الوطن.. رمز الحرّية ونبض المحبّة، سند قويّ يحملُ أبناءه إلى مقصدين أساسيين: السلامة (الأمن)، والرفاهية (العدل الاجتماعي). إنّه مركب رصين ومتين يشعر الجميع أنّه أشبه بـ(سفينة نوح) التي تقلّهم في طوفان الأحداث المتلاطمة إلى بَرّ الأمان. قال عزّوجل في مكّة: (فَلْيَعبُدُوا رَبَّ هذا البَيتِ * الذي أطعَمَهُم مِن جُوعٍ وآمَنَهُم مِن خَوفٍ) (قريش/ 3-4). إنّه مَطمَح يحمل الهموم والقضايا والتطلُّعات والآمال، وهو ترجمة عملية لأقوال مَن قالوا مختزلين الوطن بوجه من وجوهه: حيث أجد (حرّيتي)، فذلك وطني. حيث أجد كرامتي وإنسانيتي واحترام حقوقي، فذلك وطني. حيث نكون (أُسرة وطنية).. فذاك وطني.
يعتبر حبّ الوطن رمزاً، وفخراً، واعتزازاً، لذلك الدفاع عنه وحمايته بكلّ قوّة واجب مقدس، والمحافظة عليه شعور إنساني فطري، فنفديه بأرواحنا، ونروي أرضه الطاهرة المباركة بدمائنا الذكية، ليظل ترابه يفوح لكلّ مواطن. لنُحوّل هذا الحبّ والفداء إلى ترجمة عملية في خدمته وتطويره، كلُّ مواطنٍ من موقعه وبحسب قدرته واستطاعته. فيجب أن لا ننتظر موظّف البلدية ليقوم بواجبه، بل أن نبادر إلى فعل ما يمكن فعله من تنظيف البيئة حتى ولو لم نستلم على ذلك أجراً أو مقابلاً، لأنّنا إذا لم نؤجر من البلدية، فإنّنا نؤجر من ثناء الناس على أعمالنا، ومن رضا ضميرنا عنّا، ومن قِبَل الله الذي لا يُضيِّع أجر العاملين المخلصين مهما كان صغيراً. فالوطن هي الأرض التي كلّها جُعلت موطناً للإنسان يعمرها بإيمانه بالله وخلافته فيها، وبما يُصلحها ويجعلها جنّة أرضية، قال عزّوجل: (وَالأرضَ وَضَعَهَا لِلأَنامِ) (الرحمن/ 10). فحينما يكون الوطنُ بهذه السعة وهذه الشمولية وهذه الخصوصية، يتوجّب على ساكنيه ومواطنيه والقاطنين فيه الإحسان إليه: بإعماره بالزراعة والصناعة وسائر الحِرَف والمِهَن، وبأن يكون مسجداً يُعبدُ فيه الله، وأن يكون واحة أمن وسلام يأمن الناسُ من بعضهم بعضاً، ويحبّ بعضهم بعضاً، ويفهم بعضهم بعضاً، ويحترم بعضهم بعضاً، ويُحسن بعضهم إلى بعض. حُبّه، لا حُبّ التراب والأشجار والمياه فحسب، بل بما يتيحه من سُبُل العيش الكريمة لأبنائه، وبما يحمله من آمالهم وتطلّعاتهم، وبما يؤمِّنه لهم من فرص السلامة العقيدية والفكرية والمعاشية والنفسية والإبداعية: يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «عمرت البلدان بحبِّ الأوطان».
حُبّ الوطن، حبّ عمليّ يشمل:
- العمل على بناء عمرانه ليكون سكناً لأهله.
- العمل على توحيد طوائفه وأعراقه تحت لافتة إرادة الخير للوطن، حتى ولو تعدّدت المذاهب والمشارب، فالخوف ليس من (التعدُّد) لأنّه ثراء، بل من التشتت لأنّه ذهاب الجهود في الهواء.
- العمل على الاستفادة من تجارب البلدان والأوطان التي يُحترَم فيها الإنسان، فيكون الوطن الذي نحيا فيه وطن الإنسان.
- أن نُفكِّر أيضاً بما نُقدِّمهُ للوطن، لا أن نحصر تفكيرنا فقط بما يجب أن يُقدِّمهُ الوطنُ إلينا.
وأخيراً.. الوطن بحاجة إلى كلِّ أبنائه، كلٌّ في مجاله وميدانه.. لذا علينا أن نبعث فيما بيننا وبين أبنائنا أعظم طاقات الولاء والمحبّة الصادقة له. تقع على الجميع مهمّة الحفاظ على الوطن والهُويّة الوطنية، لأنّها تعتبر مسؤولية وأولوية اجتماعية رئيسية تبدأ من الأُسرة والمدرسة ووسائل الإعلام. فهذه الجهات عليها دوماً أن تغذي النشء بمقومات هُويّته، بدءاً باللغة والشعور بالمواطنة ووصولاً إلى رؤية العالم من الزاوية الثقافية الوطنية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق