◄دعا القرآن الكريم المؤمنين إلى ذكر الله سبحانه وتعالى، خوفاً من عقابه، وذكراً لنعمهِ وآلائه. وحقيقة الخوف من الله سبحانه هو خوف الإنسان من أعماله السيئة التي توجب إمساك الرحمة وانقطاع الخير من الله سبحانه.. والواقع أنّ الإنسان المؤمن المتقي بروحيته الشفّافة وعقله النيّر لا يملك إلّا أن يرتجف قلبه ويتحرك ضميره إذا ذُكِرَ الله، ذكراً يكشف جبروت الله وغضبه وانتقامه.. يقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنفال/ 2)، ويقول تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ) (الزّمر/ 23). وهذا الوجل وتلك القشعريرة إنّما تنبع من ذكر يوم القيامة، والأجواء الرهيبة التي تحيط بالمذنبين في ذلك اليوم الحاسم، وموقف الخالق عزّ وجلّ وحكمه العادل بين جميع البشر الذين خلقهم على مرّ السنين..
وأمام هذه الصورة.. صورة الوجل والقشعريرة، تقف صورة مقابلة للإنسان الذاكر لله.. صورة الإنسان المطمئنُّ القلب.. صورة الإنسان الذي لا يفتأ عن شكر الله، وذكر النِعَم الإلهية.. الإنسان الذي لا تغادر شعوره فكرة الاطمئنان إلى رضا الله سبحانه وتعالى.. يقول تعالى: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (الرعد/ 27-29)، فالإنسان المؤمن الذي أناب ورجع إلى الله سبحانه بجوارحه وقلبه وشعوره هو الإنسان الذي ينشر ذكر الله عزّ وجلّ على قلبه ظلالاً من الرحمة والحب والطمأنينة.. فالإيمان بالخالق العظيم لا يفرز إلّا السكون والاستقرار في قلب ذلك المؤمن.. ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب.. نعم إنّ القلوب المعذّبة في الأرض لا تجد لها بلسماً يشفيها من معاناة الحياة ومشقّتها غير ذكر الله، والتلذذ بالاتصال به سبحانه.. وقاعدة الاتصال بالله عزّ وجلّ هي القلب.. فإذا كان القب سليماً، مؤمناً، كان الاتصال بالخالق متواصلاً، متيناً، قوياً.. وإذا زاغ القلب عن ذكر الله، لم يبق من القاعدة الإيمانية للإنسان أرضاً يستند عليها، فيزيغ قلب الإنسان من الهدى إلى الضلال.. يقول تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (الصف/ 5)، ويقول تعالى: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج/ 46).
إنّ السكون والطمأنينة التي تغمر قلب الإنسان المؤمن، وهو في حرارة الاتصال بالله تعالى، إنّما ترمز إلى أن ذكر الله، إنّما هي عملية تتوافق مع الطبيعة الفطرية للإنسان، وأنّ الذكر الكثير إنّما هو عملية رجوع المخلوق الضعيف لخالقه القوي.. وبالنتيجة، فإنّ ذكر الله سبحانه إنّما يمنح الإنسان المؤمن شيئاً لو اجتمعت الدنيا كلها بعلمها وقدراتها، لما وفرته لذلك الإنسان.. تلك هي طمأنينة القلب، وسكون النفس، وهدوء الخاطر.. وبين القشعريرة والاطمئنان، وبين الوجل والسكون، يتقلب الإنسان المؤمن بين الرجاء والأمل، بين رحمة الخالق وبين عدالته، بين القشعريرة لذكر الله وذكر العذاب، وبين الطمأنينة لرحمة الله ورأفته. ►
المصدر: كتاب الأخلاق القرآنية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق