• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ثلاثة أسئلة للمحافظة على وقتك

د. إبراهيم بن حمد القعّيد*

ثلاثة أسئلة للمحافظة على وقتك

◄كثيراً ما تتزاحم علينا الأعمال والمهام والارتباطات والتوقعات سواء في مكان العمل أو في حياتنا الاجتماعية والخاصة ونضطر للسعي وراء أداء الكثير من الأعمال بحكم العادة أو مجاملة للآخرين أو هرباً من مسؤوليات أهم، ومع الوقت يفيق البعض منا على حقيقة مرة ولسان حاله يقول: إنني ببساطة أضيّع الكثير من وقتي وأهدر الثمين من طاقتي. كيف السبيل إلى المحافظة على الوقت وأقدر الثمين من طاقتي. كيف السبيل إلى المحافظة على الوقت واستغلاله الاستغلال الأمثل. وما هي الطريقة التي تعينني على توفير طاقتي وتسخيرها لخدمة أولوياتي في الحياة.

لقد تعلمت منذ زمن طويل آلية بسيطة للمحافظة على وقتي وأُعلمها للآخرين في دوراتي ومحاضراتي، ألا وهي أن أربط الأعمال والمهمات والارتباطات بثلاثة أسئلة متتالية الإجابة، وبناء على هذه الأسئلة أقوم بتحديد نوع العمل أو المهمة وتحديد الطريقة التي أتصرف بها.

السؤال الأوّل: هل العمل أو المهمة ضرورية؟

السؤال الثاني: هل يمكن تفويضه؟

السؤال الثالث: ما أفضل طريقة لإنجازه؟

والسؤال الأوّل هو أهم سؤال وبناء على إجابته تتحدد الخطوات التالية. فإذا واجهتك مهمة أو عمل أو ارتباط أو طلب منك ذلك فاسأل السؤال الأوّل: هل العمل أو المهمة ضرورية؟ فإذا كان الجواب "لا ليست ضرورية" فعليك تركها أو الاعتذار عنها بطريقة مهذبة أو الانسحاب بأسلوب يحفظ لك كرامتك. وبهذا تختصر عليك الكثير من الوقت وتوفر الكثير من الطاقة. إنك بهذا العمل ستجد أنك قد تحررت من العديد من الأمور والالتزامات التي تعملها أو تقوم بها بحكم العادة والمجاملة وعدم وضوح الرؤية.

وعندما أقول "ضرورية" هل هي واجب تمليه عليّ مسؤولياتي ودوري في الحياة، سواء في عملي أو في حياتي الخاصة أو هي أمر ثانوي سواء قمت به أم لم أقم به لا يغيّر في الأمر شيئاً. أو ارتباط يمكنني الاعتذار عنه بدون أن أُلام كثيراً على ذلك. إن مقدار الضرورة أمر نسبي لا يمكن لأحد من الناس أن يقدره سواك، وأنت وحدك من يزن الأمر ويعرف مدى ارتباط الأمر بواجباتك ومهامك الرئيسة في الحياة.

ومن خبراتي وتجاربي في الحياة، منذ أن بدأت أقيس الأعمال والمهام والارتباطات بميزان أو مستوى الضرورة، أجد أنني تحررت من الكثير من الأعمال والمسؤوليات والارتباطات وركزت على تلك المهمة والضرورة. وأجد نفسي باستعمال هذا السؤال "هل العمل أو المهمة ضرورية" أتخلص من 30 – 50% مما يمثل ضغطاً على وقتي وهدراً لطاقتي. فكثير من الأعمال والمهام التي تواجهني والدعوات والمناسبات والاجتماعات التي يرغب بعض الناس أن يراني فيها قد لا تكون هي خياري المفضل ولا أرى لها ضرورة على الإطلاق، ولكهني أحاول ألا أتخلف عن ما هو ضروري.

إذاً إذا كانت إجابتك عن السؤال "لا ليس ضرورياً" فعليك بالاعتذار المهذب وتوفير وقتك الثمين أما إذا كان الجواب نعم الأمر ضروري فعليك بالانتقال إلى السؤال الثاني.

السؤال الثاني: هل يمكن تفويض العمل أو المهمة، أي هل يمكن عملها من قِبَل الآخرين؟

فإذا كان التفويض ممكناً فوض الآخرين للقيام بهذا العمل أو المهمة، فوض من تستطيع، موظف، زميل، عامل، ابن، ابنة، زوجة، صديق.. إلخ. وسوف تجد من يقوم بالعمل، وربما قام به بطريقة أفضل منك، إنّ تعويد الناس من حولك على التفويض يزيد من ارتباطهم بك ويعزز من سريان روح الأسرة المتعاونة أو الفريق المتناغم/ كما أنّه يزيد من الثقة المتبادلة بين الجميع ويبني ثقة الآخرين بأنفسهم ويطور قدراتهم. والتفويض أمر نسبي مثل مستوى الضرورة. فهناك أمور لا يمكن تفويضها على الإطلاق وأمور يمكن تفويض بعضها وأخرى يمكن تفويضها كاملة.

ومنذ أن بدأت أسأل نفسي "هل يمكن تفويض الأمر إذا كان ضرورياً" وأنا أجد الكثير من الأشياء التي كنت بحكم العادة والظروف أعملها يمكن تفويضها للآخرين من حولي. إنها فقط مسألة موقف وقناعة ومرونة في تحمل بعض أخطاء الآخرين. وأجد نفسي بدون مبالغة أتخلص من 20 – 30% من الأعمال بسبب التفويض.

إذاً إذا كان الجواب: نعم يمكن تفويضه فعليك بالتفويض، أما إذا كان الجواب "لا، لا يمكن تفويضه" فعليك بالانتقال إلى السؤال الثالث وهو "ما أفضل طريقة لإنجازه" في هذه المرحلة يفترض أنّ السؤالين الأوّلين: سؤال الضرورة وسؤال التفويض حذفا ونسقا العديد من الأعمال والمهام ولم يبق سوى تلك الضرورية التي لا يمكن تفويضها، وأمامنا اختيار أفضل طريقة لتحقيق هذه المهمة الضرورية. ما هي هذه الطريقة الأفضل؟ أكثر الطرق احترافا؟، أسهلها؟ أقدرها على تحقيق المطلوب؟ أقلها تكلفة؟ أقلها زمنا،.. من الاعتبارات التي تحقق الأمر الضروري بأفضل كفاءة وفعالية.

هذه الأسئلة الثلاثة مثيرة للاهتمام أليس كذلك؟ قد تقول إنّ الأمر نظري وشتان بين التنظير والتطبيق، كيف لي أن أدرك الأمر عن طريق بعض الأمثلة العملية. حسنا دعنا نأخذ بعض الأمثلة التي تقرب لنا المفاهيم لموضوع الضرورة والتفويض والوسيلة.

-         كلفك رئيسك في العمل بأن تحضر أحد الاجتماعات في الأسبوع القادم. أغلب الظن أنّ الإجابة على السؤال الأوّل "هل الأمر ضروري؟" "وهو أهم وأصعب الأسئلة": نعم إنّه ضروري، على الأقل هذه مهمة كلفك بها رئيسك. ثمّ هل يمكن التفكير بمن تفوض لحضور الاجتماع إذا كنت ترى أنّ هذا الاجتماع سيأخذ الكثير من وقتك "ولديك العديد من المهام". ربما اتصلت برئيسك وأخذت رأيه في الموضوع وإمكانية إرسال أحد الزملاء من الإدارة. لكنه يرى أهمية حضورك شخصياً. إذاً لا يمكن تفويضه ومن ثمّ لا يبقى سوى أن تسأل السؤال الأخير: "ما أفضل طريقة لحضور الاجتماع لتحقيق أفضل النتائج؟": التحضير للاجتماع، طلب جدول الأعمال، تحديد زمان ومكان الاجتماع، وتحديد وقت البداية والنهاية.. وعند الحضور التركيز على تحقيق هدف الاجتماع بدون تضييع الوقت، مع الإدارة الفاعلة وبأفضل الطرق العلمية والاحترافية.

-         مثال آخر: جاءتك دعوة للعشاء في الأسبوع القادم، وسيكون فيها مجموعة من زملائك ولكنك في نفس الوقت لديك عمل أهم وارتباط مسبق. هل هذه المناسبة ضرورية؟ "لا" إذاً تعتذر بلباقة وتوفر وقتك لعمل أهم.

-         طلبت منك زوجتك شراء بعض الحاجات. هل الأمر ضروري "بالتأكيد" هل يمكن تفويضه؟ ربما يمكنك ذلك فابنك المراهق يمكن أن يقوم بهذا العمل. صحيح أنّه صغير على هذه المهمة ولم يتدرب كثيراً وربما أخطأ ولكن تفويضه في مثل هذه المهمة يجعله يتعلم ويكون شريكاً في أعمال أسرته وسيدربه لمهمات أخرى، وسيتيح لك مجالاً للتفرغ لمهمات أهم.

وهكذا يمكنك عن طريق هذه الأسئلة الثلاثة أن تنظر إلى الحياة من حولك بطريقة مختلفة فكلما ازداد الاهتمام والممارسة لهذه الأسئلة كلما أدى ذلك إلى مزيد من التركيز على الأمور المهمة في الحياة، وتم توفير الكثير من الوقت والجهد ولشعور بالإنجاز والراحة النفسية.►

 

*الرئيس التنفيذي لشركة دار المعرفة للتنمية البشرية

 

المصدر: كتاب دروس ثمينة في تحقيق التميز والنجاح في الحياة

ارسال التعليق

Top