• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

بركات وثمرات العمل

عمار كاظم

بركات وثمرات العمل
العمل يشكِّل قيمة أساس ترتكز عليها عملية تطوير الإنسان لقواه وقابلياته. فالله -عزّوجلّ- خلق الإنسان وأودع فيه الاستعداد والقابلية للتطور والكمال. وما يُمكن أن يُخرج هذه الاستعدادت من حيّز السبات إلى حيّز الفعلية والوجود هو العمل والجهاد في هذه الحياة. وليكن معلوماً أنّ هذا الأمر يُعتبر سنّة إلهية لا تتبدّل ولا تتغيّر، وبالتالي تستطيع كلّ البشرية أن تستفيد وتنعم من بركات هذه السنّة وهذا القانون. قال رسول الله (ص): "العلم يُرشدك، والعمل يبلغ بك الغاية". ولذلك نجد أنّ المجتمعات التي عملت وجاهدت وبذلت كلّ ما لديها في سبيل أمر ما استطاعت الوصول إلى ما رمت إليه، هذا مع كون بعض هذه المجتمعات لا تمتلك اعتقاداً صحيحاً وسليماً. وما ذلك إلّا لأجل هذا القانون الإلهي العامّ والشامل. نعم، إنّ المجتمع المؤمن والموحّد، يستطيع أن ينعم من خيرات هذا القانون فيما لو طبّقه، وأضاف إليه التسديد والتوفيق الإلهيين. لأنّ الله عزّوجلّ وعد الذين يعملون ويبذلون الجهد من المؤمنين أن يفتح لهم الآفاق، ويوصلهم إلى بركات وثمرات لم يكونوا ليتوقّعوها، وذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت/ 69). ثمّ إنّ للعمل بُعداً آخر مهمّاً جدّاً لا يُدركه إلّا مَن اغترف من نبع الإسلام الصافي. وهذا البُعد يتعلّق بعالم الآخرة. فمن الثابت بحسب النصوص الشريفة أنّ الذي يُشكِّل كيان الإنسان ووجوده في عالم البرزخ وفي القيامة هو عمله إلى جانب اعتقاده. فمن أراد أن يظفر بصورة باهية وجميلة لنفسه في ذلك العالم فعليه بالعمل الصالح. ومَن اعتاد على الأعمال الطالحة من دون أن يتوب فلا ينتظرنّ هناك إلّا وجهاً أسوداً ونفساً متعبة ومُرهقة ومُعذّبة. وكلّ ذلك صنيعة أعمال الإنسان في هذه الدنيا. يقول تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى) (النجم/ 39-40). ويقول أيضاً: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) (عبس/ 38-42). وعن أمير المؤمنين (ع): "قيمة كلّ امرئٍ ما يُحسنه". وكذلك عنه (ع): "العمل شعار المؤمن". من أهم الميزات التي أضفاها الإسلام على العمل؛ كونه أفضل مُبلِّغ في سبيل الله عزّوجلّ. فالعمل به تأثير على الناس أكثر من وعظمهم ونصيحتهم باللسان. لأنّ العمل المتجسِّد في شخص ما هو أوضح مصداق على إمكانية تحقُّق الأمور الحسنة المدّعاة وتطبيقها. ولذلك ورد عن العترة الطاهرة (عليهم السلام): "كونوا دُعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير، فإنّ ذلك داعية". ولعلّ أهم مشكلة تواجهها مجتمعاتنا حاليّاً هي كثرة الواعظين وقلّة المتعظين، وهذا ما يُمكن أن نُطلق عليه بغياب "القدوة الصالحة"، ولذلك كان العنصر البشري الذي يُذكِّر بالله -عزّ وجلّ- من خلال أعماله وعباداته هو أبلغ مؤثِّر في تاريخ البشرية. للنظر إلى سيرة الأنبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام)، ألم تخلده هذه السيرة في ذاكرة البشرية عبر التاريخ لأجل التضحيات والأعمال الجليلة التي قدّموها. ما الذي يرتكز في أذهان الناس عن أمير المؤمنين (ع) مثلاً؟ أليس شجاعته وبطولته في بدر وأُحد وخيبر، أليس زهده وعبوديته لله -عزّوجلّ-، أليس قضاؤه وحكمه بين الناس بالعدل. ولذلك جاء هؤلاء العظام ليكونوا قدوة للبشرية وليصنعوا القدوات أيضاً. لقد ترك لنا رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع) نماذج عظيمة لم تأتِ باقي الحضارات البشرية بمثلها من أمثال: سلمان المحمدي، وأبي ذر والمقداد وعمّار وميثم التمار وكميل بن زياد وغيرهم. هؤلاء قدّموا لنا الموعظة البليغة بالأفعال لا بالأقوال. وإذا أردنا أن نترقّب الصلاح في مجتمعنا فعلينا أن نشرع بأنفسنا وأن نكون قدوة صالحة لجميع الناس. كما قال أمير المؤمنين (ع): "أفضل العمل ما أريد به وجه الله". كما أنّ العمل من دون إيمان لا قيمة له بالمقياس الديني والأخروي. وإنّ قبول الأعمال ونماؤها مُعتمِد على الإخلاص، وقد ورد في الأحاديث أنّ: "تصفية العمل أشدُّ من العمل".

ارسال التعليق

Top