مركز نون/ سلسلة المعارف الإسلامية
2- مراتب الذكر:
للذكر مراتب كثيرة، تبدأ من الذكر اللساني حتى تصل إلى الإنقطاع إلى الله تعالى، وسنشير إلى بعضٍ منها: المرتبة الأولى: أن يؤدِّي الذاكر أوراداً خاصّة بقصد القربة؛ دون الإلتفات إلى معانيها. المرتبة الثانية: أن يردّد الإنسان الأذكار بقصد القربة؛ مع الالتفات إلى معانيها. المرتبة الثالثة: أن يكون القلب متوجّهاً إلى الله تعالى؛ وهو يدرك معاني الأذكار، ثمّ يأمر اللسان بالقيام بالذكر. المرتبة الرابعة: أن يكون السالك متوجّهاً توجّهاً كاملاً إلى الله تعالى، فيرى الله حاضراً وناظراً، ويشاهد نفسه أنّه في محضره تعالى، ولا يلتفت إلى شيء من ظواهر هذه الدنيا، لأنّه وصل إلى مصدر الكمال فلا يرى غيره. يقول أمير المؤمنين (ع): "إلهي هبْ لي كمال الإنقطاع إليك، وأنرْ أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور، فتصل إلى معدن العظمة، وتصير أرواحنا معلّقة بعزِّ قدسك". 3- مراتب الكمال: تختلف أحوال السالكين في هذا المقام، فمنهم الكامل ومنهم الأكمل، ويكون الواحد منهم مأنوساً ومتعلّقاً بالله، بنفس المقدار الذي قطع علاقته بغيره تعالى. فعندما يتوجّه السالك إلى عظمة الله وجماله وكماله، تحدث لديه مقامات وأحوال روحيّة راقية: أ- الذكر الدائم لله تعالى. ب- الإحساس بحضوره عزّ وجلّ. ج- الأنس بالله. د- الإنقطاع إلى الله وترك ما سواه في سبيله. هـ- محبّة الله والإشتياق إليه. و- الخوف من الله وحْدَه. ز- الرضا بقضاء الله وقدره. ج- المرحلة التي لا يرى فيها سوى الله عزّ وجلّ، ويغفل عن كلّ شيء سواه، وهو ما يسمّيه العرفاء بالفناء في الله، وهذا ما نجد التعبير عنه في الآيات والروايات، ونجدها أيضاً في أدعية المعصومين (ع) الغنية بتلك المعاني الثمينة، والجواهر النادرة، التي لا يلتفت لعظمتها إلا القليل من الناس: قال الإمام علي (ع): "ما رأيت شيئاً إلّا ورأيت الله قبله وبعده ومعه". وسُئل (ع): هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين؟ قال (ع): "أفأعبد ما لا أرى؟!". فقال وكيف تراه؟ قال (ع): "لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تراه القلوب بحقائق الإيمان". وتلك المراتب والمقامات والدرجات هي أمور حقيقيّة تعبّر عن مستوى من مستويات الوجود، ولها آثار نشير إلى بعضها:4- آثار الذكر:
الإلتزام بطاعة الله: فإنّ من وصل إلى مرحلة يشعر فيها بشكل دائم بوجود الله وحضوره عزّ وجلّ، ووجد نفسه في محضر الله، فسوف يدفعه ذلك إلى الالتزام بطاعة الله تعالى والعمل بأوامره. فعن الإمام الصادق (ع): "من كان ذاكراً لله على الحقيقة فهو مطيع، ومن كان غافلاً عنه فهو عاص". 2- الخضوع والخشوع: إنّ من شاهد عظمة الله تعالى سيكون خاضعاً له منكسراً أمامه، خاشعاً لديه، يقول الإمام الصادق (ع): ومعرفتك بذكره لك، يورثك الخضوع والاستحياء والانكسار". 3- عشق العبادة: إنّ من آثار الذكر الدائم لله والإحساس بحضوره، التعلّق الشديد بالعبادة والالتذاذ بها، لأنّ مَن أدرك عظمة الله وأرى نفسه في محضره، رجَّح لذّة المناجاة والتضرّع والتوسّل على أيّة لذّة أخرى. 4- السكينة والطمأنينة: إنّ الدنيا مليئة بالبلاء والآلام والأمراض، وهذه الأمور والخوف منها يسلبان الإنسان راحته وطمأنينته، إذا كان بعيداً عن ذكر الله، يقول تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) (طه/ 124). أمّا عباد الله المخلصون، الذاكرون لله، الذين تعلّقت قلوبهم بمصدر الكمال والخير، فإنّهم لا يجزعون ولا يضطربون لفقد شيء من حطام هذه الدنيا، وهم في سكينة وطمأنينة عند نزول البلاءات الإلهية: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ) (الرعد/ 28). 5- ذكر الله لعبده: إذا ذكر العبد ربّه الله تعالى سيذكره (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة/ 152)، ومعنى ذكره تعالى لعبده أنّه يصبح محلّاً لعنايته ورعايته ولطفه، عن رسول الله (ص): "قال الله تعالى: إذا علمت أنّ الغالب على عبدي الاشتغال بي، نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي، فإذا كان عبدي كذلك فأراد أن يسهو حلتُ بينه وبين أن يسهو، أولئك أوليائي حقّاً، أولئك الأبطال حقاً، أولئك الذين إذا أردت أن أُهلك الأرض عقوبةً، زويتها عنهم من أجل أولئك الأبطال". 6- محبّة الله لعبده: من نتائج الذكر محبّة الله لعبده، عن الإمام الصادق (ع): "من أكثرَ ذكر الله أحبّه الله".7- المعرفة: قد يصل السالك الذاكر لله إلى حيث يرى الحقائق والمعارف من خلال قلبه وعين بصيرته.►
المصدر: كتاب دروس في تزكية النفسإقرأ المزيد:-
اتصل بالخالق قبل الخلق
دوافع العبادة في المسيرة الإنسانية
الدعاء سبب عظيم للفوز بالخيرات والبركات
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق