◄يتسم العمل الإبداعي لفنون عصر المعلومات بسمات أساسية عدة، يمكن تلخيصها على الوجه التالي:
- الطابع الذهني: يكشف لنا فن عصر المعلومات عما تحدث عنه فيثاغورث بشأن تناغم أنساق الأرقام، ويتوق هذا الفن حالياً إلى استكال المسيرة التي بدأها فنانون عظام، من مثل سيزان وبيكاسو وإم سي ايشر في فن التشكيل، وباخ وهندل وتيليمان في فن الموسيقى، وقد قدم لنا ألبرتو إيكو تجربة رائعة لفن الأدب الذهني، عندما مزج أدبه الروائي بمعرفة علوم اللسانيات وعلم الدلالة. نحن في لهفة ننتظر فناً ينفذ إلى الجمال المستتر وراء المعادلات والمتتاليات والسلاسل الرمزية، يظهر لنا مغزى الجمال في التقاء الأفكار والمفاهيم، والحوار النظري مع العملي، ويجسد ما يعنيه الفرق بين محدودية البنى المعرفية ورحابتها. إنّ ذهنية الفن تختلف اختلافاً جوهرياً عن ذهنية العلم، فالفن الذهني لا يحث على الفهم، بل يهيئ الذهن لتوقع المستقبل. ولا جدال في أنّ العالم الخائلي هو البيئة المثالية لممارسة الفنون الذهنية حيث يحرر المبدع مع جميع القيود.
- الطابع التفاعلي الدينامي: الذي يعطي المتلقي فرصة التحكم في العمل الإبداعي، كأن يغير من إيقاع الموسيقى، أو من باليتة الألوان المستخدمة في العمل التشكيلي، أو من نسب المنحوتات وأوضاعها. لم يعد هدف العمل الفني هو مجرد التذوق أو التأويل أو إثارة المشاعر الوجدانية، فالهدف منه حالياً هو المشاركة.
خلاصة: إنّ إبداع الفن التفاعلي يكمن في قدرته على التوليد والتغير الدينامي لا حثه على التأويل وإثارة الحس الوجداني.
- الطابع المزجي: الذي يمزج بين أنساق الفنون المختلفة، وكذلك بين التراث الفني عبر الثقافات والحضارات. لقد أصبحت قابلية المزج أحد الشروط الأساسية لفنون عصر المعلومات، وأي عمل فني يفتقد هذه الخاصية الأساسية مآله إلى الاندثار. إن مبدع عصر المعلومات يقدم عمله الإبداعي على هيئة شظايا قابلة للاندماج مع شظايا فنية غيرها، ولم تعد مسؤوليته تقديم عمله في صورة فنية نهائية مكتملة، في صورة كتاب أو فيلم أو مقطوعة موسيقية كما كان عليه الأمر في الماضي. إنّ الفن المزجي هو أمضى الوسائل في إقامة الحوار بين ثقافات الشعوب، والتمهيد لثقافة السلام بالتالي.
- الطابع الخائلي: حيث سينحو العمل الفني صوب التخلص من المادية dematerialization، ليرسم الفنان التشكيلي في فراغ ثلاثي الأبعاد، ويؤلف المبدع بالموسيقى بلا آلات، وتعزف الموسيقى بلا عازفين وينحت النحات بلا مواد. من جانب آخر، قد نحتاج إلى سينما وثائقية جديدة لا تسجل الواقع المادي الفعلي، بل تسجل ما يجري في عوالم الفضاء الرمزي، وما يجري بها من أحداث، هي عرضة للضياع بسبب فورية الإعلام وتدفق المعلومات بصورة يصعب ملاحقتها.
- سقوط الحواجز بين أجناس الفنون: ستتلاشى تدريجياً الحواجز الفاصلة ما بين الفنون بفعل التوجه المعرفي الذي يعمل على زيادة تجريدها والتقارب فيما بينها بالتالي. فمن المتوقع أن يقترب الرسم الثلاثي الأبعاد من فن النحت، وأن تعمل موسيقية الشعر على تكثيف الحوار بين الشعر والموسيقى، وأن تضيق التفاعلية المسافة الفاصلة بين الأدب والمسرح، في الوقت نفسه الذي تقرب فيه أدائية المسرح بينه وبين فن الرقص. إنّ فنون عصر المعلومات تتميز بدرجة عالية من السيولة، يصعب الفصل فيها بين ما يجري في دنيا العالم الحقيقي، وما تزخر به عوالم الرمز الخائلية، وواقعية العالم الخائلي وسيرياليته.
- الطابع غير الخطي: يطرح الفن جانباً سردية الرواية البلزاكية، ومسرحية الحبكة الأرسطية وخطية النغم، في سبيل إنتاج فن يقيم إبداعه من أبجديات شظايا النصوص والحوار والمشاهد، وتنافرات النغم، ويوفر للمتلقي مداخل عديدة لإعادة بناء هذا الموزاييك الرمزي في صور لا نهائية غير محددة. إن فن عصر المعلومات سينتج أعمالاً. فنية ليس لها بدايات أو نهايات محددة، وروايات تفاعلية متعددة المسارات، وأفلاماً متعددة النهايات.►
المصدر: كتاب إنتبه! أنت مبدع
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق