• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

النماذج القرآنية.. أطروحات قدوة

أسرة البلاغ

النماذج القرآنية.. أطروحات قدوة

    النماذج القرآنية الصالحة من الأنبياء وغيرهم هي قدوات وأسوات على مستوى عالٍ ورفيع، بل هم القدوات المطلقة، وما عداهم فقدوات محدودة.

    فالنبي نوح (ع) قدوة في الصبر على جفاء الناس وإعراضهم عن الحقّ.

    والنبي إبراهيم (ع) قدوة في التسليم والإنقطاع والطاعة إلى الله.

    والنبي موسى (ع) قدوة في العفّة والأمانة والقوّة.

    والنبي عيسى (ع) قدوة في البرّ والصلاح وخدمة الناس.

    والنبي محمّد (ص) قدوة مطلقة في ذلك كلّه وأكثر، فهو المثل الأعلى في كلّ شيء علماً ومنطقاً وخلقاً وسيرة وقيادة وإدارة وإيماناً وصبراً على الأذى وشجاعة وحلماً، ومادام على خلق عظيم، وقد جاء ليتمم مكارم الأخلاق، فإنّ مبررات الإقتداء به تحملها شخصيته العملاقة الفذّة.

    وكما كان قدوة للمسلمين رجالاً ونساءً، فإنّ ابنته فاطمة الزهراء سيِّدة نساء العالمين، هي قدوة للنساء والرجال أيضاً. فالقدوة – كما أكّدنا – لا جنسية لها، فكلّ رجل يمكن أن يصبح قدوة للرجال وللنساء، وكلّ امرأة يمكن أن تصبح قدوة لبنات جنسها وللجنس الآخر خاصّة وأنّ المشتركات الإنسانية بين الجنسين لا تجعل هناك حدوداً فاصلة إلا بحسب طبيعة التركيبة الجسدية لكلّ منهما.

    والنبي (ص) قدوة أيضاً لشباب المسلمين في شبابه الذي امتاز باستقامة السلوك والصدق والأمانة.

    وهو قدوة لهم في عمله بالرعي وبالتجارة.

    وقدوة لهم في سعيه الحثيث لبناء شخصيته الإيمانية في تعبّده قبل البعثة في غار حراء.

    وهو قدوة لهم في كلّ عمل عمله، وموقف وقفه، وأخلاق تمسّك بها، ودفاع مستميت عن عقيدته ورسالته، حتى أن قريشاً لم تسجّل عليه لا في فتوته الأولى ولا في شبابه نقطة سلبية واحدة، ولذا حقّ على شبان المسلمين وفتياتهم أن يكون لهم فيه أسوة حسنة.

    والزهراء (ع) هي بضعة النبي (ص) وتربيته التي أهّلتها إلى أن تكون في موقع السيادة على نساء العالمين، والمثل الأعلى لكل فتاة مسلمة كانت أو غير مسلمة.

    لقد كانت قدوة في برّها بأبيها.

    وقدوة في عفافها ونجابتها وطهارتها واستقامة سيرتها.

    وقدوة في علمها الذي انعكس على سلوكها ومواقفها.

    وقدوة في بيت الزوجية التي بذلت قصارى جهدها لإسعاد زوجها الذي كان إذا رآها انجلت عنه الهموم.

    وقدوة في تربيتها لابنتها زينب (ع) وولديها الحسن والحسين (ع) سيِّدي شباب أهل الجنّة.

    وقدوة في صبرها وتحمّلها وأناتها وجلدها.

    وقدوة في حوارها وبيانها وخطابها الذي يعتمد القرآن وسنّة النبي منهجاً له.

    إنّها المثل الأعلى الذي ندعو فتيات المسلمين وحتى غير المسلمات إلى قراءته وتمثّله والإهتداء بهديه.

    لقد ضرب الله في القرآن للشباب أمثلة كثيرة: في إبراهيم (ع) الفتى الذي حطّم الأصنام، وفي إسماعيل (ع) الفتى الذي استسلم لإرادة الله بذبحه، وفي (يوسف) الفتى الذي استعصم ولم يقرب الفاحشة، وفي موسى (ع) الفتى الذي كان عفيفاً وأميناً في تعامله مع النساء.

    وضرب للنساء مثلين صالحين: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) (التحريم/ 11-12).

    فبحسب هذا النص، ماذا يمكن أن تستفيد الفتيات والنساء المؤمنات على حد سواء من هاتين القدوتين الصالحتين؟

    1- عدم الإغترار بالبذح الفاره والترف المنعّم ودنيا الرخاء العريضة، وتفضيل نعيم الآخرة الخالد الدائم وما عند الله خير وأبقى، فلا جوار أحلى وأهنأ وأثمن من جوار الله تعالى.

    2- عدم الإنخراط في جوفة الظلم والظالمين حتى ولو كانوا آباءنا أو إخواننا أو أصدقاءنا أو أزواجنا، بل ورفض التعامل والتعاون معهم لا بالقول ولا بالفعل ولا بالسكوت على ظلمهم.

    3- العفاف زينة المرأة المؤمنة الصالحة، فهي لا تبيح نفسها إلا إلى زوجها، وما عدا ذلك فهي لا تسمح بالإعتداء على عفّتها، ولا تستهين بها، ولا تنتهك شرعية العلاقة بين الجنسين لأنّ في ذلك تعدّياً على حدود الله وخروجاً عن طاعته.

    4- الإيمان بالله وتوحيده وطاعته، وتصديق رسله والإستجابة لهم، وكتبه والعمل بما جاء فيها، طريق الهداية إلى الخير والسعادة في الدارين "الدنيا والآخرة".

    5- العبادة والإخلاص لله سبيلنا – نساء ورجالاً، شباباً وفتيات – إلى التحرّر من العبوديات والقيود، وإلى السمو والتطوّر، وإلى الإستقرار والإطمئنان، وإلى أن نكون كأفضل ما أراد الله للإنسان أن يكون (عبده) و(خليفته).

    وقد يطرح بعض الشبان والفتيات سؤالاً مهماً بهذا الخصوص، وهو: كيف يمكن الإقتداء بالمثل العليا والنماذج الراقية والقدوات الصالحة من الأنبياء والرسل وغيرهم ممّن دعا القرآن إلى التأسي بهم؟

    وللإجابة لابدّ من معرفة أنّ طلب الإقتداء ينطوي بالضرورة على:

    1- وجود القدوة الصالحة.

    2- واقعية هذه القدوة، أي أنّها بشر مثلنا.

    3- إمكانية التأسّي بها، فحينما يأمرنا الله تعالى بأن نقتدي بمن هداهم وعصمهم ووضعهم في المقام الإنساني الأوّل (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) (الأنعام/ 90)، فإنّما يأمرنا بما هو مقدور وميسور ومستطاع، لأنّه آلى على نفسه ألا يكلّف نفساً إلا وسعها.

    فلا يصح بعد ذلك، أن يقول شاب: هؤلاء فوق مستوى البشر، فأين أنا من علي بن أبي طالب (ع) أو من عمار بن ياسر (رض) أو من علي بن الحسين (ع) أو من مصعب بن عمير (رض) ناسياً أنّ هؤلاء صنعوا أنفسهم بجهود كبيرة وتربية عالية. والله تعالى يهدي إلى سبيله كلّ مَنْ جاهد في سبيله، وإذا تعذّر أن تكون مثلهم ففي الأقل تشبّه بهم على حدّ قول الشاعر:

فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم **** إنّ التشبّه بالكرامِ فلاحُ

    فإذا لم أكن كرسول الله (ص) في مستوى الصدق والأمانة، لأكن صادقاً ولو بنسبة معيّنة، ولأعمل على رفع هذه النسبة مع الأيام فذلك هو معنى الإقتداء.

    فإذا كان رسول الله (ص) وفاطمة الزهراء (س) قمماً إنسانية، فإنّنا يمكن أن نتسلّق سفح الجبل لنصل إلى ما يقارب القمّة، المهم أن لا نبقى في السهل. ذلك أنّ الإقتداء مستويات ودرجات أعلاه وأفضله في الرجال رسول الله (ص) وأروعه وأعظمه في النساء فاطمة بنت محمّد (ع).

    وحتى نكون عمليين، دعونا ننظر إلى أولئك الذين اقتدوا ونجحوا في اقتدائهم، فـ(مالك الأشتر) لم يكن نبيّاً ولا إماماً، بل كان إنساناً مؤمناً مثلك ومثلي، لكنّه بلغ من تأسيه بالنبي (ص) وأهل بيته (ع) أنّه أصبح لعلي (ع) كما كان علي (ع) لرسول الله (ص).

    وإذا كان بإمكان (مالك) فهو بإمكان أي إنسان آخر.. هل تتفق معنا بهذه النظرة؟. نترك لك التفكير بها.

ارسال التعليق

Top