◄العزم: (إنّ العزم هو جوهر الإنسانية، ومعيار ميزة الإنسان، وإن اختلاف درجات الإنسان باختلاف درجات عزمه).
لقد بيَّن القرآن الكريم مدى قرب الله تعالى من الإنسان بما يلي:
1- (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ...) (البقرة/ 186).
2- (.. وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق/ 16).
3- (.. أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ...) (الأنفال/ 24).
الله عزّ وجلّ أقرب إلى الإنسان من نفسه، ويحب الإنسان أكثر ممّا يحب الإنسان نفسه ويرأف بالإنسان أكثر من رأفة الإنسان بنفسه.
والإنسان قريب أيضاً من الله عزّ وجلّ.
إذ بيّن الله سبحانه تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) (الحديد/ 4).
ولكن الإنسان يغفل عن الله تبارك وتعالى لأنه يبتعد عنه، وذلك أنّ الإنسان جُبِل على الغفلة، واليقظة تُمثل له حالة الصحو وبداية مشوار الحركة والسلوك الفضيل.
فالإنسان يغفل عن جليسه الذي يجلس معه في الغرفة فلا يراه ولا يحس به ولا يسمعه إذا أبحر في عالم تصوري آخر. وهذا برغم كون الجليس بمقربة منه فأزمة الإنسان السلوكية تكون في الغالب ناشئة عن الغفلة، وإلّا فإنّ الله قريب وموجود وتنتظرنا آخرته وجزاءه ولكننا نغفل عن كلّ ذلك.
ولذلك قيل: "الموت هو رجوع الإنسان إلى نفسه" وهو "انقطاع الإنسان عن غير الله".
والمراد بهذا الكلام بيان انّ الموت يوقظ الإنسان من غفلته. (.. فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (ق/ 22).
وأساس حركة الفرد للتيقظ واستحصال القرب من الله سبحانه وتعالى هو ذكر الله.
علاقة الذكر بالقرب:
1- (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة/ 152)، أي كلما أكثر الإنسان من ذكر الله كان الله أقرب منه.
2- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) (الأحزاب/ 41)، وهنا نلحظ انّ الله سبحانه وتعالى لم يحدد مقياس لكم الذكر وهذا يبين انّ الذكر كله خير، والذاكر لله لديه جهوزية مقارعة الهوى والشيطان أكثر من غيره.
3- قال الله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة/ 10)، وهنا بيان علاقة الفلاح والسداد في تأدية المهام بكثرة ذكر الله.
اليقظة قبل العزم:
الإنسان بطبيعته غافل، ولابدّ له من اليقظة من نوم الغفلة، ليبدأ حركته الجوانحية والجوارحية للكمال المطلق، ليبدأ المسير إلى عالم الفضائل هاجراً وراء ظهره عالم الرذائل، ليسافر إلى وطن القرب تاركاً وطن البعد.
والمؤمن لا يحتاج الكثير من العناء لبلوغ عالم الفضائل واستيطان وطن القرب ذلك لكون الله سبحانه وتعالى قريب منه جدّاً، بل هو أقرب إليه من نفسه.
ولكن الشرط في ذلك كله يكمن في حركة الإنسان إلى الله بعد اليقظة.
1- قال الإمام السجّاد (ع) في دعاء أبي حمزة الثمالي: "وأنّ الراحل إليك قريب المسافة".
2- وبيّن الله تعالى في الكتاب انّه عزّ وجلّ: (.. مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ...).
غير أننا كبشر غافلون عن ربنا القريب وهو سعينا للإلتفات إلى الله في عطاياه وكرمه ورحمته وتسديده ورأفته وقدرته وقوته وعزته ورعايته لكنا أكثر قرباً منه.
3- حديث قدسي: "أنا جليس من ذكرني".
4- ورد في مفاتيح الجنان في أعمال يوم 27 رجب "وإنك لا تحتجب عن خلقك إلّا أن تحجبهم الأعمال دونك".
فالبشر ينصرفون إلى الدنيا وملذاتها وينسون الله ويرتكبون المعاصي والذنوب فيحجبون عن الله بسبب سلوكياتهم وأفعالهم المنكرة، ولكن الله غفور رحيم، قد يغفر الذنوب كلّها في لحظة، ولذا ينبغي للإنسان العاصي ان يعزم فور يقظته على ترك السلوكيات المذمومة والسعي لتخلية النفس من رذائل الأخلاق وتحليتها بالفضائل الوجدانية الباعثة على السلوك الحسن.►
المصدر: كتاب التحفيز الإيماني
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق