إنّ الصلاة نعمة كبرى من نعم الله تعالى على عباده المؤمنين، فهم يعظمون شأن هذه النعمة، ويقدرونها ويحفلون بها ويهتمون ويغتمون لها، وهي في بؤرة شعورهم وفي سويداء قلوبهم، يرقبون أوقاتها في جميع أحوالهم، وينظمون حركتهم بناءً على هذه الأوقات. إنّ وقوف الإنسان في الصلاة أمام الله سبحانه وتعالى في خشوع وتضرُّع، يمدّه بطاقة روحيّة تبعث فيه الشعور بالصفاء الروحي والإطمئنان القلبي والأمن النفسي. من المهم معرفة انّ الصلاة يزداد تأثيرها كلّما إزدادت فيها صلة الإنسان بربّه، لتكون حقّاً صلاة، ولتأتي ثمارها وتلقي بظلالها على حياة الإنسان، لذا قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون) (المؤمنون/ 1-2). أمّا إذا كانت الصلاة مجرّد عادة وروتين، أو كانت صلاة الكسالى، أو صلاة الرِّياء.. فإنّها ستكون ثقيلة على النفس، خفيفة في الميزان، وسيقل بذلك تأثيرها في حياة الإنسان. يقول تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين * الذين يظنون أنهم ملاقوا ربِّهم وأنهم إليه راجعون) (البقرة/ 45-46).
تربّي الصلاة في نفس المصلي حبّ الخير للجميع، وتنقذه من الحقد والأنانية اللّذين هما مصدر كلّ الشرور والمآسي البشرية في كلّ مجالات حياتها، فالمصلّي بدعائه يطلب الخير للجميع، ويدعو لهم بالخير والمغفرة، فتنمو في نفسه مشاعر الحبّ والخير بأوسع صيغها الاجتماعية الشاملة. لا يقف أثر الصلاة ودورها الاصلاحي في حدود دائرة المصلّي الفردية، بل يتعدّاها الى مجالات المجتمع المختلفة لتقوم الحياة الاجتماعية وفق الصيغة التي أرادها الله سبحانه. وتحقيقاً لهذه الأهداف الاصلاحية للصلاة، جاءت دعوة القرآن لإقامة الصلاة مقترنة بالاصلاح الاجتماعي، والاستقامة على فعل الخير، كما في قوله تعالى: (وقُولوا للنّاس حُسْناً وأقيموا الصَّلاةَ وآتوا الزّكاةَ... ) (البقرة/ 83).
الصلاة هي الصِلة بين العبد وربّه، وهي صِلة تدل على فهم وعقل العبد لشأنه ومكانه، وأنّه عبد لا قيمة له من دون سيِّده، فكما أنّ العبد محتاج إلى سيِّده من الناس في كلّ أموره، فكذلك هذا العبد المصلي هو محتاج لربّه سبحانه في كلّ شيء لأنّ ربّه يملك كلّ شيء وهو (أي العبد المصلي) فقير في كلّ شيء. في الصلاة ينال هذا العبد من ربّه سبحانه الخيرات والعطايا والهبات، ويفاض عليه من رحمة الله وفضله ما يكون سبباً لجبر كسره، وإصلاح خلله، وشفاء مرضه، ومعافاة بلائه، وسد فقره، وجمع متفرقه، ولَمّ شعثه، وتسكين حيرته، وإذهاب شروره، وتطهير قلبه، وتزكية نفسه، ورفعة منزلته، ونصره، وتأييده، وإنزال السكينة عليه، وإذهاب وحشته، ووساوسه وشروره كلّها، وبالجملة يكون صلاح أمره ظاهراً وباطناً. وعلى قدر تنوّر القلب بالإيمان يكون إدراك ثمرة وفائدة وأثر الصلاة في الظاهر والباطن. وسيِّدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول: «وجُعِلَت قُرّةُ عيني في الصلاةِ». وهو بيان نبويّ كريم ينوه بأهمية وشأن وأثر الصلاة وما تحدثه في حياة صاحبها من أسرار وخيرات وبركات لا يحيط بها إلّا الله تعالى.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق