• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التغيير الإيجابي.. من أين نبدأ؟

د.ياسر عبدالكريم بكار

التغيير الإيجابي.. من أين نبدأ؟

التغيير سمة مميزة من سمات البشر، قال أحدهم: (إنك لا تسبح في النهر مرتين). فنحن نتغير في كلّ لحظة... نتفاعل مع كلّ حدث، مع ما نشاهد ونسمع، مع من نقابل من الناس، مع خبرات الماضي وتجارب الحاظر، ومع ما نكتسب من علم ومعرفة وخبرة، التغيير عملية ديناميكية مستمرة لا تتوقف، علمنا أم لم نعلم، رضينا أم لم نرض.

قد يختلف البشر بطواعيتهم للتغيير، فكم نفترق عن بعض الأصحاب مدة طويلة ثم نعود لنجدهم كما هم دون تغير واضح, العمر أيضاً له تأثيره، فكلما تقدم الإنسان في العمر أصبح عصياً على التغيير.

هذه قاعدة عامة لها الكثير من الشواذ، كما قال أحد المفكرين: الشباب ليس في سواد الشعر وإنما في الحيوية والمرونة، أي القدرة على التغيير.

وطالما أن التغيير عملية مستمرة، فلماذا لا تجيرها لمصلحتك بدل أن تكون عبئاً عليك؟ لماذا لا نقوم بتوجيهها بأنفسنا بدل أن نترك ذلك لشخص آخر؟!.

التتغير الذي نعنيه هنا هو التغيير الإيجابي، وهو سلسلة من الأعمال التي تقودنا إلى مستوى أفضل في شأن أو في سائر شؤون حياتنا. سوف نجول في هذا المقال وفي لكي ننظر كيف نتغير خطوة بخطوة ونسأل من الله العون والتوفيق.

بداية لماذا الحديث عن التغيير...

التغيير فكرة مركزية في ثقافتنا الإسلامية، فنحن ننظر إليه كوسيلة لنيل المزيد من رضوان الله عزوجل، والذي هو وظيفتنا الكبرى في هذه الحياة. وكم نقابل من الأشخاص من يود التقرب إلى الله... يرغب في الإقلاع عن المعصية... يود أن يتحول إلى شخص فاعل في الحياة، بناء، معطاء لمجتمعه، لكن الحيرة تكبله و تشله: من أين ابدأ؟ وكيف أواصل؟ وكيف أخرج أفضل ما عندي؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي أتمنى أن نزيل عنها الغبش في هذا المقال وما بعده.

نتحدث أيضاً عن تغييرأنفسنا لأنها الخطوة الأولى والأهم في سبيل تحسين أوضاع مجتمعاتنا وحال أمتنا، كما ورد في قول الله العزيز الكريم: (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) ( الرعد /11).

فنحن أحوج ما نكون هذه الأيام للطاقات المتميزة التي نجحت في بناء قدراتها، ومن ثم تسخيرها لخدمة الأمة في كافة المجالات.

و الآن من أين نبدأ بالتغيير...

الخطوة الأولى على طريق التغيير هو الاعتراف بوجود مشكلة، والشعور بالحاجة الى التغيير. وهذه خطوة جوهرية لأن مشكلة الكثير من الناس عدم إدراكهم لهذه الأهمية... بل يعتقد البعض أن مجرد التفكير بهذا الأمر يقلل من قيمتهم أو يصمهم بالضعف وعدم الكفاءة,ولعلك قابلت ذلك الشخص، صاحب أداء متدن في عمله، ومع هذا لا يدرك مشكلته هذه حتى يفصل من عمله, وحتى بعد ذلك! حيث يعتقد أن ما تم كان مجرد مؤامرة ضده...!

عندما نمتلك الشعور بالحاجة إلى التغيير، سوف يكون لزاماً أن نطرح السؤال التالي: أين أنا...أي أن تحدد ملامح واضحة لوضعك الحالي في المجال أو المجالات التي تسعي فيها إلى التغيير.

فمثلاً في مجال العلاقة مع الله عزوجل: حدد بالضبط أين تضع نفسك في قافلة السائرين إلى الله؟، وما الذي يعكر صفوها؟، ما الذي يشدك إلى الوراء، ويمنعك أن تتقدم في نيل المزيد من رضوان الله تعالى؟. أريدك أن تكتب ذلك بشكل مفصل لأن ذلك سوف يساعدك كثيراً في عملية التغيير.

المجال الثاني هو مجال الأسرة والأبناء... ستستغربون أيها الأخوة الكرام إذا أخبرتكم عن كمية الحالات التي نستقبلها كأطباء نفسيين في عياداتنا لأسر مفككة... أخوة لا يتكلمون مع بعضهم لسنوات... فتيات لم يشعرن بحنان الأب منذ أمد طويل .... أمهات لم يسمعن كلمة جميلة من أبناءهن منذ سنوات وسنوات.

بعض هذه البيوت الجميلة التي ترونها تنتشر هنا وهناك تقبع في داخلها قصص أسرية محزنة يتفطر لها الفؤاد, لذا كان التغيير على المستوى العائلي في غاية الأهمية, وعلى ذات النمط: حدد بالضبط أين يقع مكانك وسط أسرتك؟...كيف ينظر لك اخوتك وأخواتك؟... زوجتك كيف تشعر تجاهك؟... أبناءك ماذا يتسامرون عنك عندما تخلد للنوم؟... ما هو الأثر الذي تركته في كل واحد منهم؟ إلى غير ذلك.

المجال الثالث الذي قد يكون محوراً للتغيير هو العمل, أين مكانك في عملك الذي تكسب منه رزقك وتقضي فيه ساعات طويلة؟ أسأل نفسك لو قرر مجلس إدارة الشركة التي تعمل بها أن يخفض عدد العاملين هل ستكون منهم؟... كيف ينظر إليك رئيسك؟... هل يشعر زملاؤك بأي فرق عند غيابك؟... هل تطور مهاراتك في سبيل أداء أفضل لما هو مطلوب منك؟... أسئلة كثيرة لكنها مهمة، وتحتاج منك إلى جهد للإجابة عليها. لكن ثق تماماً أنك الآن تخطو خطواتك الأولى والأساسية في طريق التغيير. هذه المجالات الثلاثة أحببت أن تكون مثالاً كي تطبقه على بقية المجالات الهامة الأخرى كالجانب العلمي الثقافي، وصحتك الشخصية، والإقلاع عن عادة سيئة، والجانب الخيري من حياتك في الإحسان للآخرين ومساعدتهم، ومساهمتك في تحسين أوضاع المسلمين ونهضتهم. في كلّ هذه المجالات، حدد فيها وضعك الحالي ويفضل أن تكتب ذلك في مذكرتك الشخصية حتى يتسنى لك فيما بعد المقارنة وتقييم مسيرتك. الجزء الثاني من هذه الخطوة التي نهدف منها إلى تقييم ما نحن عليه هو تحديد نقاط قوتك وضعفك... يا ترى ما هو الشيء الذي يميزك عن الآخرين؟.. في شخصيتك؟ في مهاراتك؟... وفي المقابل ما هي عيوبك؟ بماذا ينتقدك الناس وأقول الحكماء من الناس؟... ما هي العوائق التي تحدد من تقدمك في مجالات الحياة كافة؟ ضع إجابات واضحة للأسئلة السابقة لأن ذلك سيمنحك بصيرة رائعة لها أهمية خاصة من أجل النجاح في التغيير.

 

المصدر: كتاب القرار في يدك

ارسال التعليق

Top