إنّ الدِّين الإسلامي يعمل على تنظيم الحياة البشرية في مختلف الميادين. وقد بُنِي ديننا كلُّه على النظام، فالنظام هو محور حياة المسلم، بل الكون كلُّه يسير في نظام. فقد خلق الله عزّوجلّ هذا الكون على أساس مُنظّم، فوضع كلّ شيء في موضعه، وجعل له مهمّة، عليه أن يؤدِّيها في هذه الدُّنيا، قال الله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (يس/ 37-40). ومن وصيّة الإمام عليّ (عليه السلام) للحسن والحسين (عليهما السلام): «أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم». فيحبُّ الله عزّوجلّ أن يكون الإنسان مُنظّماً في حياته الشخصية والعامّة، وقد بيَّن طريق ذلك في رسالات السماء وبالخصوص دين الإسلام، وأمر برعاية ما بيّنه وأنزله. وقد أوصى الإسلام بنظم الأُمور في مختلف جوانب الحياة الإنسانية، بأبعادها الفردية والاجتماعية. ويتجلّى الالتزام بالنظام بالالتزام بتعاليم الدِّين الإسلامي، التي جاءت لتنظيم الحياة الإنسانية وتأمين السعادة للمجتمع البشري كلّه، وهو ما أشار إليه الإمام عليّ (عليه السلام) في وصيّته لولديه، حيث قرن التقوى بالوصيّة بنظم الأمر، لأنّه لا يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً يتحلّى بالتقوى والإيمان الحقيقي دون أن يربّي نفسه على النظام، والالتزام بالحقوق والواجبات تجاه الله والناس، وإلّا لابتُلي بالنفاق والكذب، ما يؤدِّي إلى ضعف الإيمان، ولا يبقى عندها أيّ قيمة للتقوى والإيمان.
اهتم الإسلام الآداب العامّة التي ترتبط بالمجتمع وتمسّ حياة الناس وحقوقهم أهميّة خاصّة، تبرز في مختلف مرافق الحياة العامّة والاجتماعية. فقد جعل الإسلام كلّ مسلم مسؤولاً عن مجتمعه، يمارس دوره الاجتماعي من موقعه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته»، وقال أيضاً (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن أصبح لا يهتمّ بأُمور المسلمين فليس بمسلم».. فالمسلم مسؤول عن إصلاح وتحصين نفسه وأفراد مجتمعه، من خلال الالتزام بالأحكام الشرعية الاجتماعية المتعلّقة بالأُسرة، والأرحام، والجيران والأبناء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحافظة على النظام العام، ورعاية حقوق الآخرين، وعدم التهاون والتساهل بها، بالإضافة إلى المساهمة والحضور الاجتماعي، قال تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ (الحجرات/ 10).
والجانب الأهم، هو الاستفادة الصحيحة من الوقت التي توجب نجاح الإنسان في أُموره الاجتماعية ونجاح علاقاته مع الآخرين، ويكون ذلك عبر قيام الإنسان بتنظيم برنامج شخصي. إنّ عدم وجود نظام يسير عليه الإنسان يوجب ضياع الفرص، وأمّا الانضباط والعمل ضمن برنامج معيَّن فهو موجب للاستفادة من طاقة الإنسان واستثمار نتائج عمله. عن الإمام الكاظم (عليه السلام) حيث ورد عنه: «اجتهدوا في أن يكون زمانُكم أربعَ ساعاتٍ ساعةً لِمُناجاةِ الله وساعةً لأمرِ المَعَاشِ وساعةً لِمُعَاشرةِ الإخوانِ والثِّقَاتِ الذينَ يُعَرِّفُونَكم عُيُوبَكم ويُخلِصون لكم في الباطنِ وساعةً تَخلُون فيها للذَّاتِكم في غيرِ مُحرَّمٍ وبهذه الساعةِ تَقدِرُون على الثلاثةِ ساعاتٍ». فأحد مقومات التكليف أعطاك الله الكون، كلّ شيء في الكون ينطق بوجوده ووحدانيته وكماله، ثمّ أعطاك العقل كأداة لمعرفة الله عزّوجلّ، ثمّ أعطاك الله الفطرة مقياساً نفسياً يكشف لك خطيئتك، ثمّ أعطاك الشهوة كقوّة دافعة، ثمّ أعطاك الاختيار كقيمة مثمنة لعملك، ثمّ أعطاك الوقت، كغلاف لعملك، الوقت غلاف العمل.. فالإنسان بضعة أيّام، كلّما انقضى يوم انقضى بضع منه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق