قال تعالى: (فَمَن تَطَوّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) (البقرة/ 184)، وفي الحديث النبويّ الشريف قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الإيمان بضعٌ وسبعون أو بضعٌ وستون شعبة، فأفضلُها قولُ لا إلهَ إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان». إنّ العمل التطوعي وبناء الإنسان وجهان لعملة واحدة وكلاهما يهدف إلى تطوّر ورقي المجتمع، لذلك فإنّ العمل التطوعي يقوم على العطاء اللامحدود، ويشكّل أحد مكونات الحياة الاجتماعية والقوّة البشرية الحقيقية لتنمية المجتمع. كما إنّ العمل التطوعي امتداد للمواطنة الصالحة كونها استشعاراً للمسؤولية وتحمّل الأمانة والقيام بكلّ ما يتطلبه الصالح العام من أجل حفظ كرامة المجتمع والتي من خلالها يساهم الفرد في تنمية بلاده، والتطوع ينتج عنه مجتمع مستقر يتفاعل ويتواصل أفراده من أجل تقديم خدمة إضافية إلى جانب الخدمات التي تقدمها الدولة كما ينشر ويدعم قيم التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع أوقات السلم والأزمات.
حين تسود المجتمع روح التطوع والتعاون وتكاتف الجهود، فإنّ ذلك يقرّب ما بين فئات المجتمع المختلفة ليكونوا يداً واحدة لبناء المجتمع ممّا يزيد من لحمة التماسك المجتمعي إلى جانب ذلك فإنّ الشخص المعطي يقود عملية البناء، وحينما تتوافر روح الخدمة لدى الأفراد يتقدَّم الفرد والمجتمع على حدٍّ سواء. ويعتبر التطوع وسيلة لكسب الكثير من المهارات التي يمكن الاستفادة منها في مكان العمل، وتشمل هذه المهارات: الثقة بالنفس، وتبادل الآراء، والشعور بالمسؤولية، والعمل الجماعي والابتكار. كما أنّه سيزود المرء بخبرة كبيرة لتحقيق مكاسب شخصية، وسيكون إضافة جيِّدة إلى السيرة الذاتية. ومن أهم مزايا العمل التطوعي هو التأثير في المجتمع، فالتطوع يسمح بالارتباط بالمجتمع والحصول على مكانة جيِّدة، وحتى المساعدة في أصغر المهام يمكن أن يحدث فرقاً حقيقياً في حياة الناس.. وتكريس وقتك كمتطوع يساعدك على تكوين صداقات جديدة، وتوسيع شبكة علاقاتك، وتعزيز مهاراتك الاجتماعية، ذلك أنّ القيام بنشاط مشترك مع الآخرين من أفضل الطُّرق لإقامة صداقات جديدة وتعزيز العلاقات القائمة، ووسيلة رائعة للقاء أشخاص جُدد.
الروح الجماعية التطوعية يجب تعزيزها وتنميتها بكلّ الوسائل المتاحة، عبر برامج تربوية واجتماعية واعية ومسؤولة، تهدف إلى زرع التعاون بين الأجيال، من خلال تدريبهم على إقامة أنشطة حوارية أو ثقافية حول مواضيع متنوّعة، وفسح المجال للجميع للمشاركة وإبداء الرأي، وتدريبهم أيضاً على القيام بأنشطة تطوعية إنسانية واجتماعية وصحّية، لتعليمهم أهميّة الشعور الإنساني في الواقع عبر الممارسة، من خلال جمع التبرعات، والتبرع بالدم، وإقامة نشاطات تعليمية، لتقوية الثقة بالذات، والتعويد على حبّ الغير، وفتح آفاق التسامح. كما وإنّ العمل الجماعي التطوعي يفتح المجال أمام كلّ الطاقات والقدرات، لأن تتلاقى وتجتمع على كلّ معاني البرّ والخير.
وأخيراً، لابدّ من تنمية روح المبادرة لدى أفراد المجتمع، لأنّ روح المبادرة هي من القضايا التي تحتاج إلى اهتمام خاصّ، ولا سيّما في أوقات الأزمات، إذ يبحث الناس عمّن يقودهم، أو يجمعهم على عمل الخير.. وهنا تبرز أهميّة الإنسان الصالح الواعي والمشارك، كما يبرز شعوره بالمسؤولية، ووعيه بضرورة المواجهة المشتركة للأزمة. ولذا، فإنّ من الحيوي أن يشعر كلّ مَن حولنا بأنّنا نملك طاقة الريادة والمبادرة إلى عمل شيء يعود بالخير والنفع العام يقول الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المضمار: «أحبُّ الناسِ إلى اللهِ عزّوجلّ أنفعُهم للناسِ».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق