لنقرأ وصيّة الإمام الحسين (عليه السلام) الأخيرة لولده الإمام زين العابدين (عليه السلام)، لتعرفوا كيف كان الإمام الحسين (عليه السلام) يفكِّر، فهو لم يفكِّر في غربته أو في مأساته، وحتى في كلِّ الفجائع التي كانت تحيط به، بل كان يفكِّر في الحقّ. وهناك روايتان عن الإمام محمّد الباقر (عليه السلام)، قال أبو جعفر (عليه السلام): «لما حضرت أبي عليّ بن الحسين الوفاة، ضمّني إلى صدره وقال: يا بنيّ، أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أنّ أباه أوصاه به: يا بنيّ، اصبر على الحقّ وإن كان مرّاً».
وقد أوصى الإمام الحسين (عليه السلام) قبل أن ينطلق للقتال، ولده عليّ بن الحسين (عليه السلام) بوصيّة، فكان الحقّ أمامه، وكان يريد لمسيرة الحقّ أن تتحرّك، وعلى الذين يلتزمون الحقّ أن يتحمّلوا كلّ مراراته، لأنّه حلو في عمقه، وإن كان مرّاً في طعمه، وهذه هي الوصيّة الأُولى.
وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «لما حضرت عليّ بن الحسين الوفاة، ضمّني إلى صدره ثمّ قال: يا بنيّ، أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أنّ أباه أوصاه به: يا بنيّ، إيّاك وظلم مَن لا يجد عليك ناصراً إلّا الله». فالخطورة كلّ الخطورة، أن تظلم الإنسان الضعيف، أن تظلم زوجتك وهي لا تجد عليك ناصراً إلّا الله، وأن تظلم جارك وأنت تملك القوّة وهو لا يجد عليك ناصراً إلّا الله، وأن تظلم كلّ الناس الذين يتعاملون معك وهم ضعفاء، فتنكر عليهم حقوقهم فتظلمهم.
هذه هي وصيّة الإمام الحسين (عليه السلام)، وهو يخاطب كلّ واحدٍ منّا في كلماته القصار: «اصبر على ما تكره فيما يلزمك الحقّ، واصبر عمّا تحبّ فيما يدعوك إليه الهوى»، وقال لبعضهم، وقد طلب من الإمام الحسين (عليه السلام) موعظةً مختصرةً، قال: «عظني بحرفين»، فكتب إليه الإمام الحسين (عليه السلام): «مَن حاول أمراً بمعصية الله، كان أفوت لما يرجو، وأسرع لمجيء ما يحذر»، فإذا أردت أن تصل إلى أهدافك لتحقّق أمانيك، فلا تصل إليها بواسطة معصية الله تعالى، بل أن تصل إلى أهدافك بطاعة الله، لأنّك إذا حاولت أمراً بمعصية الله، فإنّ الله يعاقبك على ذلك، بأن يفوّت عليك ما ترجوه، ويسرع إليك ما تحذره.
خذوا الإمام الحسين (عليه السلام) في عقولكم فكراً يضيء الحقّ للناس، وخذوا الإمام الحسين (عليه السلام) في قلوبكم حبّاً يطرد الحقد عن الناس، وخذوا الإمام الحسين (عليه السلام) في حياتكم حركةً تبقى مع الله وفي خطّ الله، وعندما تحبّون الإمام الحسين (عليه السلام) حبّ الحقّ وحبّ الإسلام وحبّ العدل وحبّ الرسالة، فستنفجر الدموع من دون أيّة إثاراتٍ هنا وهناك، لأنّنا عندما نحبّ الإمام الحسين (عليه السلام) بعمقٍ، فسنبكيه بعمق، نبكيه بدموع الرسالة، وبدموع القضية، وبدموع الولاء، وبدموع الحبّ.
الحسين (عليه السلام)، كان ولا زال شعار مدرسة، وتيار كفاح، وجهاد رسالي وسياسي فريد في تاريخ الإسلام، ولهذا كان ولا يزال دوره كبيراً، وأثره عظيماً، فهو قوّة دافعة محرّكة في أحداث التاريخ الإسلامي، وخصوصاً الجهادي منه، على مدى أجيال وقرون عديدة، ولم تزل نهضته وآثار ثورته ومبادئه تتفاعل وتؤثّر في ضمير الأُمّة ووعيها. فالحسين (عليه السلام) من العظماء الذين حقّقوا المعجزات على مسرح الحياة، وبقي صداه يسمع التاريخ وعلى مرّ العصور، لأنّه (عليه السلام) قاد المسيرة الإنسانية نحو أهدافها وآمالها، وحقّق أهداف الرسالة التي تسلَّم زمام تنفيذها. لذلك كانت نهضته (عليه السلام)، تحمل النور والهدى للبشرية جمعاء، تتفاعل ثورته (عليه السلام) مع أرواح الناس، فتمتزج بعواطفهم ومشاعرهم، وسوف تبقى نديّة عطرة، تتخلّد في صفحات تاريخ العظماء والمصلحين، تتدفّق بالعزّة والكرامة، والشموخ والرفعة، والعلوّ والمنزلة، فهي بحقّ ثورة عملاقة، يشعّ سنى نورها أرجاء التاريخ وستبقى أبداً تشعّ في سماء الأيّام.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق