◄يمكن أن تصل حصيلة الطفل ببلوغ الثالثة من العمر من المفردات إلى ألف كلمة في المتوسط، وتنمو كلمات الجملة، كما يصبح 80% من كلامه تقريباً مفهوماً حتى بالنسبة للغرباء، ولا يصل الطفل إلى الرابعة إلا ويكون قد أتقن اللغة تماماً.
اللغة وخصائص النمو في هذه المرحلة:
للأطفال ما بين 2-4 سنوات تراكيبهم اللغوية الخاصة التي لا تتفق وقواعد التركيب عند الكبار سواء كان ذلك فيما يتعلق بالكلمات أو بالجمل. فمثلاً يقول الطفل: "أحمرة" بدلاً من "حمراء"، و"قلمات" بدلاً من "أقلام"...
إنّ الطفل يبتدع صيغة للتعبير عن أفكار ربّما لم يكن قد سبق له أن استمع إليها أبداً من الكبار المحيطين به. وإذا كان لهذه الأخطاء أن توحي بشيء فإنما توحي بأنّ الأطفال تشغلهم بالفعل مسألة اكتساب قواعد التراكيب اللغوية. فبناءً على ما يسمونه من نماذج لغوية، يقومون بعمل فروض معينة ثمّ يضعون هذه الفروض موضع الاختبار في الاستعمال اللغوي.
إنّهم يحاولون أن يطبقوا تلك القواعد اللغوية التي بنوها لأنفسهم، في محاولات التعبير عن أفكارهم، وعندما يتضح لهم خطؤها، يعدلونها تعديلاً يؤدي إلى تقريبها تدريجياً من تراكيب الكبار، إلى أن تتضح مطابقة لتراكيبهم. بعبارة أخرى فإنّ الطفل يستخلص قاعدة لغوية معينة من النماذج التي يسمعها، ثمّ يطبق هذه القاعدة، وبعد ذلك يعدّلها إلى أن تطابق القاعدة التي يستعملها الكبار.
وهكذا نجد أنّ للطفل دوراً فعالاً في اختيار المفردات والقواعد التي يتعلمها. وفي الاعتماد على قدراته المعرفية الخاصة ومهاراته في حلّ المشكلات من أجل الوصول إلى قواعد يطبقها في لغته الخاصة.
باختصار: فإنّ التقليد أو المحاكاة قد تمدّ الأطفال باللبنات الأولى للغتهم، ولكن استخدام هذه اللبنات في بناء الشكل الذي يمكن من خلاله ترجمة أفكارهم إلى كلمات، إنما يعتمد على جهدهم الخاص. وهكذا يعكس استخدام الأطفال للرموز اللغوية نزعتهم الأساسية إلى تأكيد الذات والسيطرة التي هي المحور الرئيس للنمو في هذه المرحلة.
وظائف اللغة في هذه المرحلة:
تعدّ اللغة أداة هي نفسها ذات فائدة كبرى في زيادة قدرة الطفل على السيطرة، ليس فقط على البيئة التي يعيش فيها، بل أيضاً على دوافعه الخاصة، فبقدر ما يكون الأطفال قادرين على التعبير عن رغباتهم بوضوح، بقدر ما تكون الفرصة لديهم أكبر من إشباع حاجاتهم. كما يمكن للطفل في هذه المرحلة أن يوسّط اللغة في ضبط مشاعره بطريقة أخرى، فالأطفال الذين يكون في مقدورهم أن يتحدثوا عن أنفسهم قد يمكنهم أيضاً من أن يسيطروا على مخاوفهم ويعدّلوا من غضبهم ويخففوا من إحباطاتهم، وذلك عن طريق تكرار بعض العبارات المهدئة، التي كانوا قد سمعوها من آبائهم.
إنّ اكتساب اللغة يزيد من قدرة الطفل على التواصل مع الآخرين. ومع ذلك، فإنّ من الأهمية بمكان كبير أن نفرّق بين الكفاءة في استخدام اللغة، وبين الاستخدام الفعال لها في التواصل، ذلك أنّ استخدام اللغة في التواصل يتضمن القدرة على أن يأخذ من يستخدمها وجهة نظر المستمع، ولكن الوصول إلى مستوى عالٍ من التواصل يأتي في وقت متأخر، لأنّ أطفال ما قبل المدرسة، وإن كانوا يستطيعون أن يتحدثوا بطلاقة، إلا أنهم يجدون صعوبة كبيرة في أن ينقلوا المعلومات إلى الآخرين. ذلك أنّهم يكونون مقيدين بشدة بوجهة نظرهم الخاصة.
وعندما يلعب الأطفال معاً، فإنّ حديثهم غالباً ما يكون في هذه الحالة أشبه شيء بما نسميه "حديث الطرشان". إنّهم يلعبون معاً ولكنهم لا يتحدثون معاً، إنّ كلاً منهم يتحدث إلى نفسه، أو إلى الهواء من حوله.
وقد وصف بياجيه حديث الأطفال في هذه المرحلة بأنّه ذاتي المركز. ولن يتحقق التواصل المطلوب إلا إذا قام الطفل بلعب دور الآخر.
ويرى العالم الروسي (فيجوتسكي)، أن فشل اللغة في التواصل لا يعني عدم وجود الرغبة عند الطفل في التواصل، ولا حتى عدم قدرته على ذلك. فهناك رغبة اجتماعية وراء لغة الطفل في رأي هذا العالم. ولكن الذي يحدث هو أنّ كلام الطفل يكون موجهاً إلى نفسه، فالطفل يميز بوضوح بين نفسه كمستمع، وبين الآخر كمستمع، وعلى الرغم من أنّ الطفل يكون موجهاً إلى نفسه، فإنّ ذلك في نظر (فيجوتسكي) لا يجرّده من صفته الاجتماعية. ذلك أنّ الكلام عندئذ يظل يحمل معنى القدرة الاجتماعية على التواصل.►
المصدر: كتاب تربية أطفال ما قبل المدرسة
ارسال التعليق