إنّ الفطرة الطبيعية للإنسان تجعله في حاجة ليكون فرد ضمن المجتمع، فلا يستطيع العيش وحيداً، والأعمال التطوعية تعتبر أحد المصادر الهامة لنشر الخير، حيث تلعب دوراً هاماً في إضفاء صورة إيجابية عن المجتمع، ويكون دليل على ازدهاره، وسيادة الأخلاق الكريمة بين أفراده. إذن فالعمل التطوعي هو ظاهرة إيجابية، نشاط إنساني جيِّد، يقوي قيم التعاون والود بين جميع أفراد المجتمع الواحد. قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) (التوبة/ 105)، وقال أيضاً في محكم كتابه: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2). وفي الحديث الشريف: «خيرُ الناس أنفعهم للناس». إنّ المجتمع التربوي ليس مجتمعاً منعزلاً عن الحياة، بل يعيش في قلب الحياة والأحداث، ويعتبر الخزّان البشري الأكبر الذي يرفد المجتمع بكلّ ما يلزمه من أجل توازنه واستقراره. لذا، فإنّ دوره مهم على صعيد تأكيد الروح الجماعية، وتعزيز هويّة الذات الجماعية الواعية التي تنشد السلام والمحبّة، وتعتمد لغة الحوار والتسامح والانفتاح، ففي ظلّ ما يعانيه الإنسان في واقعه من مشاكل وتعقيدات، تطال مختلف مناحي حياته الصحّية والنفسية والاقتصادية، يبقى السؤال المشروع قائماً حول دور المدارس والجامعات والمؤسّسات التربوية عموماً، في تنمية روح العمل الجماعي لدى الأجيال!
إنّ هذا الواقع المشحون بكلِّ أشكال الضغط النفسي والاقتصادي والاجتماعي، من المهم العمل على مواجهته، من خلال زرع روح التعاون والانفتاح، في إطار العمل الجماعي والتطوعي. هنا، يأتي دور الروح الجماعية وتعزيزها وتنميتها بكلّ الوسائل المتاحة، عبر برامج تربوية واجتماعية واعية ومسؤولة، تهدف إلى زرع التعاون بين الأجيال، من خلال تدريبهم على إقامة أنشطة حوارية أو ثقافية حول مواضيع متنوّعة، وفسح المجال للجميع للمشاركة وإبداء الرأي، وتدريبهم أيضاً على القيام بأنشطة تطوعية إنسانية واجتماعية وصحّية، لتعليمهم أهميّة الشعور الإنساني في الواقع عبر الممارسة، من خلال جمع التبرّعات، وإقامة نشاطات تعليمية، لتعريف الجميع بمناطق بعضهم البعض، وكسر حاجز الخوف من الآخر، وتقوية الثقة بالذات، والتعويد على حبّ الغير، وفتح آفاق التسامح.
إنّ العمل الجماعي يفتح المجال أمام كلّ الطاقات والقدرات، لأن تتلاقى وتجتمع على كلّ معاني البرّ والخير، وتؤسِّس لنزع القلق والتوتّر من كلّ الأجواء المشحونة التي تتسبّب بالمشاكل الكثيرة، من خطابات تعبوية وتحريضية وفئوية.. فالانخراط في العمل الجماعي يعزِّز روح المسؤولية والعمل التطوعي عند الإنسان تجاه مجتمعه، ليصبح أكثر تقبّلاً للعمل الجماعي المتعاون، ويعزّز روح المسؤولية العامّة لدى الجميع، وينمّي روح المبادرة والانفتاح على كلّ الرُّؤى والتطلّعات.
وما أحوج المجتمعات البشرية اليوم وفي كلّ يوم، إلى إبراز هذه الروح الجماعية، وإعطاؤها المجال لتنشط وتتحرّك وتعطي ما لم يعطه الآخرون من أمل وأمان واستقرار، فإنهاء التشرذم، وفضّ المشاكل والنزاعات، يبدأ من المجتمع التربوي الناشط والفاعل والمسؤول، كما ويبقى دور الإعلام أساسياً أيضاً في دعم المؤسسات التربوية، عبر تسليط الضوء على ما ينبغي أن تلعبه من دور على الصعيد الاجتماعي.
وختاماً، عندما نبني المسؤولية الاجتماعية، ونعمل على زرع الروح الجماعية في القلوب والعقول، عندها تضيق مساحات الفوضى والتشتّت، ويصبح الأمل بالتقدّم والعمران أكثر جدوى وواقعية، في زمن نفتقد إلى روح الجماعة والتعاون في سبيل الصالح العام.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق