• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الوقت رأس مال المؤمن

عمار كاظم

الوقت رأس مال المؤمن

وقت الفراغ هو نِعمة كبيرة، لا يعرف أهميّتها إلّا مَن كان وقته ممتلئاً بالعمل، ولا يكاد يجد فيه فسحة للراحة. قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (الشرح/ 7-8). والمقصود بوقت الفراغ هنا، الوقت الذي يمرّ على الإنسان دون مسؤوليات والتزامات، كالعامل الذي أنهى عمله، أو الموظف الذي هو في إجازة، أو الطالب الذي أنهى عامه الدراسي ودخل في العطلة الصيفية. والإنسان بحاجة إلى مثل هذه الفسحة من الوقت، ليخرج من روتين العمل اليومي، ومن ثقل الالتزامات الوظيفية أو الدراسية، وهي ضرورية له ليجدّد حيويته ويشحن طاقته، وليزيد من فعاليته، ويضفي على عمله المعنى الذي يستحقّ، وحيث لا يمكن للإنسان أن يمضي حياته في عمل لا توقّف فيه. حيث ورد في الحديث عن الإمام عليّ (عليه السلام): «ما أحقّ الإنسان أن تكون له ساعة لا يشغله عنها شاغل». وفي تقسيمه لساعات اليوم، قال (عليه السلام): «للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يروم فيها معاشه، وساعة يخلّي بين نفسه ولذّاتها في غير محرَّم، فإنّها عون على تينك الساعتين». وفي حديث آخر: «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان (العلاقات الاجتماعية) والثُّقات الذين يعرّفونكم عيوبكم، ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذّاتكم في غير محرَّم، وبهذه الساعة تقدرون على الساعات الثلاث».

ولكنّ الإسلام لم يرد لهذا الوقت أن يذهب هدراً، أو أن يصرف في أُمور لا فائدة للإنسان منها، أو أن يكون سبباً للملل والضجر، فيقضي هذا الوقت في النوم الطويل، أو على شاشات التلفاز، أو على مواقع التواصل، أو القيام بأعمال غير مشروعة، بحيث يتحوَّل هذا الوقت إلى مشكلة للإنسان وللناس من حوله.. فالإسلام يعتبر هذا الوقت، وكلّ وقت، رأسمالاً أودعه الله عند الإنسان ليستثمره في المسؤوليات التي دعاه للقيام بها، لا أن يهدره أو يضيِّعه، ففي الحديث: «إنّ عمرك مهر سعادتك، إن أنفذته في طاعة ربّك»، ورأى أنّ الوقت مسؤولية، وسيُحاسب عليه الإنسان يوم القيامة، حيث ورد في الحديث: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه...».. فالإنسان معنيّ عندما يقف بين يدي الله عزّوجلّ، أن يقدِّم الجواب عن كلّ دقيقة وكلّ ساعة وكلّ زمن ماذا فعل فيه، ففي حسابات الله، لا ينبغي أن يكون هناك زمن لا شغل للإنسان فيه، بل لابدّ أن يُملأ لكلّ ما فيه خيرٌ للحياة من حوله.

ومن هنا، ورد التحذير في الحديث: «احذروا ضياع الأعمار فيما لا يبقى لكم، ففائتها لا يعود». وفي الحديث: «مَن أفنى عمره في غير ما ينجيه، فقد أضاع مطلبه». وقد ورد في الحديث أيضاً: «اعلم أنّ الدُّنيا دار بليّة، لم يفرغ صاحبها فيها قطّ ساعة، إلّا كانت فرغته عليه حسرة يوم القيامة». فوقت الفراغ، إذاً، كأيّ وقت، لا ينبغي أن نتعامل معه كوقت فراغ لا شغل فيه، بل ينبغي أن يتحوّل إلى وقت عمل، فهذا الوقت له دوره وأهميّته، والإنسان بحاجة إليه لتلبية احتياجات قد لا يجد لها متّسعاً في أوقات العمل أو التعلُّم، وهي التزامات تتعلّق بحاجات جسده أو عقله أو روحه، وتوسعة معارفه الدينية والثقافية، والاهتمام بقضايا مجتمعه، من تواصل مع جيرانه، إلى المساهمة في عمل تطوّعي خيري أو إنساني، أو إلى إجراء مراجعة لنفسه وسدّ نقائصها، أو إلى أسفار يقوم بها تزيد من معرفته بهذا العالم. فحاجات الإنسان وأبعاد شخصيته متعدّدة، ولابدّ أن تُلبَّى جميعها، ولا ينبغي أن يغفل عن أيّ منها، والوقت الذي يُسمَّى وقت فراغ، هو فرصة، وهو منحة على الإنسان أن يستفيد منها لسدّ هذه الحاجات أو الأبعاد.

ارسال التعليق

Top