◄الناجح هو الذي يحقّق أهدافه التي وضعها نصب عينيه سواء كانت أهدافاً روحية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية... إلخ
فإذا نجح في القيادة قيل: إنّه قائد ناجح وإذا نجح في الإدارة قيل: إنّه إداري ناجح وإذا نجح في الخطابة قيل: إنّه خطيب ناجح وهكذا... وبالتدقيق في حقيقة النجاح، والنجاح الحقيقي، نستنتج ما يلي: إنّ النجاح على نحوين: الأوّل: نجاح عابر، وهو النجاح في الأهداف العابرة والزائلة كالنجاح في المدرسة، والإدارة، وإحراز لقب البطولة، وما أشبه، يُعبّر عنه بـ"العاجلة" كما في قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) (الإسراء/ 18). وهذا لا يعني أنّ على الإنسان أن يترك النجاح في الأمور الدنيوية، فإنّ الله تعالى يقول: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة/ 201). وقال تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص/ 77). بل المراد أن من كان همّه الوصول إلى هذه الأهداف من خلال الطرق والأساليب فسيصل إليها. فإنّ الله تعالى لا يمنعه، كما قال تعالى: (كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) (الإسراء/ 20). ولكن هذه الأهداف مهما كانت كبيرة فإنها تزول بالمرض أو الاقعاد أو الموت، ولذلك قلنا إنها عاجلة وعابرة. الثاني: نجاح دائم، وهو النجاح في تحقيق الأهداف الكبرى للحياة، كالنجاح في تحقيق عبادة الله تعالى وخلافته في الأرض، والوصول إلى مقام الإنسانية الرفيع، والتحلّي بالأخلاق الفاضلة. ويعبّر عنه بـ"الفوز العظيم" و"الفلاح". قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (الأعلى/ 14). وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة/ 72). وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) (البروج/ 11). وهذا هو النجاح الحقيقي، ذلك لأنّه يحقّق للإنسان الهدف الأسمى لوجوده على الأرض... بينما قد لا يحقّق النجاح الدنيوي هدف الوجود، فكم من ناجح في نيل أعلى الشهادات ولكنه فاشل في العلاقات الاجتماعية؟! وكم من ناجحفي السياسة، ولكنه لا يستطيع أن يسوس رغباته وشهواته؟! وكم من ناجح في حمل الأثقال، ولكنه لا يستطيع أن يتحمل مسؤوليات تجاه غيره؟! وكم من ناجح في المصارعة ولكنه لا يستطيع أن يصرع شهوات نفسه؟! لقد استطاع أحد روّاد الفضاء أن يصل إلى القمر ولكنه عندما نزل إلى الأرض ضرب زوجته وأولاده وطردهم من البيت. وكان أحدهم ناجحاً في علم الفلسفة ولكنه فاشل في العلاقة مع الناس، فهل هذانجاح حقيقي؟ - الناجحون والراسبون: وصف الأديب "ميخائيل نعيمة" حال التلاميذ في الامتحانات آخر السنة الدراسية ثمّ قال: "ولكن الناجحين والراسبين لا يلبثون في النهاية أن يخوضوا المعركة الكبرى – معركة الحياة القاسية – حيث الكفاح على أشُّده، وحيث يُمتحنون في كل لحظة امتحاناً لا محاباة فيه ولا تزوير. وأما المواد التي يمتحنون فيها فأكثر من أن تنحصر بين دفتي كتاب، بل بين دفات ألف ألف كتاب، فهي تتناول جميع ما يقولون ويفعلون، وجميع ما يضمرون ويظهرون. والأنكى من ذلك أنهم لا يبصرون لفاحصيهم وجهاً، ولا يسمعون لهم صوتاً، ولا يعرفون لهم مقراً، فكأنهم في كل شيء مما على