• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الفن للحياة

د. إياد محمد الصقر

الفن للحياة
  ◄اختلف رجال المعرفة حول الفن: هل هو للفن أم للحياة؟

ويبدو أنّ المسألة ذوقية أكثر منها معرفية أو فكرية أو اجتماعية! إذ أنّ الفنون الجمالية والبيانية، إنسانية الأداء والعرض أو حسب التذوق.. تذوق الإنسان لها أو لبعضها أو لمفردة منها.

لأنّ موضوعاً كهذا – بحسب رأيي – ليس هيناً أو بسيطاً. إذ أنّه يحمل في طياته وحروفه ومعانيه جملاً من العلائق التي تصل الإنسان بحياته وتتعلق بعض ظرفها بها، أي بحياة هذا الإنسان وشعوره وذوقه وحسّه ومواقفه الاجتماعية والإنسانية كفرد من أفراد مجتمع الحياة، يعيش متطلبات حياته ضرورية كانت أو كمالية. في العصر الحديث فهي عطاءات شعورية وحسية لحياة الإنسان وذلك بتجدد نشاط هذا الإنسان فيها، وتقبله لهذه العطاءات بالإيجاب أحياناً وبالسلب أحايين أخرى!! وغني عن البيان فطرية الإنسان وعفويته ونفسيته المتغيرة باستمرار لمواجهة عطاءات الحياة ذاتها: وهو الأمر الذي يأخذنا إلى الميزان المتعادل: هل الفن يكون حياتياً أو فناً للفن؟ وقبل الدخول في موضوع يجدر معرفة معنى الفن الحقيقي! إذ أنّه – فيما أرى – ذو دلالات متعددة ليس الموسيقى والرسم.. إلخ هي المعنية فقط بل ثمة معنى جديد لعلي أبديه للنقاش.

وهذه المعاني الرفيعة الشأن فكرياً والعظيمة الشعور ذوقياً عما أقصده فيما سبق القول للجديد المعنى أو المعاني للفن في حياة الإنسان أو ما يمكن أن يلتمس تفكيرياً إلى حدٍّ ما؛ حين البحث عن تذوق الجمال الفني أو الفن الجمالي في حياتنا الإنسانية. إنّ الحياة جميلة بإنسانها ومحتواها ومخلوقاتها ولكن ذلك لا يتم إلّا إذا كانت نفس الإنسان جميلة في ذاتها أو كما قال أبو ماضي:

والذي نفسه بغير جمال *** لا يرى في الوجود شيء جميلا

إنّ الإنسان ينبغي له المعرفة والتذوق في عالم الحياة الفسيح، وأرجائها الشائعة للجماليات والضروريات والكماليات أيضاً. وما لم يتجمل للحياة فهو غير جميل! ولكن الجمال – كما ينبغي أن يعرف.. ليس في الماديات الملموسة فقط، بل ليتحراها في كلّ جنب من جوانب الحياة المتدفقة بالخير والسلام والفكر والانتعاش لهذه المعاني الجميلة فعلاً لا قولاً فحسب، والتماساً لجمال الحياة في تناغماتها المكثفة بالمعاني الجميلة والإحساس النبيل والصادق في تفسير الأشياء التي تُعنى في شؤون الحياة وشجونها ومن ظواهرها وبواطنها، حتى نتحقق بمعانيها السامية وقيمها الجميلة أنّ للحياة معنى آخر غير ما يعرفه الماديون والملتمسون للمادة.

بعد هذا نخلص إلى القول إن يكون الفن للفن كما يكون للحياة. وهذا رأيي المتواضع ولكلٍّ رأيه، والله أعلم.

لقد أنعم الله على الإنسان بحواسه الخمس والتي منها البصر العضو الفعّال في ذلك العين، ولكن من الضروري أن يكون هناك ضوء حتى تتم عملية الرؤية وإدراك الأشكال والألوان.

وعند الحديث عن الألوان فإنّ أوّل مشكلة تواجهنا هي طريق وصف الألوان، ونعني بذلك كيف يمكن التخاطب بلغة يكون لكلماتها المدلول نفسها عند القائل والسامع، فكلمة اللون تدل بمعناها الواسع على الكثير من المعاني، فهي تشمل ذلك الإحساس البصري المترتب على اختلاف أطوال الموجات الضوئية للأشعة المنظورة، كذلك تدل كلمة لون على مدى اختلاط أصل اللون وعلى التدرج اللوني والتعبير عن التباين وغير ذلك من معاني..

وأثبتت التجارب السيكولوجية في ميدان دراسة الألوان أنّ منها ما يبدو في الصورة أقرب للمشاهد وأكثر تقدماً من غير الذي يبدو بعيداً وتلعب دوراً في الإحساس بالعمق الفراغي.. والدلالة على الإحساس بالبُعد الثالث في الصور الملونة برغم من أنّها صوراً مسطحة ذات بُعدين فقط.

نظرة واحدة فيما حولنا كافية لرؤية آلاف الألوان التي تضفي على الأشياء مميزات خاصّة بالإضافة إلى النواحي الجمالية الرائعة.

ولابدّ لنا الاهتمام بدراسة العناصر المهمة في عملية التصميم التي لعبت دوراً هاماً عبر العصور في المجال الفني والجمالي لدى الإنسان منذ أقدم الأزمان وقد اهتم العلماء بالنظريات التي تتم بدراسة الألوان سواء في الطبيعة أو في الفن أو حتى كيميائياً حيث تطورت صناعة الأصباغ اللونية وارتبط اللون بعملية التصميم كعنصر مؤثر وفعّال يحقق نجاح هذه العملية.

إنّ أي فن هو في الأصل علم.. فلا يوجد فن بدون علم، والأبحاث الجديدة التي تدور حول الألوان لا تتوقف عنده..

"لقد استخدم الفنان القديم مواد التربة والمواد النباتية والحيوانية في عمل المساحيق الملونة، وكانت الألوان المشتقة من هذه الأصول ضعيفة في شدتها، كما كانت الألوان النقية نادرة الاستعمال بسبب غلو أثمانها وندرتها. أما في العصر الحديث فقد أحدث العلم ثورة اللون، فمن المستطاع الآن أن نصنع بسهولة الصبغات ومساحيق الألوان الكيميائية التركيبية الثابتة النقية، وهي متاحة على مستوى عالمي وبأثمان معقولة، ولذلك يجد الفنان الحديث مجموعة مختارة من الألوان لم يحلم بها الفنانون القدامى، ويعتبر تاريخ الفنون التشكيلية في جزء منه تاريخاً لتطور المساحيق الملونة.

يعتبر اللون من العناصر الأساسية في التصميم، وتساعد دراسته من الناحية النظرية، والخبرة التامة بالمكنيات المواد الملونة، واستعمالها استعمالاً ناجحاً المصمم على اختيار الألوان المناسبة المعبرة.

إذا نظرنا حولنا رأينا أنّ لكلّ شيء لوناً خاصاً، إن كان العلم يقول هذه الأشياء لا لون لها، ولكنها تمتص بعض إشعاعات الطيف وتعكس البعض الآخر فيكتسب كلّ شيء لون الإشعاع الذي يعكسه، ونحن نستعمل كلمة لون في هذا البحث ونقصد بها المواد التي تستعمل للتلوين، كما تبدو على سطح الأشياء.

إنّ الألوان ترتبط بمعاني راسبة في عقلنا الباطن نتيجة لخبرات بعضها موروثة في الجنس البشري، أخرى مكتسبة من الحياة والألوان بصفتها خبرة مريئة تزيد ثباتاً ودواماً في عقولنا تزيد على أي خبرات اكتسبناها عن طريق الحواس.

وكذلك نجد أنّ الألوان دلالات معينة وارتباطات بالظروف والأحداث".►

 

المصدر: كتاب دراسات فلسفية في الفنون التشكيلية

ارسال التعليق

Top