ الذي لا قرآن فيه ولا إيمان كالحنظلة خبيثٌ ريحها، خبيثٌ طعمها».

القرآن كتاب شامل، ففيه كلّ ما يحتاج إليه الإنسان في سيره التكاملي نحو السعادة من أُسّس العقائد إلى تنظيم المجتمع وأخلاق المعاملة وأدب العبادة وتنظيم حياة الناس. يقول تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) (النحل/ 89).. القرآن هدفه تعريف الإنسان بنفسه وبربّه ودنياه وآخرته والسُّبل الآيلة لخلوصه من هذه الدُّنيا سعيداً وحياته فيها معافى، وهذا غير متعلّق بزمان أو مكان، ففي القرآن الحقائق الثابتة، التي لا يتطرّق إليها البطلان ولا تنسخ بمضيّ القرون والأعوام، يقول تعالى: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) (الإسراء/ 105).

ارسال التعليق

Top