• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الهدى والتقوى.. مفهومان متناغمان

عمار كاظم

الهدى والتقوى.. مفهومان متناغمان

(الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة/ 1-2). إنّ القرآن الكريم كتاب هداية، والهداية هي عملية ذهنية وإدراكية، وهي بمعنى نقل الإنسان من المجهول إلى المعلوم، لكن القرآن الكريم جعل الهداية خاصّة بالمتقين. والتقوى هي عملية فعلية، وهناك ارتباط بين عالم المعرفة وهو الهداية، وبين عالم العمل وهو التقوى. نعم، إنّ من شأن القرآن الكريم أن يهدي؛ ولكنّ هذه الهداية لا تتحقّق فعلاً إلّا للذين استعدّوا لقبول هذه الهداية.. فالقرآن الكريم هو دليل ومنقذ ومُخرج من الظلمات إلى النور لفئة للمتقين. فمن هم المتقون؟

أهم صفة (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (البقرة/ 3)، حيث إنّ المتقي يجب أن يمتلك رصانة في البنية الفكرية، وليس المتقي الذي يمشي ويسعى فقط، بل هو الذي يُحدِّد الطريق، ثمّ يمشي ويسعى، فإنّ السائر على غير بصيرة، كالسائر على غير الطريق، لا تزيده كثرة السير إلّا بُعداً. إنّ المتقي ليس هو ذلك الصوّام القوّام، وإنّما هو ذلك الإنسان الذي اكتشف الطريق، ورأى الهيكل، ورأى المخطط، ويعلم من أين يبدأ، وإلى أين ينتهي، فآمن بالغيب، وترقّى عن الحسيات. والمتقي ليس إنساناً مادّياً مجرداً، يؤمن فقط بما يرى ويلمس ويسمع، وإنّما له قدرة على أن ينتقل من عالم المادّة إلى عالم المعنى، ويخترق حُجب الغيب وحُجب المادّة، ليصل إلى عالم الغيب.

إنّ الله عزّوجلّ أعطاك فكراً، وأمرك بالتدبُّر.. فالتدبُّر في كتاب الله (سبحانه)، وفي الطبيعة، وفي الحياة، وفي حركة الوجود، لا يحتاج إلى تخصّص، فإنّ القضية تتوقّف على التأمّل وعلى التحليل.. وهذه قضية فطرية، فالإنسان يُكوِّن صُوَراً مترتبة، ثمّ ينتقل من المبادئ إلى النتائج. ولهذا حتى في أشعار الجاهليين، الذين جاءوا قبل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يعترفوا بالرسالة، يُلاحظ من خلال قصائدهم أنّ هناك فكراً وفهماً وتدبُّراً، ولو على مستوى تحليل بعض مظاهر الطبيعة.. فإذن، إنّ التدبر أيضاً من صُوَر امتلاك هذه البنية. إذا تدبَّر الإنسان، واكتسب العلم من غيره، واكتسب من عقله وفكره.. عندئذ يأتي ذلك المدد الإلهي، ليُلقي في روعه ما لا يلقي في روع الآخرين.. فالله عزّوجلّ يعلم كيف يُلقي في روع عباده ما يُلقي، قد يُلقي في روع عبده في ليلة واحدة حصيلة تجارب الآخرين، أو على الأقل يُحوِّل الإيمان النظري إلى سكون في النفس.. وهذا هو معنى الإيمان (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) غير المعترفين بالغيب. فالإنسان قد يعترف، وقد يعلم، وقد يتيقّن بالغيب، إلّا أنّه لا يتحوّل إلى قوّة مطمئنة، فالإيمان فيه عنصر الاطمئنان والأمن.. والاطمئنان والأمن قد لا يقترنان مع العلم.. هنا يأتي دور الغيب في أمرين: الأمر الأوّل: في إعطائك المعرفة النظرية، وثانياً: في تحويل المعلومة النظرية إلى حالة اطمئنان ويقين باطني.. يقودنا إلى تطبيق مفهوم التقوى.

ارسال التعليق

Top