• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

بعيداً عن القلق.. إجعل حياتك متعة

د. أكرم رضا

بعيداً عن القلق.. إجعل حياتك متعة

◄يقول ج. أ. هارفيلد – أشهر الأطباء النفسانيين في إنجلترا – في كتابه (علم نفس القوة):

"الجزء الأكبر من الإرهاق الذي تعاني منه مصدره الذهن، فإنّ الإرهاق الناتج عن مصدر جسدي بحت هو أمر نادر".

إذن فإنّ الإنسان يستطيع العمل لأطول وقت ممكن دون الشعور بالتعب مادام يستشعر المتعة في هذا العمل، وأشارت إلى ذلك شركة [مترو بوليتان] للتأمين على الحياة في كتيب عن الإرهاق قالوا:

"إنّ العمل المرهق نفسه نادراً ما يسبب الإرهاق، الذي لا يمكن علاجه بالنوم أو الراحة، إلا أنّ القلق أو التوتر أو الاضطراب العاطفي هي الأسباب الحقيقية للإرهاق".

فإذا استطعت أن تجعل المتعة ليست هي فقط في الوصول إلى الهدف وإنما في كلّ خطواتك على الطريق فافعل.

 

إذا كان الوقت جزءاً من خطتك، وخطواتك للوصول إلى الهدف شكل من أشكال المتعة، فقد استكملت إدارة ذاتك.

 

ولا نستطيع أن نخبرك بالوسائل التي تستطيع أن تستمتع بوقتك عن طريقها فأنت خبير نفسك وتعلم خفاياها، ولكن نقدم لك بعض ما نظن أنّه وسائل لأن تجعل حياتك ممتعة.

 

أعمدة المتعة الخمسة:

أوّلاً: ترويض النمر:

يقول ديل كارنيجي في كتابه (دع القلق وابدأ الحياة) وكتابه (كيف تتعامل مع الناس)؟:

"إنّ مجرد منظر مكتب تغطيه رسائل غير مجاب عليها، وتقارير، ومفكرات كثيرة، كاف لتوليد الضيق، والإزعاج، والتوتر، والقلق".

هذه العبارات أوردها كارنيجي في فصل بعنوان أربع عادات في العمل تساعدك في تجنب الإرهاق والقلق وكانت العادة الأولى هي [نظف مكتبك من جميع الأوراق باستثناء تلك التي تتعلق بعملك الآتي].

ولما سئل أحد رجال الأعمال طبيبه النفسي: أين تحتفظ بالعمل الذي لم ينجز؟

أجاب: أحتفظ به منجزاً.

فسأله: وأين تحتفظ بالرسائل التي لم تجب عليها؟

قال: أحتفظ بها مجاباً عليها.

 

النمر:

باربارا همفيل B. hemphill أخصائية في إدارة الأعمال تقول:

لقد قضيت آلاف الساعات مستشارة تنظيمية أتعامل مع الناس وأوراقهم، ووجدت أن هناك حقيقة واحدة واضحة جدّاً ألا وهي: إنّ مهارات إدارة الأوراق تعتبر ضرورية للعيش في مجتمعاتنا.

ولقد اقتبست عنوان هذه الفقرة (ترويض النمر) من اسم كتاب لها سجلت خبراتها في هذا المجال سمته:

(Taming the Paper Tiger. Organizing the paper in your life)

وترجمته (ترويض النمر الورقي – تنظيم الأوراق في حياتك)

أليس العنوان طريفاً؟!

وأليس الموضوع مهماً جدّاً؟!

تقول باربارا في مقدمة هذا الكتاب:

يمكن تشبيه عملية تفحص كوم من الورق بإيقاظ نمر نائم إذ إننا سنكتشف خلال تفحصنا، أوراقاً تمثل خيبة أمل بالنسبة إلينا أو التزامات أو غموضاً أو تردداً في عملية اتخاذ القرار، وكما أنّ نوم النمر بصورة مؤقتة يخفف عنا فإن تجاهل الأوراق يخفف عنا بصورة مؤقتة أيضاً، ولكن يظل هناك خوف دائم داخل عقولنا من أنّ النمر سيفيق من نومه في أي لحظة.

هكذا فإن هذا النمر الرابض في مكتبك سبب أساسي في عدم المتعة في حياتك، بل وسبب في أن كثيراً من الأزهار التي تجلب إليك الاستمتاع بوقتك وبطريقك إلى هدفك قد اختفت عن عيونك، وتعبر عن هذا باربارا في كتابها القيِّم:

"لن تقتصر فائدة تنظيم أوراقك على خلو مكتبك من الفوضى، بل وستظهر لك كثيراً من الأشياء الجميلة".

وقد أكّد ذلك أحد العلماء الذين نظموا أوراقهم حينما قال: لقد كنت مشغولاً في البحث عن طريقي في الغابة لدرجة أنني لم ألحظ الأشجار الجميلة. إنّ تنظيمي لأوراقي جعل من السهل عليَّ تحديد ما هو المهم في حياتي.

 

أربعة أسئلة:

وحتى تستطيع أن تروض نمرك الورقي وضعت باربارا الأسئلة الأربعة الآتية التي يجب أن تسألها لنفسك عند كلّ ورقة:

1-    هل يجب عليّ أن أحتفظ بهذه الورقة؟

2-    أين أحفظها؟

3-    إلى متى أحفظها؟

4-    كيف سأعثر عليها؟

وللإجابة عن هذه الأسئلة وضعت باربارا أهدافاً أربعة دارت حولها فصول الكتاب الاثنان والعشرون التي كانت عنوان أوّل فصل فيها:

(زأرة النمر) وكان آخرها بعنوان (إدخال النمر في القفص)

وهذه الأهداف الأربعة هي:

1-    إتلاف الأوراق غير الضرورية.

2-    تجنب إنتاج أوراق غير ضرورية.

3-    تحديد موقع ثابت للأوراق المنتهية.

4-    إنشاء نظام استرجاع ورقي سهل.

الكتاب جميل وممتع والموضوع حيوي في إدارة ذاتك، وإن تنجح فيه فهو الطريق إلى الاستمتاع بوقتك.

تقول باربارا:

إنّ إعداد نظام شخصي لإدارة الأوراق يتطلب حماساً، وجهداً، وممارسة.

 

ثانياً: ابدأ بالأهم:

قال هنري. ل. دوهيرتي مؤسس شركة ستيز سيرفيس:

هناك مقدرتان لا تقدران بثمن هما:

1-    المقدرة على التفكير.

2-    المقدرة على القيام بالأشياء طبقاً لأهميتها.

تشارلز لوكمان بدأ من الركام، ليصبح صاحب مليون دولار بعد اثنى عشر عاماً، ومديراً لشركة (بيسو دوانت) يستحق أن تتعرف على تجربته في تحقيق قدرات دوهيرتي الاثنتين.

يقول: أكثر ما أتذكر أنني كنت أستيقظ في الساعة الخامسة صباحاً؛ لأنني أستطيع أن أفكر أفضل من أي وقت آخر، وأن أخطط ليومي، وأخطط الأشياء طبقاً لأهميتها.

وصدق رسول الله (ص) حين قال: "البَرَكَةِ في البُكُور".

فالإجابة عن سؤال من أين تبدأ؟ تكون بتذكر أن لوكمان كان يخطط ليومه بل إن [روبنسون كروزو] بطل القصة المعروفة باسمه، وضع مخططاً لما يجب أن يقوم به في كلّ ساعة من يومه أثناء وجوده وحده في الجزيرة.

والحل المثالي للخروج من هذه الحيرة هو هذه القاعدة التي كان [برناردشو] يجعلها من شعارات عمله:

 

افعل الأشياء طبقا لأهميتها.

 

ثالثاً: الاسترخاء:

جرب أن تغلق عينيك بعد قراءة طويلة، وأن تلقي برأسك إلى الخلف، وأن تستلقي.

هل تشعر الآن بعضلات عينيك؟!

ولماذا عضلات عينيك؟

يقول الدكتور ادمون جاكوبسون..

إذا كنت تستطيع إرخاء عضلات عينيك فإنك ستنسى جميع متاعبك.

ولكي تتمتع بوقتك أثناء العمل عليك بالنصائح التالية:

1-    اقرأ كتاباً حول الاسترخاء وأساليبه.

2-    اترك جسدك يتمدد.

هل رأيت قطة متعبة؟ أو مصابة بانهيار عصبي؟ أو تعاني من القلق؟ الأمراض النفسية؟

ثمّ هل رأيت قطة تنام في الشمس؟!

يقول علماء النفس إذا أردت أن تجيد فن الاسترخاء فتعلم من القطة فإنّها تبدو رخوة تماماً قد استرخت كلّ عضلاتها!

3-    اعمل في الوضع المريح، وإنفاق بعض المال في مقعد مريح سوف يوفر لك الكثير من الاسترخاء الجسدي الذي يعينك على التمتع بوقتك.

4-    افحص نفسك هل تستخدم عضلات لا دخل لها بما تقوم أثناء عمل؟ استرخ بالأجزاء التي لا تعمل أثناء العمل مثل ساقيك ويدك الأخرى.

5-    اسأل نفسك في آخر اليوم هل أنا متعب اليوم؟!

فإذا أجبت بنعم فقل لنفسك ليس تعبي بسبب العمل، وإنما بسبب الطريقة التي اتبعتها للقيام بالعمل، استرخ الآن، لتشعر بمتعة مرور الوقت في العمل.

 

رابعاً: غيِّر نمط العمل:

شعرت إحدى السكرتيرات بالسأم من روتين كتابة الرسائل اليومية، لقد بدأت عضلاتها تتوتر ويتسرب الصداع إلى رأسها.

نعم إنّ السأم والضجر من أسباب الإرهاق البدني، لقد قررت أن تتمتع بوقتها، وتجعل عملها أكثر إثارة، واستمتاعاً، اتفقت مع زميلتها في العمل على جائزة لمن ينجز أكبر عدد من الرسائل بأقل عدد من الأخطاء، لقد أصبح العمل مثيراً وممتعاً عندما تغير نمطه وأسلوبه.

وهناك أسلوب آخر للاستمتاع بالعمل وجعله أكثر إثارة هو أن تفكر فيما تحصل عليه مقابل عملك.

يقول كارنيجي:

"فكِّر ما الذي سيعود به عليك الاهتمام بعملك، تذكر أنّه سيضاعف السعادة التي تكسبها من الحياة؛ لأنك تمضي نصف ساعات اليقظة في عملك. وإن لم تجد السعادة في عملك لن تجدها في أي مكان آخر".

إنّ التفكير في عملك بنمط جديد غير كونه مصدراً للتعب والإرهاق أسلوب جديد من أساليب الاستمتاع بمرور الوقت فيه.. بل والرضا بالآلام التي قد تحدث أثناءه.

 

خامساً: لم لا تمارس هوايتك؟

[لقد مر وقت طويل دون أن أمارس هواية من هواياتي المتعددة].

هكذا تقول لنفسك أو محدثك وأنت تشكو له من الإرهاق والشعور بالتعاسة رغم نجاحك في مجالات كثيرة من مجالات الحياة. إنّ التخلص من بعض مظاهر التكلف على الشاطئ، والجري بقدمين حافيتين، وضرب الكرة بمضرب بشدة، وقذف الماء في وجوه أصدقائك في البحر، أو لعبك بمضرب التنفس في ناديك الذي تركت المرور عليه من مدة، أو إعادة تنظيم الطوابع في ألبوماتك التي كثر على غلافها التراب، أو العودة لمجموعة الأصدقاء لمعاودة النقاش، أو حتى الجري لمدة ساعة يومياً.

كلّ هذه الهوايات، أو بعضها، أو إحداها سيعيدك إلى عملك بسرعة مرة أخرى مستمتعاً به، ومشتاقاً إليه.

عليك أن تعود إلى نفسك، ولا تجرفك أمواج طريق إدارة الذات بعيداً عن الاستمتاع بوقتك. وتأمل هذه الحكم:

 

على الذين يجيدون الهرولة في هذه الحياة أن يبطئوا قليلاً عسى أن تستطيع بعض الأشياء الجميلة اللحاق بهم.

 

المصدر: كتاب إدارة الذات/ دليل الشباب إلى النجاح

ارسال التعليق

Top