(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) (التوبة/ 71).
"مَن أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم".
"خير الصدقة ما أبقت غنى".
"في كلّ كبد حرى أجر". رسول الله (ص)
"تنافسوا في المعروف لإخوانكم وكونوا من أهله، فإنّ للجنة باباً يقال له المعروف، لا يدخله إلّا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا".
"ما قضى سلم لمسلم حاجة إلا ناداه الله تعالى: عليّ ثوابك، ولا أرض لك بدون الجنّة". الإمام جعفر الصادق (ع)
"إنّ لله عباداً في الأرض يسعون في حوائج النّاس هم الآمنون". الإمام أبو الحسن الرضا (ع)
يعتبر المسلمون في المفهوم الإسلامي أُمّة واحدة ومجتمعاً واحداً وكلّ ما في أيديهم هو من حقّ الجميع يتصرفون فيه بحقّ الله دون حرج أو شطط، ولقد أكّد القرآن الكريم والسنّة المطهرة على تلك الوحدة وأنّ المؤمنون إخوة همهم واحد ومصيرهم واحد وقضيتهم واحدة دون اعتبار لمسألة الجنس واللون (كالعنصرية) أو الإقليمية وظروف الجغرافيا (كالقومية والوطنية).. بل يجوز أصلاً أن يعتبروا مقررات الغير ملزمة بحقهم خاصة إذا كانت هذه المقررات تملي عليهم أو على حكامهم خلاف الشرع والمبادئ السامية أو يكون ضررهم فيها واضح لا يحتاج إلى دليل كما هو الشأن في تصرف الدول الكبرى.
وهذه الوحدة ليست كلاماً وشعارات للاستهلاك أو الدعاية، بل تحتاج إلى ممارسة عملية لتؤكدها على مستوياتها المختلفة في المهمات والملمات والكوارث السياسية والعسكرية والاقتصادية وما شابه.
ومن شأن ترجمة مشاعر الوحدة أن تقارب بين الأقوام المسلمين عاطفياً وتخرج ما في صدورهم من الإحن فلا يترك ضعيفهم لمصير مستضعفيه ولا سليبهم لسلطة غريمه. وإذا كان هذا الشأن على صعيد المواقف العامّة وتجاه المجتمعات الأخرى فإنّ الأمر يكون أدعى للترابط إذا كان التضامن والتكافل مسألة يتطلبها الوضع الداخلي لأبناء الأُمّة وعلى كافة المستويات، ونلاحظ كيف انّ العلاقات الاجتماعية الإسلامية مترابطة ولو يقدر بفعل ما شرع الله من أنواع العبادات التي تعزز تلك العلاقات والروابط "الصلاة والصوم والحج...".
وكون الهموم الدنيوية وتأمين حاجيات المجتمع وبناء الدولة قد تكفلتها تشريعات الزكاة والخمس.. فإنّ ظهور الحاجة والفقر وإهمال اليتامى ونسيان ذوي العاهات والمسكنة مرده إلى الاستئثار بأموال المسلمين وأكل حقوقهم ظلماً وهو فوق ذلك فسخ قاتل لعلائق الترابط والأخوة الاجتماعية وانقسام المجتمع إلى ظالم ومظلوم وحارم ومحروم يستدعي من الفريقين تجييش الآراء والناس وتكتيلهم في تجمعات متنازعة متصارعة تهدر لديها الكرامة الإنسانية والأموال والدماء ويذل الحقّ ويعز أهل الباطل وتكون الدولة للأعداء. ونظرة ولو عارضة على وضعنا الإسلامي اليوم تؤكد صدق هذا.
والكفالة في الإسلام حقّ وواجب على كلّ المستويات وتجاه كلّ الظروف على صعيد الدول والمؤسسات والأجهزة العامة والأشخاص والفئات فقيامها يمتن الروابط والعلاقات ويؤمن القوة ويزيد من تماسك الفئات فلا تنشغل إلا بالهدف الكبير وهو حمل هم الإسلام وتبليغه إلى العالم. ويكفي دفع الحقوق التي شرعها الله في الأموال مع ما حث عليه سبحانه من الإنفاق والإيثار والصدقات والبذل والتسامح بالديون على الغارمين ورعاية الأيتام وأهل الحاجة والمسكنة ما يجعل الكفالة مجالاً رحباً لخدمة الدين والأُمّة وتعزيز الحقّ ودولته.
أما موارد الكفالة فمنها الواجب ومنها المستحب مما حثّ الله على القيام به طوعاً فالواجب منه كالخمس وهو دفع خمس المال من فاضل السنة من الأرباح والمؤونات والزكاة وهي دفع ما يتوجب مما بلغ فيه النصاب من الثمار والحبوب والأنعام والأموال غير المسكوكة كالذهب والفضة.
وحيث انّ المجتمع كلّه واحد فكلّ فرد فيه رقيب على الخلل الاجتماعي وحارس في الثغرات التي تأتي من قبله.. لذا وجب عليه أن يبادر إلى دراسة ذلك الخلل ومعرفة أسبابه ثمّ يبادر مع غيره إلى تقديم النصيحة للدولة العادلة أو المشورة إلى الهيئات الخيرية أو الشخصيات الفاعلة لتدارك ما قد يحدث من جراء تضييع الحقوق وإهمال أصحابها.
وإذا كان هذا الأمر شأناً من شؤون الدولة فإنّ ملاحظته من قبل الأفراد ولو على صعيد محيطهم من شأنه نزع الأحقاد والضغائن وإدخال السرور على قلوب أهل الحاجة واليتم وإشعار هؤلاء بأبوة المجتمع لهم وأنّهم لا يضيعون تحت سمع النّاس وبصرهم فالكلّ إخوتهم وأهلوهم.
وأهم مظاهر الكفالة في أيّامنا أن تقام المؤسسات لرعاية الأيتام وتعليمهم ودور المعجزة والإنفاق على مَن بلغ سناً لا يستطيع معها العمل وإقامة المستشفيات الجانبية لخدمة المرضى المحتاجين وتأمين الدواء اللازم لهم وقيام مؤسسات الرعاية الاجتماعية لتقديم المساعدات العينية للعائلات المحتاجة وخاصة ذات التعفف ممن لا يسألون النّاس الحافاً وتأمين التعليم لأبنائهم..
وهذا أمر واجب على الدولة إلا انّ الأفراد بإمكانهم تقديم العون لتلك المؤسسات أو تقديم الرعاية المباشرة لمن يستحقها وحسب المناسب.
قال أمير المؤمنين عليّ (ع) يوصي واليه على مصر مالك بن الحارث الأشتر حين ولّاه عليها:
"... ثمّ الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمن (ذوي العاهات) فإنّ في هذه الطبقة قانعاً ومعتراً. واحفظ لله ما استحفظك من حقه فيهم، واجعل لهم قسماً من بيت مالك وقسماً من غلات صوافي الإسلام في كلّ بلد، فإنّ للأقصى منهم مثل الذي للأدنى. وكلّ قد استرعيت حقّه فلا يشغلنك عنهم بطر... فلا تشخص همك عنهم ولا تصعر خدك لهم، وتفقد أمور من لا يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون وتحقره الرجال ففرغ لأولئك ثقتك من أهل الخشية والتواضع فليرفع إليك أمورهم ثمّ اعمل فيهم بالإعذار إلى الله يوم تلقاه، فإنّ هؤلاء من بين الرعية أحوج إلى الإنصاف من غيرهم...
"وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له ولا ينصب للمسألة نفسه...". ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق