• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كيف ينظر الناس للوقت؟

د. عدي عطا حمادي

كيف ينظر الناس للوقت؟
◄نظرت كلّ الثقافات في العالم على تنوعها وعلى مرّ العصور نظراتٍ متشابهة للوقت بحسب ارتباطه بأحداث ومجريات حياتهم، فمنهم مَن يتحكم به الوقت، فيصبح الوقت هو سيده ويستلم زمام القيادة لكلّ أعمال ذلك الإنسان، فهو عادة ما يتوقف عن عمل ما لأنّ الوقت متأخر جداً أو لأنّ الوقت مبكر جداً لإنجاز ذلك العمل، حتى لو كان يجب إنهاء ذلك العمل. وهو عادة ما يستيقظ في نفس الساعة ذاتها يومياً بغض النظر عن ارتباطه استيقاظه بعمل ما وهذا النوع يمتاز بأنّه يستخدم الساعة اليدوية بشكل دقيق وبدونها لا يمكن أبداً أن يحدد الوقت. ومثل هذا النوع لو أعطي مهمة لإنجازها وكانت تأخذ أطول من الوقت المفروض فإنّه يتوقف حتى لو لم ينجز هذه المهمة. من مزايا هذا النوع أنّ الخيارات لديه قليلة فهو مرتاح للوضع الذي يعيشه وللنشاطات التي يمارسها بشكل روتيني ملتزماً بالوقت مهما كلفه ذلك.

ومنهم مَن ينظر للوقت على أنّه عدوه فهو في سباق ويحس أنّه لابدّ أن يصارعه، وهؤلاء يمتازون بأنّهم كثيراً ما يضعون مواعيد نهائية للأعمال، ويلتزمون بإنهاء نشاطهم عندها حتى لو لم يتطلب الأمر ذلك، فعلى سبيل المثال: يحاول أحدهم أن يقود بسرعة في طريقه لعمله في الصباح وتراه يبحث عن طريق سريعة قصيرة ليس لأنّه متأخر عن عمله ولكن ليحطم رقماً قياسياً في الحضور قبل الموعد!! والشخص الذي يستعمل الوقت وكأنه في معركة معه عادة ما يتحسس من مثل التعليقات التي تقول له "لا يوجد داعٍ للاستعجال" أو "لدينا متسع من الوقت"، وإن كان في موقع المسؤولية فهو يحكم على الآخرين من واقع استخدامهم الكفء للوقت وليس من واقع إنتاجيتهم. إنّ من فوائد النظر للوقت كعدو أنّها ترفع روح المنافسة والتي يظن الكثير أنّها مفتاح النجاح.

وهناك آخرون ينظرون للوقت على أنّه شيء غامض صعب الفهم، ولذا فهم يرون أنّ أسلم وسيلة للتعامل معه وهو محاولة إنجاز الأعمال بدون أن يأبهوا له، آملين ألا يضطروا للتعامل معه، وهؤلاء يركزون بشدة على المهمة التي بين أيديهم تماماً كما هو حال فنيي المختبر الذين يطاردون جزئية صغيرة بغية الخروج منها بنتيجة. وعند هؤلاء لا يوجد تصور كامل للحاجات أو المواد لأعمالهم ولا كيف سيتصرف الآخرون معهم حيالها. ثم هم يرفضون أن يقدموا تعهداً ما بإنجاز عمل في وقت محدد لأنّهم يجهلون تماماً كم ستستغرق كلّ مرحلة أو حتى متى ينهوا المهمة المنوطة بهم. وفي الحقيقة، إنّ هنالك مشكلة تكمن في التصور بأنّه عندما نتجاهل الوقت من حساباتنا سنمنعه من أن يكون طويلاً، فهذا التصور لا يفيد كثيراً أصحابه إلّا بأنّهم يغرقون في العمل الذي بين أيديهم حتى ولو كان ذلك العمل تافهاً في محاولة لإقناع أنفسهم بأنّ ذلك العمل سيعود عليهم بنتائج على كلّ حال.

وهنالك صنف من الناس اتخذ الوقت عبداً له وصار تركيزه منصباً على كيفية التحكم الدقيق بالوقت فهو يحاول دائماً أن يحدد بدقة كم سيسمح أن يعطي من وقته لكلّ صغيرة أو جليلة. هذا الصنف عادة ما تراه يفكر بالمستقبل فمثلاً في الاجتماعات تراه بدلاً من أن يشارك في مناقشة النقاط المطروحة يفكر بماذا سيقوله بعد الانتهاء من هذه المناقشة، ماذا سيفعل بعد انتهاء الاجتماع، أو ما هي الخطط الكفيلة بإحالة موضوع الاجتماع إلى واقع وهو يمتاز بأنّه يعطي قيمة كبيرة للنتائج الملموسة لأي نشاط. ولذا تراه يغرق في الأنشطة ذات النتائج السريعة وبالتالي فإنّ برنامجه اليومي مليء بالأنشطة من مثل هذا النوع. هؤلاء عادة ما يبدو عليهم التعب بسرعة لأنّ عندهم تصور أنّه لابدّ أن يعتصر كلّ ثانية من وقته ما دام هذا الوقت صار بعداً عنده. الأفراد الذين ينقلون أعمالهم معهم في أوقات راحتهم أو المديرين الذين لا يستطيعون تفويض العمل لمرؤسيهم (لخشيتهم من أن يفقدوا التحكم) هم أناس على رأس القائمة ممن يمتاز بمثل هذا الشعور. هذا الشعور تملك الكثير من الأفراد ممن يعيشون في المجتمعات الغربية بما فرضته عليهم هذه المجتمعات من هاجس الآلية في العمل والإنتاج بدون توقف في وقت قصير.

وهناك مَن يرى الوقت كحكم المباراة يقيس عليه كلّ دقيقة وثانية ولذا تجدهم يحاولون أن يعرفوا ما هو الوقت في كلّ لحظة مما يتطلب أن يكون الوقت أمامهم دائماً فهم يحرصون على أن يقتنوا الساعات الدقيقة في أيديهم، على حيطان بيوتهم وفوق طاولات مكاتبهم. وبالرغم من أنّهم يرون الوقت كحكم المباراة فهم في بعض الأحيان لا يعجبون بقراره فتراهم يحاولون أن يحتالوا عليه خصوصاً عندما يشعرون بالذنب حينما لا تتوافق النتائج مع الوقت المتاح.

هذه الأنماط السابقة وما بينها من تشابه أو اختلاف هي عبارة عن أوصاف عن كيفية استغلال الوقت من قبل الناس، كلّ هذه الأوصاف وغيرها قد تجتمع في شخص واحد وقد تجد شخصاً ينفرد بنمط أو نمطين منها ولكنها تظل ليست دلالة سليمة على حسن استغلال الوقت. إنّ الوقت نعمة من الله تماماً كما الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه. وهو قوة محايدة يعتمد تأثيرها على طبيعة استخدامها، ولكن العجيب في هذه القوة أنّها تمر سريعاً فهي لا تنتظر حتى نأتي إليها ونستعملها بل هي موجودة بيننا نحياها ونعيشها منذ أن لفظتنا أرحام أمهاتنا وحتى تبلغنا ظلمة القبور.►

 

المصدر: كتاب مهارات إدارة وتنظيم الوقت

ارسال التعليق

Top