خالد وليد محمود
يقول عالم الاجتماع الألماني هارتموت روزا: "إننا نركض لنظل في نفس المكان، نطارد زمنا لا يتوقف، ولو توقفنا ثانية واحدة عن الجري وراء العمل والبريد الإلكتروني ومواعيدنا والتزاماتنا وأموالنا والزمن المسرع، لسقطنا في هاوية البطالة والفقر والنسيان والنبذ الاجتماعي". وهذا الكلام صحيح؛ لأنّ الزمن في تسارع، والتسارع التقني في العمل، وأمام الشاشات وفي وسائل النقل؛ كل ذلك أدى إلى تسارع محموم في وتيرة حياتنا، وعجل بالتغيير في مجتمعاتنا، ولا شيء يقف أمامه.
أصبحت المهام والأعمال تتغير في سنوات، والآلات في أشهر، ولم تعد هناك وظيفة مضمونة، اختلفت تقاليد المهنة والمهارة في أدائها، ولم تعد الزيجات تعمر طويلاً وأعيد بناء العائلة وتراجع بناء السُلم الاجتماعي، وصار المدى القصير هو معيار التعامل، وتتابع الأحداث بلا نهاية.
ويخلص هارتموت بقوله: "إن أحساسنا بعدم وجود الوقت، وبأن كل شيء، بما في ذلك حياتنا، يمر بسرعة فائقة، وشعورنا بالعجز عن تخفيف هذه السرعة يقلقنا ويزيد من توترنا.
صدقوني، إنني أخاف من هذا التسارع الذي جعل علاقاتنا اليوم على شكل برقيات (مسجات) سريعة كسرعة البرق، هذا التسارع الذي أفقدنا متعة الفرح والسعادة، وكأنّ حالنا أشبه بحصان مجهد أنهكه الركض في الصحراء.
يصارع الإنسان الوقت بكل لحظاته، سواء أكانت جميلة أم قبيحة، كبيرة أم صغيرة، حلوة أم مرّة، جيدة أم سيئة، عظيمة أم مخزية... فقط ليصل إلى مبتغاه ومراده.
الفيلسوف اليوناني القديم هريقليطس قال يوماً: "لا يمكن أن نخطو في نفس النهر مرّتين"، والمعنى الكامن في هذه العبارة هو أن كل شيء في هذه الحياة مآله إلى التغيّر والتبدّل المستمرين. فمياه النهر في حال تدفّق وفيضان دائمين. وماء النهر في هذه اللحظة هو غيره بعد دقيقة أو حتى بعد ثانية.
إنّ الإنسان لا يستطيع أن يخطو في نفس النهر مرتين؛ لأنّ النهر في المرة الثانية سيكون قد تغيّر وتبدّل، ولا يعود هو نفسه. لكن يمكن أن ينصرف معنى العبارة أيضاً إلى أنّ الإنسان نفسه في حالة تغيّر دائم؛ فأنت الآن غير ما ستكون عليه بعد لحظات، المشاعر والأحاسيس والأفكار تتغيّر باستمرار، وهذا من طبيعة الإنسان.,
ولا يبتعد كثيراً عن هذا المعنى قول آخر منسوب إلى الكاتب إسحاق أزيموف رائد روايات الخيال العلمي، إذ يقول: "التغيير هو الثابت الوحيد في هذه الحياة".
الزمن يسير بتسارع مثل الزئبق يصعب الإمساك به، فالأيّام تركض والليالي تجري، وما يبدأ أسبوع حتى ينتهي، وهكذا دواليك. ففي عالم أصبحت فيه السنوات كأنها أشهر، والأشهر أيام، لا تلزمنا مهدئات ولا نكت وطرائف ومسليّات؛ يلزمنا محاولة للملمة ثنايا دقات هذا الزمن المتسارع، ينقصنا إشارة مكتوب عليها "توقف" أو تمهل قليلاً، إشارة تحدد لنا مسيرنا واتجاهنا الذي نريد؛ كي لا تتداخل الممرات والطرقات ببعضها فتحصل الفوضى ونصطدم ببعض، نريد من يوقفنا ولو قليلاً في ظل هذا التسارع المحموم، نريد من يقول لنا: إننا في عملنا، تعليمنا، طموحنا، نجاحنا، وحتى حبناً نلهث؛ لنتريث كي لا تجرفنا تيارات الزمن المتسارع!
ارسال التعليق