• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مهارات الانطباع الإيجابي

نعيمة عبدالأمير آل حسين

مهارات الانطباع الإيجابي
◄"إنّ الانطباع الأوّل الذي نكونه عن شخصٍ ما له أهميته الكبرى عند التفكير في إقامة علاقة دائمةٍ مع الآخرين، وإذا خطوت الخطوة الأولى بطريقة خاطئة فإنّ العلاقة المستقبلية بينك وبين الآخرين لن تكون مريحة تماماً". (روبرت لاونت) "ولكي تكسب الشخص الآخر لابدّ أن تتنازل عن جانب من شخصيتك، وتستحق كل الطاعة من الناس، إذا أعطيتهم كل الرعاية من نفسك". (السيد هادي المدرسي) قال الإمام عليّ (ع): "عوِّد نفسك الجميل فإنّه يجمل عند الأحدوثة ويجزل لك المثوبة"، فالإنسان بطبيعته يمتلك سمات إيجابية، مثل الحلم والصبر والتسامح والتعامل برفق واللين وإظهار المشاعر، وأخرى سلبية كسرعة الانفعال والغضب في التعامل مع الآخرين بعنف وإخفاء المشاعر الإيجابية.. إلخ، وذلك نتيجة لنوع التربية التي تلقاها من بيئته الأسرية، فهنا الإمام عليّ (ع) يدعو إلى ضرورة تعويد النفس ومجاهدتها على سلبياتها والصبر عليها في محاولة إحداث التغيير إلى أن تتحول العادة السلبية إلى سمة إيجابية (فإنّه يجمل عنك الأحدوثة). عندما نستقبل الآخرين بابتسامة جذابة وعبارات راقية ومهذبة، فإنّ القلوب مباشرة تنجذب إلينا، ويحكي الآخرون ما رأوه من جميل أخلاقنا وأطباعنا، فمن يعوّد نفسه على فعل الخيرات فإنّه لا يترك لمن حوله إلا الانطباع الإيجابي. وقوله (ع): "ويجزل لك المثوبة"، أي المثوبة الدنيوية والأخروية، إذ في الدنيا يكون هذا الشخص محبوباً وتألفه القلوب ويحتل مكانة في المجتمع، وبحسن خلقه هو دائماً في حالة عبادة، فالرسول الأكرم (ص) يقول: "إنّ صاحب الخُلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم"، فصاحب الخلق الحسن ينال الدرجة الرفيعة في الآخرة ويكون مقرَّباً إلى الله ورسوله وأهل البيت (عليهم السلام)؛ لأنّ رسول الله وأهل بيته (عليهم السلام) كان خلقهم القرآن، والإنسان يحشر مع من يحب ويتبع، فمن اتَّبع الرسول وأهل بيته (عليهم السلام) في أخلاقهم وتعاملاتهم أُجِرَ وحُشِرَ في الآخرة معهم.   الانطباع الأوّل وإصدار الأحكام على الشخص: قد تتلقى دعوة من صديقك لحضور حفلة وتذهب لتلبية الدعوة وأنت وحدك، إذاً عندما يواجهك هذا الموقف فما هي الأساليب والمهارات التي يمكنك من خلالها كسر حاجز الوحدة والملل وسهولة الاندماج مع الجماعات؟، وكيف أترك انطباعاً إيجابيّاً في أوّل لقاء مع أيِّ شخص أقابله؟، قبل الإجابة عن ذلك لابدَّ أن تطرح على نفسك هذه الأسئلة: أ‌-      هل يجدني الآخرون شخصية ودودة يسهل التواصل معها؟ ب‌- أم شخصية خجولة أو صعبة المراس؟ ت‌- أم شخصية مغرورة ومتغطرسة؟ إذا كنت شخصية ودودة سيسهل التواصل معك، وسيكون من السهل عليك إعطاء الآخرين الانطباع الإيجابي، أما إذا لم تكن كذلك فأنت بحاجة إلى اكتساب بعض المهارات التي يمكنك من خلالها بناء جسور صلة مع الآخرين وإعطائهم انطباعاً إيجابيّاً في أوّل لقاء معهم. وإصدار الأحكام على الشخص إما أن تكون إيجابية أو سلبية، وبما أننا لسنا على دراية بما يفضله الآخرون في أوّل مقابلة لهم، لذلك فالموازنة مطلوبة وتعتبر استراتيجية جيِّدة.  فئة من الناس ترغب في المرح والضحك والتسلية، وبذلك يبحثون عمن يضحكهم بالدرجة الأولى، ولا يهتمون بالدرجة نفسها بالأشياء المشتركة التي تربطهم بالآخرين، وآخرون يبحثون عمَّن يفهمهم ويستمتعون مع الأشخاص الذين يحبون التحدث معهم؛ لأنّهم يجعلونهم يشعرون بهذا الشعور المريح بقولهم (إنّهم يفهمونني). هنا يترتب علينا أن نملك مهارات اجتماعية معينة، وبذلك نوجه هذا السؤال: هل تستطيع أن تمنح الآخرين هبات اجتماعية؟ أي هل تستطيع أن تمنح الآخرين القدرة على إشباع حاجات الطرف الآخر؟ البعض من الناس يمتلك روح الدعابة فتكون لديه قدرة على إمتاع الآخرين، والبعض الآخر لديه سعة الاطِّلاع والمعرفة، فيحب إطلاع الآخرين على الأحداث الجارية ويخبرهم بآرائه، والبعض الآخر أيضاً يستطيع أن يشبع احتياجات ورغبات الآخرين التي يلمسونها من المواقف الاجتماعية.. إلخ، فكثير من المنح الاجتماعية يستطيع الإنسان أن يمنحها الآخرين إذا استطاع أن يشخِّص أو يفهم الشخص الذي أمامه ويستشف ماذا يريد هذا الشخص، وذلك يكون على كافة المستويات الاجتماعية، وعلى مستوى الأبناء والزوج والأصدقاء وجميع الفئات الاجتماعية الأخرى.   مهارات الانطباع الإيجابي: هل ذهبت إلى مكان ما بمفردك فوجدت نفسك تبحث فيمن حولك عن شخص يكون على استعداد للتحدث معك؟ أتوقع أنك لن تختار شخصاً بشكل عشوائي، بل من خلال ما يبدو عليه من قابلية واستعداد للحديث معك، وبالتالي ستلتقط تلك الإشارات الخفية التي تصدر عنه، وأنت أيضاً تصدر منك مثل هذه الإشارات، كمحاولة الاقتراب منه بشكل آمن وهادئ، فهو يعطي إشارة بأنّه على استعداد للتحدث معك، سواءً كنت تعرفه أم لا، فإذا كنت تمتلك أسلوباً خاصّاً يخبرك بمدى انفتاحك عليه أو بمدى قابليتك واستعدادك للحديث معه، وهذا الأسلوب، وهذه المهارة، هي مهارة لغة الجسد. لغة الجسد هي الحركات أو الإيحاءات الغير لفظية كنظرة العين والابتسامة والميل والقرب إلى الطرف الآخر، وإذا استطاع الشخص أن يستخدم هذه المهارة بالشكل الصحيح استطاع أن يعطي انطباعاً إيجابيّاً، وكذلك تكون لديه القدرة على التأثير البالغ، وتتولد بينه وبين الآخرين المحبة والألفة، ولترك انطباع أولي إيجابي عند الآخرين، وحتى ينجح التواصل معهم نقوم بالخطوات التالية في الثواني الأولى من المقابلة:   1-    التحية والمصافحة: قال تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (يونس/ 10)، فمن خلال تحية الإسلام، وهي السلام، أعلن ترحيبك من خلال جسدك، ولتكن ردة فعلك وعملك على أن يظل قلبك وعواطفك مع الإنسان الذي تقابله ولا تغطي قلبك بيديك، قال الإمام عليّ (ع): "إذا لقيتم إخوانكم فتصافحوا وأظهروا لهم البشاشة والبشر، تتفرقوا وما عليكم من الأوزار قد ذهب"، فاجمع طاقة الحب في قلبك واحتفظ بها قليلاً، ثمّ انقل هذه الطاقة إلى يدك اليمنى، ثمّ وجِّهها إلى قلب الطرف الآخر أثناء المصافحة.   2-    العين: وهي الجزء الثاني من المقابلة، فلتكن البادئ بالنظر حتى تعكس عيناك مواقفك الإيجابية، فتلاقي العيون هو التفاعل الحقيقي.   3-    الابتسامة: قال الإمام عليّ (ع): "حسن البشر من علائم النجاح"، فهي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بلغة العيون، وهي من لغة الجسد الأخّاذة.   4-    الانحناء: ويكون بحركة غير ملحوظة للأمام لتوضيح استعدادك للتواصل واهتمامك بالطرف الآخر، وهي بداية بناء الألفة، و"المؤمن ألف مألوف ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف". نأتي بمثال على ذلك: عندما تذهب فاطمة إلى مكان لا تعرف أحداً فيه، وتجلس أمام طاولة بمفردها، وتكون أمام الطاولة المجاورة فتاة، وتريد فاطمة أن تتحدث إليها، فإن كانت لديها مهارات تستطيع من خلالها أن تكسر حاجز الوحدة مباشرة ستبدي بعض الإيماءات أو الحركات، كأن تطيل النظر إلى تلك الفتاة بابتسامة رقيقة، وقد تستغرب الفتاة في بادئ الأمر؛ لكونها لا تعرف فاطمة، وقد لا تستجيب لها، إلا أنها بمجرد أن تعاود النظر إليها من جديد بابتسامتها المريحة غير الباعثة للشك والريبة تستجيب لها ويتولد لديها نوع من الارتياح والقبول، وعندما تشعر فاطمة بأنها بدأت تستجيب، هنا تحاول أن تتقرب منها عبر الميل الجسدي الآمن، بحيث لا تشعر بالدهشة أو الانزعاج، إذ إنّ هذا الميل الجسدي سيوصل لها رسالة، وهي: أنا لديَّ القابلية والاستعداد للتحدث معكِ وأشعر بالارتياح لكِ، ومن خلال هذا الميل تستطيع فاطمة أن تدرك مدى قابليتها للإستجابة بشكل أعمق، وذلك عندما تبادر هي كذلك بالميل الجسدي، ومتى ما وصلت الفتاتان إلى القابلية والاستعداد للتواصل عبر النظرة والابتسامة والميل (لغة الجسد) مباشرة تبدأ بالمرحلة الثانية من مراحل التواصل وهي اللغة اللفظية، فتبادر فاطمة بإلقاء التحية وتقول لها: سعيدة بوجودكِ، واقعاً قد أتيت إلى هنا، وأنا لا أعرف أحداً، وشعرت بأنكِ شخصية مريحة وأتمنى أن أتحدث معكِ إن كان ذلك لا يضايقكِ، وعندما تبدي استعدادها توجه لها الأسئلة العامة، مثلاً: ما اسمكِ؟ من أيِّ منطقة أنتِ؟ ما رأيكِ بالمكان؟ وغيرها من الأسئلة، إلى أن تتجاذب الاثنتان أطراف الحديث مع الآخر، وفي حال كانت الفتاة غير اجتماعية لا تستطيع أن تحاور الآخرين بطلاقة، وليس لديها مهارات المنح الاجتماعية، ولا القدرة على إشباع الحاجات النفسية، هنا تبادرين أنتِ بإشباع حاجاتها النفسية، كالحاجة إلى التقدير والإعجاب والاحترام والأنس الذي يشعره الإنسان بوجود الآخرين. من المهم جدّاً أن نركز على إشباع حاجات الآخرين، ولكن بطريقة تشعرهم بالأمن وعدم الريبة، وللأسف الشديد، البعض لا يملك أن تكون لغة جسده أو كلماته أو مشاعره أو أسئلته آمنة، فلا يشعر الآخر معه بالأمان، بل يشعر بالخوف والتوتر والريبة، فمثل هذا السلوك قد نسلكه مع أقرب الناس إلينا دون أن نشعر، فأحياناً الزوجة تنفِّر الزوج منها بسبب أسئلتها الاستجوابية (إيى أين أنت ذاهب؟ ولماذا أنت خارج؟ ومع من ستكون؟)، غيرها من الأسئلة التي تطرح بطريقة غير فنية، والتي لو طرحت بطريقة وبأسلوب آخر لتقبلها الزوج وشعر بالأمان واستجاب لها. إنّ أسهل موضوع يمكن أن نتحدث عنه في البداية هو عن الموقف الحالي، وعن المكان الذي يجمعنا، وعن الأشخاص، والتعليق على بعض ما نراه ونسمعه بشكل لطيف وإيجابي، وعن الطقس، وحتى يبدأ الحوار معك قبل البدء في مناقشات شخصية. وحتى تشجع الآخرين على التواصل معك تذكر أحد المواقف التي كنت فيها في مناسبة معينة، كاجتماع أو حفلة، وإذا أردت أن تتحدث مع شخص ما، ورغبت أن يقدم هو على محادثتك أو يستجيب لمحاولتك لبدء الكلام معه، فما الذي فعلته في ذلك الموقف؟ إن أوّل طريقة هي محاولة فتح بابك أمام الآخرين ليتمكنوا من الوصول إليك، وهو ما يشكل الانطباع الأوّل عنك عند الآخرين، أما لو أغلقت بابك في وجوه الآخرين بمثل هذه الأساليب عن طريق لغة الجسد، وذلك بالوقفة المتصلبة وبالنظرات الحادة، إنّك بذلك ترسل رسالة لهم وتخبرهم أنك لا ترغب بالتعرف إليهم. الأساس الأوّل للانطباع الإيجابي عنك عند الآخرين هو فتح بابك أمام الآخرين، وذلك عن طريق الانسجام معهم والظهور بمظهر جيِّد؛ لأنّه من المعينات لدعم الثقة لا سيما في المقابلات المهمة والخاصة، وكذلك الثقة بالنفس وعدم التكلف والمبالغة في التعامل، وأيضاً المبادرة في تقديم نفسك للآخرين؛ لأنّ التعريف بالنفس يدل على الثقة، وذلك سرعان ما يوجد أرضية مشتركة بينك وبين الآخرين، إذ معظم الناس يفضلون من يأخذ المبادرة في المواقف الاجتماعية؛ لأنّهم يشعرون بالارتياح، والأهمُّ من ذلك يزيحون عنهم عبء بدء الحديث، وإضافة إلى ذلك فإنك ترسم طابعاً عامّاً عنك من المقابلة الأولى، ولا سيما إذا كانت حالتك المزاجية إيجابية.►   المصدر: كتاب تعلم فنون التواصل وإدارة الضغوط

ارسال التعليق

Top