الأرض وفي السماء، بل كأنهم في كل زمان ومكان، لا تفوتهم شهوة ولا نية، ولا يستتر عن أبصارهم فكر ولا خيال، فهم بحق فاحصو "القلوب والكلى" والعارفون "بذوات الصدور". وما أكثر ما نرى الناجحين في الامتحانات المدرسية يرسبون في امتحانات الحياة! وما أكثر ما نرى الراسبين ينجحون! ثمّ ما أكثر الذين ما كان لهم من الدراسة أي نصيب، أو كان نصيبهم منهم جدّ ضئيل، ولكنهم، مع ذلك، تمكنوا من شق طريقهم إلى مقدمة الركب البشري! فليس أدعى إلى الشفقة من حامل بكالوريا يطرق أبواب دواوين الدولة ناشداً وظيفة فلا يحظى بوظيفة، وأبواب رجال الأعمال طالباً عملاً فلا يجده، وهكذا ينتهي إلى القنوط والخمول. وكم من دكتور في الفلسفة انزوى في معهد من معاهد التدريس الثانوية وهو راض من جهده بالكفاف، فلا يشع منه نور فلسفة، ولا يكاد يَعرف بوجوده إلا طلابه وذووه. وليس أدعى إلى الإعجاب من رجل رسب في امتحاناته المدرسية ونجح في امتحانات مدرسة الحياة، فأصبح علماً من الأعلام، ومنارة يَهتدي بنورها أو – على حد قول القدامى – سارت بذكره الركبان"[1]. - مقاييس النجاح: قال الكاتب الأمريكي الشهير "دايل كارنيجي": "إنّ مقياس النجاح الحقيقي للمرء، ليس فيما يبلغه دخله من عمله أو مقدار رصيده في المصارف، وما يملك من أطيان وعمارات، لأن عنصر الحظ يلعب دوراً هاماً في كسب المال، كما أنّه قد يكون على حساب الشرف والكرامة والأخلاق، ولكن مقاييس النجاح تتوقف على مدى استغلال المرء لمواهبه، ومدى إفادته من الفرص، وتغلبه على ما يصادفه من متاعب وعقبات. إنّ كثيرين من رجال الأعمال الذين تحسدهم وتعجب لما أحرزوه من تقدم ونجاح في أعمالهم أشقياء فعلاً وأبعد ما يكونون عن السعادة وسلامة النفس لأنهم ركّزوا كل جهودهم واختصوا بكل أوقاتهم ناحية واحدة وتركوا النواحي الأخرى. وعلى النقيض من ذلك، يندر أن تجد شخصاً نجح نجاحاً كبيراً في حياته كزوج أو والد أو مواطن أو إنسان، قد فشل فشلاً ذريعاً في جميع ميادين الحياة الأخرى، والسبب في ذلك. أنّ النجاح في هذه النواحي يستلزم كثيراً من الصفات التي تعزّز النجاح في ميادين العمل، فالشخص الذي ينجح في حياته الزوجية، لابدّ أنّه قد نجح في تنمية شخصيته وفهم نفسه وعرف كيف يتحكم فيها، وهو حري أن ينجح كوالد، وما لم تعاكسه الظروف يغلب أن ينجح كإنسان. ولكي نعيش كما ينبغي، لا يكفي أن نعيش لأنفسنا، وإنما يجب أن نعيش في إنسجام مع البشرية التي نحن منها، فلو أنّ الإنسان كان جسماً فحسب، لكفانا من الحياة الناجحة المحافظة على ذلك الجسم وإمتاعه بغضّ النظر عمن يعيشون معنا وحولنا. ولو كان جسماً وعقلاً فحسب، لكانت الحياة الناجحة هي العناية بهما ومراعاة الانسجام بينهما بغضّ النظر عن جميع الاعتبارات الأخرى. ولو كان جسماً وعقلاً وروحاً فحسب، لما استلزمت منا الحياة الناجحة سوى المحافظة على سلامة الجسم والعقل والروح. ولكن الإنسان شيء أكبر من هذا، فهو جسم وعقل وروح داخل الجسم الأعظم، وهو كذلك العقل الأعظم والروح الأعظم للجنس البشري كله، لا الأحياء منهم فحسب... ولكن للذين عاشوا قبلاً والذين سيعيشون.."[2].► المصدر: كتاب الطريق إلى النجاحمقالات ذات صلة
ارسال التعليق