• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أسباب بلوغ سلامة القلب

زكريا محمّد

أسباب بلوغ سلامة القلب

◄يقول أهل العلم في تعريف القلب السليم: إنّه القلب الذي خلصت عبوديته لله تبارك وتعالى إرادة ومحبة وتوكّلاً، وإنابةً وإخباتاً ورجاء وخلص عمله لله. فهذا هو القلب السليم الذي يرجو العبد أن يلقى به ربّه يوم لا ينفع مال ولا بنون.

على المسلم أن يحرص كلّ الحرص على نقاء قلبه وسلامته، حتى يفوز برضوان الله تعالى وجنّته. ومن الأسباب التي تعين على بلوغ سلامة القلب المقارنة بين الربح والخسارة في حالة بين سلامة القلوب وعدمها. فصاحب القلب السليم من أهل الجنّة لأنّه أحب الله فأحَبه الله ورضي عنه ووفقه وأحبه الناس، وفي رحلة بلوغ سلامة القلب يتعيّن أيضاً على العبد معرفة العدو الحقيقي له، وهو إبليس الذي يحرص أشد الحرص على إذكاء نار العداوة بين الناس ويتفنن مع أعوانه في إفساد قلوب الناس، لاسيّما الأزواج ليحصل الفراق بينهم.

  

- الدعاء والاستغفار:

الدعاء والاستغفار والتوبة الصادقة من أسباب سلامة القلوب، قال رسول الله (ص): "إنّ العبد إذا أخطأ خطيئة نُكتت في قلبه نُكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سُقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين/ 14). ومادامت القلوب بيد علام الغيوب، كان من أهم أسباب سلامتها الدعاء والتضرع إليه سبحانه. لذلك كان رسول الله (ص)، يدعو ربّه في صلاته: "اللّهمّ إنّي أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، وأسألك شكر نعمتك وحُسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شرّ ما تعلم وأستغفر لِما تعلم".

    

- اجتناب القِيل والقال:

اجتناب القيل والقال وكثرة الكلام، والتدخّل في ما لا يعنينا من شؤون الآخرين، قال رسول الله (ص): "لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانهُ..". وقد حذّر رسول الله (ص)، من كثرة الكلام بغير ذكر الله لأنّه سبب في قسوة القلب وبُعده عن الله تعالى. قال (ص): "لا تُكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإنّ كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعَد الناس من الله القلب القاسي".

    

- حُسن الظن:

تربية النفس وتعويدها على حُسن الظن بالناس جميعاً، وقد نهانا ربّنا عن كثير من الظن لأنّ بعضه إثم، فكيف بالذي يبني حياته على سوء الظن بالآخرين، قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) (الحجرات/ 12).

    

- الصبر واحتمال الأذى:

معاملة الناس بالحُسنى والصبر وتحمُّل الأذى منهم والعفو عنهم وَرَد الإساءة بالحُسنى، عملاً بقول الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت/ 34). لذلك كان الكريم والمُحسن وصاحب الخُلق قريباً من الناس أجمعين، بجوده وأدبه وحُسن عشرته، وهذا ضروري في شتّى ميادين الحياة وفي سائر تعامُلاتنا، حتى نعيش حياةً آمنةً مطمئنةً مستقرةً.

وهنا يتّسع المجال لتوجيه ربّات البيوت إلى ضرورة معاملة الخدم معاملة حسنة، لتكون قلوبهم سليمة تجاه أفراد الأسرة، لأنّ المعاملة السيِّئة لهم تملأ قلوبهم غيظاً وحقداً وانتقاماً. بالتالي، سيكون ضررهم عظيماً، ولنتأسى بالحبيب محمّد (ص)، فعن أنس (رض)، قال: "خدمت النبيّ (ص) عشر سنين، فما قال لي: أف، ولا: لِمَ صنعت؟ ولا: ألا صنعت".

وعند عبدالله بن عمر (رض)، قال جاء رجل إلى النبيّ (ص)، فقال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فصمت عنه رسول الله (ص)، ثمّ قال: يا رسول الله، كم أعفو عن الخادم؟ فقال: "كلّ يوم سبعين مرة".

    

- المصارَحة والمناصحة:

المصارحة والمناصحة بصدق ووضوح، فلا تزول الإحن والعداوات، وتسلم الصدور بين الأهل والأصحاب والجيران إلّا بالمناصحة والمصارحة. قال النبيّ (ص): "الدِّين النصيحة" قلنا: لمَن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامّتهم". ولا شك في أنّ النصيحة لها ضوابطها وشروطها، لتُؤتي أُكلها، وتعظم ثمارها، ومن أهمها حتى تكون سبباً في سلامة القلب بين المتناصحين، أن تكون صادقة لله، وأن تكون في السر، وأن يكون الناصح حريصاً على إيصال الخير للمنصوح وإبعاد الشرّ عنه.

    

- الهدية:

الهدية، فهي سبب في سلامة القلوب وزيادة المحبة والمودة. قال رسول الله (ص): "تَهادُوا تَحابّوا". وقال رسول الله (ص): "تهادوا فإنّ الهدية تّذهب وحر الصدر".

    

- البُعد عن مَواطن الشُّبهات:

البُعد عن مواطن الرَّيب والتهم والشك، حتى لا يفتح باباً للشك فيه من قِبَل الناس، ويحرجهم، ويكون سبباً في تسلل الشيطان إلى قلوبهم.

وختاماً، فإنّ سلامة القلب هي السعادة التي ننشدها في الدنيا، والفوز العظيم في جنّات النعيم الذي نسعى جاهدين إلى بلوغه، وإذا كانت ثَمَرَة سلامة القلب هي القُرب من الله العظيم ونَيْل مَحَبّته ورضوانه، فيجب علينا أن نبذل ما في وسعنا وقصارى جهدنا، لنصل إليها ونكون من أهلها.►

ارسال التعليق

Top