لم يمنع القرآن الكريم المرأة من القيام بمسؤولياتها الاجتماعية والسياسية وحتى الجهادية القتالية فيما لو اقتضت الأمور ذلك... بل أعلى للمرأة دورها الفاعل في المجتمع لتصبح جنباً الى جنب مع الرجل في ساحات العطاء والجهاد والمسؤولية. (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ اِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة/ 71). من خلال هذه الآية المباركة نستطيع ان نفهم دور المرأة في المجتمع ومدى ما تضطلع به من مسؤولية كبيرة تاريخية وحضارية في صيانة المجتمع والمحافظة على نظافته وطهارته وصلاحه. ذلك لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب ان يقوم به المؤمنون نساءً ورجالاً... ويعملوا معاً من أجل احياء تلك الفريضة الربانية التي هي الأساس في قيام المجتمع الخير وسؤدده (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران/ 110).
لقد لعبت زينب (عليها السلام) دوراً رائداً في ثورة كربلاء.. فكانت بحقِّ تلك البطلة التي يرهبها الأعداء.. والتي لم تنكسر قط رغم ما عاشته من محنة قاسية، ومشاهد دامية. لقد لخصت كلِّ ما رأته من خلال جوابها على سؤال ابن زياد الذي قال لها: «كيف رأيت صنع الله بك وبأهلك؟» فقالت زينب (عليها السلام):
«ما رأيت الّا جميلا»!!
كانت ترى كلّ تلك المشاهد القاسية الدامية في منتهى الروعة والحسن والجمال.. ما دامت في سبيل الله.
ومواقف زينب (عليها السلام) تدلّ أيضاً أنها كانت مُعَدّة مسبَقاً لمواصلة الخطّة بعزيمة ورباطة جأش واستقامة، وهكذا فعلت في الكوفة والشام والمدينة، بل وفي شمال أفريقيا على أقوى الاحتمال.
هذه كلّها وغيرها اجتمعت لتجعل من حادثة كربلاء خالدة على مرّ التاريخ، ومحفّزة للأُمّة تدعوها ان لا تداهن ولا تهادن ولا تتخاذل ولا تتراجع، بل تمضي على بصيرة من أمرها مقتدية بأبيّ الضيم وسيّد شباب أهل الجنة عليه وعلى جدّه وأبيه وأُمّه أفضل الصّلاة والسّلام.
لقد استمرت السيّدة الحوراء (عليها السلام) في رسم معالم شخصيَّة المرأة المسلمة القويَّة عبر مواقفها الخالدة أمام الاستبداد كلّه، انّ الله يريد للمرأة المسلمة ان تقف وقفة الحق، وأن تواجه الظالمين وأن تواجه الطغاة، وأن تملك القوّة في المواقع الّتي تفرض عليها ان تقول كلمة الحقّ، فالله لم يكلّف الرجل فقط في ما هي مسألة جهاد المواقف، بل كلَّف المرأة والرجل... والخطّ الاسلامي الَّذي يجب ان يتعاون فيه الرجل والمرأة من أجل بلوغ الغاية في نصرة الله ونصرة دينه ونصرة رسول الله.
انّ مشهد زينب (عليها السلام) بعد مصرع الامام الحسين (عليه السلام) وأصحابه وأهل بيته وهي تشق صفوف الجيش المحتشد والذي كان يترقب منها البكاء والعويل واذا بها تُفاجئ الجموع عندما تضع يدها تحت جسده الطاهر ثم تقول: (اللهم تقبل منا هذا القليل من القربان)، انّ هذا المشهد الملحمي البطولي خير دليل على أنّ زينب هي المنتصرة وأنّ الحسين (عليه السلام) هو المنتصر، فالنصر يخرج من رحم المعاناة والجراح والهزيمة هي انهزام الذات وانحدار القيم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق