◄مهما كانت هناك خطوط عامّة يمكن بيانها، فإنّ لكلّ طالب طريقته في الدراسة، وهي الطريقة التي تمكّنه من تحصيل أكبر قدر من المعلومات، وتعينه على فهم واستيعاب أكبر قدر من الدروس، في كلّ المواد.
وهذا أمر لا جدال فيه، فالطالب الذي يسعى نحو العلم والتفوق هو الذي يخترع الطريقة الأنسب له في الحفظ والفهم، وهو الذي يحدد الوقت المناسب له في كلّ يوم، سواء أكان الوقت في الصباح الباكر، أم في وسط اليوم، أم في ساعات من الليل...
إنّ الشعور بمسؤولية الدراسة وأهميتها في بناء الحياة بكافة أبعادها هو الذي يدفع إلى تحسين نوعية الدراسة، وتركيز المعلومات في الذاكرة، المعالجة المنطقية في فهم المسائل والقضايا الدراسية.
قد تصعب علينا بعض المواد، أو بعض دروس أو أبحاث مواد... إلى الحدّ الذي يجعلنا نصاب بحالة من التوتر النفسي، فنشك في إمكانياتنا الذهنية، أو نصل إلى حالة من كره الدراسة نتيجة لهذه الصعوبات... فنقلع عن الدراسة عدة أيام، ومن ثم تتراكم الدروس والواجبات، ويمسي ما كان صعباً قد بات شبه مستحيل، ولا سيما في المواد التي تشكل دروسها حلقات مترابطة، كالرياضات، واللغة الإنكليزية، وقواعد اللغة العربية... فتزداد الصعوبة، ويزداد قلقنا على مستوانا الدراسي، أو زهدنا في الدراسة، ونحكم أحكاماً تصل إلى حدّ ترك الدراسة كلّها، أو ترك هذه المادّة، وبالتالي التراجع الواضح في متابعتنا لدراستنا في مستوى جيِّد.
وهذا كلّه نتيجة عدم مواجهة الصعوبات مواجهة واقعية، والنزق والعصبية التي واجهناها بها.
من الطبيعي أن نعترف أنّ الدراسة لا يمكن أن نواجهها بنزق وعصبية، وأن لا ندع انفعالاتنا تتدخل. ولنأخذ حالة من هذا النوع، ولنعالجها معالجة سليمة.
يجلس "ممدوح" في غرفته، وهو طالب في الصف الثاني الثانوي العلمي (السنة الحادية عشرة من دراسته)، يحضّر اليوم درساً في الفيزياء، بطريقته الخاصّة، فيُلخّص بعض القوانين الفيزيائية، أو الدساتير، ويمشي في قراءة الدرس، فلا يجد ما يقنعه بأنّه يفهم الجديد من هذا الدرس...
يحاول إعادة الدرس ثانية، ومن جديد لا يفهم ما المقصود، ويبدو أنّه لم يتمكن من استيعاب المفاهيم الجديدة في الدرس.
يغلق كتابه، يقوم لأداء الصلاة، وبعدها يعود إلى الدراسة من جديد، ولكنّه في هذه المرة يتناول مادّة الأدب، فيقرأ بعض النصوص، ويحاول شرح أحدها، ويغلق كتابه، وينهي دراسته، وينام.
في اليوم التالي يستيقظ صباحاً، يفتح كتاب الفيزياء، يراجع بسرعة أغلب القوانين والمفاهيم الفيزيائية التي مرت في الكتاب، يستذكرها، فيجد نفسه قد تذكّر أغلبها، يصل إلى الدرس الذي لم يفهمه، يكتب منه بعض الأسئلة، وبعض الملاحظات، ويقرر أن يسأل عنها أستاذه في الثانوية، لعلّه يستطيع أن يفهم منه ما غمض عليه، وهذا ما يحصل في الدرس، إذ يجد بعض الطلاب من زملائه قد صعب عليهم هذا الدرس ومن مفاهيمه الجديدة، وبالتالي يستوعب فكرة الدرس.
يذهب إلى البيت، فيراجع الدرس بأناة وروية، ويركّز معلوماته، فيتمكّن من فهم الدرس الفهم الصحيح الجيِّد.
أما "منى" فقد تعذّر عليها فهم إحدى قواعد اللغة العربية في كتاب الدراسة الثانوية (البكالوريا)، فما كان منها إلّا أن أغلقت الكتاب، وذهبت إلى المطبخ تعد فنجاناً من الشاي، ثم جلست بهدوء تشرب الشاي مع أختها الكبيرة...
كانت، وهي تشرب الشاي، تفكّر في القاعدة، وتحاول أن تتذكر مما حفظت شعراً أو نثراً بعض ما يقرّب إليها تلك القاعدة أو يوافقها أو يقرّبها إليها، وبينما هي تمسك بالفنجان وتقرّبه من فمها، أعادته إلى الطاولة بسرعة كاد ينسكب منها ويراق، وقفزت إلى الكتاب، صاحت بها أختها:
- ما بك يا مجنونة؟!
- لا شيء.. لا شيء.. أشرح لك فيما بعد.
قلبت الصفحات على عجل، قرأت القاعدة من جديد، وضعت خطا أحمر تحت بعض الجمل التي نقلتها، ثبتتها في ذهنها، ثم كتبت ما استذكرته من شاهد أو مثال على هذه القاعدة.
أغلقت الكتاب، وراحت إلى أختها تسألها:
- هل تشربين كأسا آخر من الشاي؟
"ماجد" لا يحب دروس الجيولوجيا، كان يحبها عندما كان في الصف السابع أو الثامن، والآن هو في الثانوية العامّة، القسم العلمي، لا يجب أن يمسك بكتاب الجيولوجيا.. تسأله لماذا؟ فيقول لك: معلوماتها معقدة جداً، مسميات واصطلاحات ومفاهيم...
وكلّها حدثت من ملايين السنين، بل يفترض افتراضاً أنّها قد حدثت، أنا لا اعتقد بحقيقة ما حدث في تلك الأحقاب والأزمنة السحيقة.
لا شك أنّ "ماجد" لن يحصل على معاملات جيِّدة إذا بقي في هذه العصور الجيولوجية، لأنّها تقوم على أُسس علمية صحيحة، أما اعتقاده فلا ينهض له دليل يؤكده. هذا من الناحية المنطقية، أما من الناحية العملية فإنّنا ننصحه أن يلخّص كلّ درس بصفحة واحدة، ينقل إليها أهم المصطلحات، ولتكن عشرة، ثم يحفظها.
وفي اليوم التالي يرسم خريطة الدرس ذاته، ثم يحاول أن يفهم التغيرات الجيولوجية التي حصلت، ثم يعيد استذكار المصطلحات، وفي اليوم الثالث يعود إلى قراءة الدرس جملة، فيلخّصه بيده، وينقل من المعلومات ما بقي غائباً عن ذاكرته. وبذلك قد فهم الدرس كلّه.
إنّ تجزئة معلومات الدرس الواحد، وحفظ كلّ جزء من تلك المعلومات على حدة، ثم استذكار جميع معلومات ذلك الدرس، وسيلة جيِّدة للحفظ والفهم، وهي تعيننا على فهم شامل عن طريق الأجزاء. هذا إذا كانت المادّة غير مفهومة، أو غير مهضومة، كما يحلو لبعضهم أن يسمميها.
أما إذا كانت المادّة محببة، فليس هناك من مانع في أن تحفظها بأي طريقة شئت، المهم حفظها وفهمها واستيعابها استيعاباً جيِّداً. ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق