◄أفرز التطور العديد من الأساليب التي تتعامل مع الصورة وصولاً إلى عصر الكاميرا والتلفزيون اليوم، وأنّ فهم الصورة وإدراك ما ترتجيه، يتعلق بثقافة الفرد ومدى إطلاعه على الحضارات البشرية وإبداعات فنانيها، وللصورة مكونات وتأثيرات عديدة، فهي مثير بصري فعال، خصوصاً اليوم في عصر الصورة المتحركة وفي التلفزيون، حيث اكتسبت خصائص جديدة جعلتها متميزة التأثير، ويمكن الإشارة إلى بعض التأثيرات للصورة.
التأثيرات النفسية والتربوية للصورة:
إنّ انجذاب المتلقي تجاه المادة المعروضة بفعل التأثيرات النفسية للصورة كونها تنقل الواقع بأشكال صور خيالية وذات سمات ساحرة جذابة، كما يقول أرسطو: "إنّ التفكير مستحيل من دون صور".
لقد كان الأدب هو الذي يقوم بتلك المهمة طيلة القرون الماضية، فكان هو مقياس ثقافات الأُمم، ويعكس واقعها الاجتماعي وتاريخها، ولا زال الأدب في بعض الشعوب هو الأكثر شعبية ولكنّ هذا الدور بدأ ينحسر بعد اختراع الصورة المتحركة كوسيلة للتعبير سواء في السينما أو التلفزيون، خصوصاً بعد انتشار القنوات الفضائية، حيث لم تعد الصور حكراً على دولة أو أمة، "لقد عمّت الصورة البشرية كلها، وتساوت العيون في رؤية المادة المصورة مبثوثة على البشر كل البشر دون رقيب أو وسيط. هذا تغير جذري من الكلمة المدونة التي هي روح الأدب وعنوان الثقافة الأصيلة، إلى الصورة التلفزيونية، التي هي لغة من نوع جديد وخطاب حديث، له صفة المفاجأة والمباغتة والتلقائية مع السرعة الشديدة، ومع قوة المؤثرات المصاحبة وحدية الإرسال وقربه الشديد حتى لكأنك في الحديث المصور من دون حواجز"، من هذا الحديث يمكن أن نستنتج أهمية الصورة في العصر الراهن قياساً بالأدب، ومما جاء في المثل الصيني: "الصورة تساوي ألف كلمة".
إنّ ثقافة الصورة أمست اليوم علامة على التغيير الحديث وهي أيضاً السبب فيه، لذا اهتم الجميع بها، فالنقد الثقافي يعتني اليوم بثقافة الصورة، والجامعات والمؤسسات العلمية والإعلامية خصصت حيزاً كبيراً لدراستها، والصورة كوسيلة إعلامية لم تعد على حد قول (مارشال مكلوهان) المشهور "الوسيلة هي الرسالة"، بل لقد تجاوزت لتكون هي الرسالة والمرسل أيضاً، مما يستدعي إعادة التقييم للنموذج الاتصالي، فالصورة المتحركة المباشرة اختزلت العناصر التي كنا نتحدث عنها طيلة عقود، وأصبح هنالك تداخل كبير بين العناصر الثلاثة، حقاً إنّ الصورة ليست وليدة اليوم، إلا أنّ أهميتها ازدادت بشكل كبير في العصر الحديث، فالحياة المعاصرة لا يمكن تصورها من دون صور، وهذا ما أكده رأي الناقد الفرنسي رولان بارت حيث يقول: "إننا نعيش في حضارة الصورة"، لقد جعلت الصورة بشكلها في القنوات الفضائية الإنسان في مواجهة مباشرة مع الحدث.
إنّ ثقافة الصورة هي ثقافة مفروضة علينا، تقتحم بيوتنا وتؤثر على ثقافتنا وأفكارنا. وليس لنا سيطرة عليها فهي قابلة للتكرار ومن خلال هذه العملية يحدث نوع من الأهمية والتأثير ومن ثمّ التفاعل، كما أنّ التغذية المرتدة مطلوبة من الآخرين. كما تفعل العديد من البرامج الثقافية على التنميط الثقافي الذي يعني إنتاج نمط ثقافي واحد وفق إرادة المنتج المهيمن بالتعاون مع المخرج والمعد والمقدم، ويكون ذلك عبر احتكار وسائل الاتصال والسيطرة المختلفة كالتقنية والمعلوماتية وتكنولوجيا الاتصالات، إنّ لسحر الصورة مكانتها المثيرة، والسحرية في نفوس الآخرين.
ويتطلب الانتباه إلى ذلك ومتابعة أثرها على ثقافة المجتمع والتربية وعلى نفسية المتلقي، فالعديد من البرامج خصوصاً برامج البث المباشر، ممكن أن تكون ذات تأثير ثقافي كبير خصوصاً على الفئات التي تعاني من النسيان والتهميش الاجتماعي وتشاهد التلفزيون بكثرة، فتحتاج إلى من يأخذ بيدها وينتبه لها.
إنّ ثقافة الصورة هي ثقافة المستقبل. والتي لا يمكن لرقيب أن يمنعها كما أنها تنشر كل الثقافات ولكن تبقى ثقافة الأقوى، "المالك لهذه التقنية والمتحكم بها" ومعظم ثقافات الأُمم باتت تواجه اليوم، اقتحام البرامج المعولمة بالصورة والصوت من الخارج، لتحل بديلاً عن البرامج المحلية التي تخلق الرتابة والملل، لتأتي من خلال البرامج الثقافية وغيرها والتي تتخذ التسلية والمرح رسالة لها كهدف ظاهر ولتمرير ثقافات هادفة كهدف مبطن.
إنّ ثقافة الصورة بأشكالها المتعددة، وأخطرها القنوات الفضائية، تلعب ولعبت دوراً أساسياً في تشكيل وعي الإنسان المعاصر بأشكال إيجابية حيناً وأشكال سلبية حيناً آخر.►
المصدر: كتاب الإعلام وبناء الأُسرة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق