• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

القانون.. الأخلاق والتقوى

علي حسن غلوم

القانون.. الأخلاق والتقوى

◄تدرك المجتمعات الإنسانية أنّ تنظيم العلاقات في المجتمع أمرٌ هام وحسّاس وضروري، ومن دونه يستشري الفساد بتضارب المصالح والتنافس واستغلال القوي للضعيف وما إلى ذلك، والفرق مابين المجتمعات المتحضرة وتلك البدائية أنّ الثانية تكون فيها التشريعات المنظمة للعلاقات على درجة من البساطة بما يتلاءم مع حجمها وطبيعة احتياجاتها، بخلاف المجتمعات الكبيرة والمتحضرة التي تتداخل فيها العلاقات وطرق التعامل والاحتياجات اليومية للأفراد والمجتمع.

 

-        حتمية القانون:

ويأتي القانون والتشريع ليكون العنصر الأوّل الذي تتفق عليه الأُمم للنهوض بعملية تنظيم العلاقات في أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، سواء أكانت تلك الأُمم تعتمد على القانون السماوي أو الأرضي أو المزيج منهما.

واليوم نشهد أنّ كثيراً من الدول تعتمد الدساتير، علاوة على قوانين التجارة والصناعة والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية في ما يرتبط بالنكاح والنسب والإرث وحضانة الطفل حال الطلاق ورعاية اليتيم والمجنون والصغير والنشر والإعلام، وغيرها. ويردف القانون نظام العقوبات في حال وقوع المخالفة، وهي تتراوح مابين الإعدام والسجن والغرامة المالية والطرد من العمل، بل قد تطبق بعض التشريعات الإسلامية بإقامة الحدود والتعزيرات وفق الفقه الاسلامي.

وبقدر ما يكون القانون فعّالاً وحاضراً في القضايا المختلفة ومحترماً من قبل أفراد المجتمع، والعقاب في المقابل يكون بمستوى الردع بما يتلاءم مع حجم المخالفة أو الجريمة، بقدر ما يستتب الأمن والسلم فيه، وتتحقق من خلاله غاية التشريع.

 

-        التربية الأخلاقية:

ولا يكتفي الإسلام بوضع القوانين والتشريعات المنظمة والعقابية، بل يجعل للتربية الأخلاقية نصيباً للإسهام في تحقيق عملية تنظيم العلاقات، وذلك لعدّة أسباب محتملة: ضعف أجهزة التنفيذ والقضاء والتشريع في أداء مهامها، أو استشراء الفساد في هذه الأجهزة، أو صعوبة تحقيق حالة الرقابة على تصرفات كل فرد في كل المواقع الحياتية، أو عدم الردع في العقوبات.

لذا كان من الضروري أن تردف حالة التشريع عملية تربية للأفراد من الناحية الأخلاقية لضبط سلوكياتهم، بحيث يكون الدافع نابعاً من الداخل الإنساني بغض النظر عن حضور القانون أو شموليته أو وجود الرادع العقابي من عدمه. (مثال: تخطي الإشارة الضوئية الحمراء حال عدم وجود كاميرا المراقبة ورجل المرور، مشكلة تدفع نحو أهميّة زرعه أخلاقيات قيادة المركبات لدى مستخدمي الطرق).

وعليه، فإننا نجد الآيات القرآنية في مجال الطلاق والإرث وأموال اليتامى، لا تقتصر على القانون، بل تحاول أن تزرع القيم الأخلاقية أو تستحثّها لتتفاعل في هذه المجالات، لاحظ:

1- (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (البقرة/ 231).

2- (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) (النساء/ 36).

3- (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا) (النساء/ 8).

 

-        عامل التقوى:

وهذا هو العامل الثالث والمهم باعتباره يمثل صمام الأمان وحالة الرقابة الذاتية التي تعضد العاملين الأوّلين، أو تحل محلهما في ما لو فُقدا. ولذا تجد أنّ مجموعة من الآيات القرآنية المشرعة لا تكتفي بالتشريع بل تلحقه بذكر التقوى، لأن حضور الله سبحانه الدائم في تفكير الإنسان وشعوره في مواقع الحياة المختلفة والإحساس بالرقابة الإلهية المستمرة تدفع نحو الاستقامة في السلوك. لاحظ النصوص التالية:

1- (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة/ 231).

2- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا * وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ) (النساء/ 1-2).

3- (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا) (النساء/ 9).►

 

المصدر: كتاب بساتين الإيمان

ارسال التعليق

Top