◄بناء الإنسان وتشكيل وعيه الاجتماعي، والأخلاقي، والمعرفي، وتدعيم قدراته الإبداعية، وتنمية مهاراته المتنوعة، وتوسيع أفق مداركه، وتطلعاته، هو جوهر العمل التربوي.. وتكاد تنصب كافة الجهود الإدارية والفنية حول هذا الهدف..
ومن المعروف أن منظومة التعليم كلّ لا يتجزأ، وانها مترابطة الحلقات، وإذا كنا نركز على المعلم الممتاز، والإدارة المدرسية الكفء، والمنهج المطور، فسوف يظل في الحسبان جوانب فنية، قد تضيع في زحمة اللهاث وراء التجديد، والتنويع في التعليم...
ومن هذه الجوانب الحرص والتأكيد على مفهوم الذات لدى الطفل، والتلميذ، والطالب وتقديرها، لما لهذا المفهوم من أثر على تحسين مستوى الطالب، وتعديل سلوكه.
وقد أشار أحد التربويين إلى مفهوم الذات وتقديرها بأنّ الأشخاص الذين يحصلون على درجات مرتفعة في تقدير الذات لديهم قدر كبير من الثقة في ذواتهم، وقدراتهم، ويعتقدون في أنفسهم الجدارة، والفائدة وانهم محببون من الآخرين.. بينما الأشخاص الذين يحصلون على درجات منخفضة في تقدير الذات لديهم فكرة سالبة عن ذواتهم، بل يعتقدون انّهم فاشلون، وغير جدرين بالاهتمام، فضلاً عن قلة جاذبيتهم.
فالإنسان كائن حيّ يشعر بما يحيط به، ويتأثر بهذا الشعور.. والمحيط الاجتماعي له تأثيره البالغ على الفرد، خصوصاً له تأثيره البالغ على الفرد، خصوصاً إذا كان صغيراً أو في مقتبل العمر.. لذا قد يحكم على طالب "ما" بالفشل عند عدم حصوله على نسبة عالية من العلامات في امتحاناته الشهرية، أو في نهاية العام.. أو بالكسل عندما يتقاعس عن النشاط، أو مما يطلب منه من واجبات.. مع انّ هذا لا يعني فشله في الأولى، وكسله في الثانية، وربما كان هذا نتيجة للمحيط الاجتماعي (المنزل – المدرسة – الفصل) الذي تربى بداخله، وهو السبب في ذلك...
ان ما يخامر الإنسان من شعور إيجابياً كان أو سلبياً، تظهر معالمه على أفعاله وأقواله، ومن هنا يستوجب منا الحذر في التعامل مع الطالب ان نلجم انفعالاتنا الضارة ونستبدلها بانفعالات مؤثرة وساره..
وإذا أردنا أن نبني أفراداً أسوياء بأساس قوي ومتين: من ثقة بالنفس، واعتزازاً بها لتقوى هذه الذات على مواجهة الصعاب، وحمل المشكلات، وللتفوق، كي تبرز، وتظل سائرة في درب النجاح، صاعدة إلى قمة النبوغ والإبداع، فلنتفهم مسألة مفهوم الذات وتقديرها.
وحول مفهوم الذات وتقديرها تمت دراسات وأبحاث ميدانية، ومقالات تناولها مفكرون، ومربون، خرجوا جميعهم بأن مفهوم الذات وتقديرها هو:
(البناء النفسي، وانّه مجموعة من الشعور، والعمليات التأملية، التي يستدل عليها بواسطة سلوك ملحوظ أو ظاهر).
عن طريق هذا التعريف يتضح لنا ان مفهوم الذات سيكون بمثابة تقويم الشخص لنفسه ككل، من حيث: مظهره، وشخصيته، وقدراته، واتجاهاته، حتى يبلغ كلّ ذلك ذروته، ويصبح قوة موجهة لسلوكه.
يقول الدكتور منصور وآخرون (علم النفس العام): "إنّ الفكرة التي يكونها الفرد عن نفسه وامكاناته أو قدراته، تلعب دوراً هاماً في سلوك هذا الفرد،وفي نمو شخصيته مستقبلا"
وطالما كان هدفنا بناء الطالب، وتشكيل وعيه الاجتماعي، والأخلاقي، والمعرفي فإنّه يتحتم على كلّ من يعمل في المجال التعليمي، الإداري، الفني، أن يوفر لأبنائه الخيرات السارة الناجحة، والمواقف المشجعة، والاثابة العاجلة لفظاً أو معنىً، وإن يقدم لهم ما يحقق طموحاتهم وتطلعاتهم، وأن يغرس في أنفسهم الثقة بالنفس، وأن يعمق فيهم الإحساس بقدرتهم وذكائهم، وأخلاقهم وتفوقهم وانهم بالإمكان ان يأتوا بالانجازات العظيمة لو بذلوا واجتهدوا.
تقول الباحثة "نادية الشريف" "الأسس التربوية":
"ان توفير الخبرات الناجحة والابتعاد عن الإحساس بالاحباط يساعد الفرد على إدراك ذاته، ويحس بالاحترام والتقدير لها" فكلما كانت الخبرات سارة ومشجعة، كلما ساهمت في نمو الشخصية، ويلعب مجتمع الكبار من آباء، وأُمّهات ومعلمين، ونظار، دوراً هاماً في تكوين فكرة الطفل والتلميذ والطالب عن نفسه، وفي مساعدته على تكوين مفهوم إيجابي للذات.
كما تقتضي عملية التشجيع من المدرسين أن يتقبلوا الطفل والطالب بما هو عليه من قدرات وإمكانات، وما يشوبه من عيوب، وما يعتريه من نقاط ضعف أو نقاط قوة.. وأن يعودوه على الاعتزاز بالنفس والثقة بها، وأنّه بإمكانه مهما كانت درجة قدراته وامكاناته أن يجتاز العقبات، ويحقق أحسن النتائج، وأن يحصل على أعلى الدرجات، طالما عقد العزم والتصميم على النجاح وبلوغه..
وعندما يشعر الطفل أو التلميذ أو الطالب بأنّهم يلقون حباً واستحساناً قد يبدؤون في تركيز اهتمامهم بالتحصيل.. والمدرس الذي يعترف بأهمية هذا العامل يكون في مقدوره ان يهيئ الفرص لكل طالب بأن ينجح ويتفوق أو يعدل من سلوكه..
أيها الآباء، والأُمّهات، والمعلمون، والنظار، إن أبناءنا لهم حقوق.. علينا أن نمتدح جهودهم وعملهم، ونبارك لهم كلّ خطوة خيرة يخطونها، وان نمهد الأرض بعد أن نفتح لهم صدورنا وقلوبنا، ليشعروا بالأمان والاطمئنان، وان نغرس فيهم كيف يثقون بأنفسهم، ويعتزون بها وانّهم أسوياء وأذكياء، وبإمكانهم أن يفعلوا الكثير، ولنكن أمامهم نماذج صالحة، ولنكن كما نود أن يكونوا، فنحن أمامهم وسائل تعليمية، يتلقون منها مبادئ السلوك، والعلوم، ويوسعون من خلالها أفق ادراكهم فهم يأخذون منا عادة الحديث، وعادة الأكل، واللبس وأسلوب التعامل والعلاقات.. إنّهم حساسون شديدوا التأثر، يلتقطون بوعي، أو بدون وعي صفات كثيرة منا.
شجعوهم ولا تحبطوهم، وليكن سلوككم سابقاً لوعظكم، وأفعالكم مقدمة على أقوالكم.
إنّ التربية التي نريدها كما يقول الدكتور: عبدالرحمن العيسوي "هي التي تراعى خلجات التلميذ، وتلبي حاجاته، كالحاجة للشعور بالحب والعطف، والحاجة إلى النجاح، والحرية، والضبط والنظام، والشعور بالأمن، والقبول، والمكانة، والانتماء، والابتكار، والخلق، والابداع، وتنمية خياله وحسه، وذوقه، ووجدانه، وضميره.. فالطفل الهياب الذي يفتقد الشعور بالثقة بالنفس، يتحرك أكثر بكلمة ثناء أو تشجيع.. ولقد وجد انّ الإحباط يعرقل قدرة الطفل على التعلم، ويعوق قدرته على الاستغراق في المادة الدراسية، كما يصرف انتباهه وحماسه عن المادة المراد تعلمها، أو المدرسة التي يذهب إليها، لارتباطها بشخصية المعلم أو الناظر الذي سبب له هذا الإحباط.
وصفوة القول: إنّ المشاكل التي يعاني منها أبناؤنا لها أبعاد تربوية، تعليمية بما يلقى على التربية المدرسية والبيتية تبعة مطالب التنمية الشخصية، مطالب التنمية الاجتماعية، على أساس تحرير الأبناء من السلبيات الاجتماعية، وتنمية شخصيات قادرة على صنع القرار..
ليست العملية التعليمية مجرد أداء، أو تنفيذ مناهج، أو ممارسة أنشطة، أو انتقالهم من مرحلة تعليمية إلى أخرى.. لكنها تعني إلى جانب هذا كله، الكيفية التي يتم بها إعداد جيل من الناشئين للحياة إعداداً جيداً، يراعى فيه:
احترام الذات، وتقديرها، لا لجمها وخنقها، إحباطها، وإحصاء أخطائها، وسلبياتها للنيل منها والكيد لها..
وعندئذ نقول: إن كافة الجهود التربوية المبذولة قد حققت نجاحاً واستطاعت أن تربي جيلاً يسعى لخير بلاده ويحقق لها في المستقبل التقدم، النمو والإزدهار.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق