• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الوراثة الثقافية وشخصية المراهق

علي الأديب

الوراثة الثقافية وشخصية المراهق
إنّ كثيراً من الظواهر السلوكية التي كنا نظنها سابقاً ذات منشأ بيولوجي وراثي اتضح الآن انها متأثرة بثقافة المجتمع. فقد كان الكثيرون يعتقدون ان مرحلة المراهقة في كل زمان ومكان مرحلة مشكلات نفسية وصراعات ترجع إلى التغيرات البيولوجية العنيفة التي يمر بها المراهق، دون اعتبار لثقافة المجتمع الذي ينتمي إليه المراهق حتى ظهرت نتائج البحوث الأنثروبولوجية الحديثة فأثبتت حقيقة كون المراهقة ليست مرحلة تأزم بل مرحلة هينة سهلة تخلو من الصراعات والأمراض النفسية والتمرد في كثير من الشعوب البدائية. وأرجعوا سبب ذلك إلى أنّ المجتمعات البدائية كانت تتسامح أزاء المراهق منذ بدء مراهقته وتتيح له فرصة الاضطلاع باعتباء الكبار وأدوارهم الاقتصادية والاجتماعية والجنسية والدينية.  فكأنّ المراهقة المتأزمة متأتية من طريقة معاملتنا ونظرتنا لها، فالتقييد الاجتماعي والجنسي والاقتصادي للمراهق ومصادرة رغبته في الاستقلال وعدم منحه الاعتماد اللازم هي التي يدفع بمراهقنا للتمرد والعصيان. وقد عثر علماء الأنثروبولوجيا على ثقافات اتسمت فيها شخصيات الرجال بالسمات الأنثوية كحالة الاستسلام والاذعان والطاعة، فيما اتسمت الاناث بسمات الرجال وتحليّن بالسيطرة والنشاط العدواني، فقد وجدت (مرغريت ميد) انّ المثل الأعلى للرجل في قبيلة (ارابش) في غينيا الجديدة هو الرجل الوديع الرقيق الطبع المسالم السلبي، كذلك حال المرأة، بحيث يمكن القول بعدم وجود فوارق بين الجنسين في هذه القبيلة أو ان كلا الجنسين ذو طبع أنثوي لين. أمّا المثل الأعلى للرجل في قبيلة تجاورها لكن تختلف عنها في الثقافة هي قبيلة (موندر جومر) فهو الرجل الخشن الغليظ العدواني المقاتل المنتقم، وكذلك المرأة فهي تقوم بكل أعمال الرجل ولها مثل صفاته. أما في قبيلة (تشامبولي) التي تجاور هاتين القبيلتين فينقلب دور الرجل والمرأة فيها عما هو مألوف في مجتمعنا، حيث تكون المرأة هي العنصر المسيطر الغالب المتصرف في كل الأمور، فهي تصيد السمك وتنسج الشباك وتقوم بالأدوار الشاقة، في حين يتعهد رجال القبيلة بشؤون الأطفال وينصرفون إلى الاهتمام بالرقص والحفر والنقش وغيرها مما لا تهتم به المرأة هناك.   المصدر: مجلة الفكر الجديد/ العدد الأوّل

ارسال التعليق

Top