• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصلاة.. دعاء الحب وشفاء الروح

د. محمد مهدي الأصفهاني

الصلاة.. دعاء الحب وشفاء الروح
◄"ما من وسيلة أكثر رصانة وتواصلاً من الصلاة لارتباط الإنسان بالله فقد بدأ الإنسان البدائي علاقته (مع الله) عن طريق الصلاة. وأعظم أولياء الله كذلك يبحثون عن نعيم اختلائهم بأنيسهم وحبيبهم في الصلاة".

 

الصلاة، دعاء الحب ومدرسة تنشئة الإنسان وتربيته:

يتجلّى أوّل مظاهر جمال الصلاة في اسمها، فكلمة "الصلاة" مشتقة من صلة (وصل) ودلالتها الارتباط والاتصال بين العبد والرب. قال الإمام عليّ بن موسى الرضا (ع): "صلة الله للعبيد بالرحمة وطلب الوصال إلى الله من العبد إذا كان يدخل بالنية ويكبر بالتعظيم والإجلال".

فبالتفكير في هذه الكلمة وتحليل الارتباط المباشر بين عبد في منتهى ضآلة الشأن ورب في قمة العظمة اللامتناهية، الفذة المتعذرة الوصف بعيداً عن العراقيل والحواجز والوسائط يلتمس العقل وجود حالة حب متبادلة وفي غاية الروعة، تمنح الهدوء للعبد وتروي وتبث الأمل فهي (الصلاة) كما وصفها رسول الله (ص) قرة العين والرغبة المنشودة بالنسبة للعبد بفارق أنّ الجائع أو الضمآن يتغلب على جوعه أو عطشه بتناول الطعام أو الماء خلافاً للباحث في الصلاة عن الفلاح، فحاجته إليها متواصلة لاتلبى تماماً قط واللهفة لإقامتها قائمة لا تخفت أبداً.

إنّ الإنسان إن وقف يصلي لربه بتركيز تام يتنزه من سيئاته وكأنّه يوم ولدته أُمّه، قال رسول الله (ص): "مثل الصلوات الخمس كمثل نهر جار عذب على باب أحدكم يغتسل فيه كلّ يوم خمس مرات فما يبقى ذلك من الدنس"، شرط أن تستتبع هذا الدعاء أو ذكر الحبيب الخالق الرؤوف التزام الإنسان بأوامره والكف عن نواهيه لتفادي سخط الحبيب. وبهذا الالتزام المتواصل بأوامره ونواهيه ينساب الإنسان في مجرى التربية الإلهية والتكامل حتى تغدو درجة الفاعلية الرادعة للصلاة إزاء ارتكاب المعاصي والخروج عن طاعة الله مقياساً لتقييم درجة قبول الصلاة من قبل الله تعالى. ولمن يرغب في الاطلاع على درجة حظوة صلاته بالقبول أن يتأمل في دور صلاته في صده عن الآثام والخطايا. يروى أن شاباً من الأنصار كان يواظب باستمرار على أداء صلاته مع النبي (ص) إلّا أنّه لا يرتدع عن المعصية أحياناً فاطّلع رسول الله (ص) على أمره ولكنه أكد أن صلاته سوف تنهاه في نهاية المطاف عن ارتكاب المعاصي ولم يمض أمداً طويلاً حتى تاب ذلك الشاب إلى الله توبة لم يعد بعدها لمثل ما كان عليه.

ومن الممارسات المتواصلة الرامية للتدرب على بناء الذات والتزام النظام وإشاعة روح التعاون وعرض التضامن الإسلامي وكذلك على التسامي المعنوي التدريجي والمرحلي هي إقامة الصلاة ولاسيّما في مستهل موعدها واحترام هذه الفريضة وترك كلّ شيء جانباً ولو لدقائق بهدف إقامتها مع جماعة المؤمنين وأدائها بنظام خاص. ومما يزيد إيجابية دور هذه الممارسة المتواصلة رعاية آداب ومستحبات الوضوء والصلاة وقضاء ولو دقائق من الوقت في قراءة تعقيبات الصلاة بين دعاء وتضرع فما يبذل خلالها من تركيز متميز يفسح للنفس والقلب الفرصة للتنعم بقدر من الايحاءات والنعم الإلهية المتأتية من الصلاة. إنّ شعور المصلي بالخشوع أمام الله هو بحد ذاته دواء شافي وفي غاية التأثير لتفادي الكبر والأثرة والعجب وهي من أعراض مرض أخلاقي جسيم يلقي الإنسان في وادي الانحطاط ويحرمه نعمة رضا الله. فالصلاة تكبح هذه الحالة، إذ يقول أمير المؤمنين (ع): "والصلاة تنزيهاً عن الكبر".

وأخيراً فإنّ الصلاة لابدّ أن تمثل مظهر من مظاهر طاعة الله والإعراب عن الانصياع التام للقدير المطلق. فهذا التصريح بالعبودية والتسليم يعتبر خطوة راسخة على سبيل التربية الاخلاقية للإنسان في مسيرته نحو الكمال.

 

الصلاة، ميزان الأعمال ومفتاح الأبواب الموصدة:

"إنّ عمود الدين الصلاة وهي أوّل ما ينظر فيه من عمل ابن آدم فإن صحت نظر في عمله وإن لم يصح لم ينظر في بقية عمله".

بلغ دور وأهمية الصلاة في التعاليم الإسلامية مبلغاً جعلها تحدد الصلاة باعتبارها ميزاناً لقياس إخلاص الإنسان في أعماله أو عدم إخلاصه. وربما يعود ذلك لارتباط قيمة الأعمال بمدى إخلاص العبد وخضوعه لأمر الله ولكون الصلاة مظهراً لطاعة أمر الله وأسلوباً لتنقية الأعمال مما يعتريها من شوائب ومحطة لارتباط العبد بخالقه.

يستوحي الإنسان من التأمل في آيات القرآن وأحاديث النبي (ص) والأئمة – عليهم السلام – أنّ الصلاة مدعاة تنوير القلوب وترك المعاصي واستجلاب النعم الإلهية والقرب إلى الله والشعور المتزايد برأفته والحظوة بالقبول من قبل الله عزّ وجلّ وتحقيق الاتزان الجسمي والنفسي، وبعبارة أتم نيل الاستقرار والهدوء النفسي (الطمأنينة والسكينة القلبية) وما إليها من نعم أخرى إثر انفتاح أبواب الرحمة الإلهية اللامتناهية من مصدر غني مستغن بوجه عباده وحاجاتهم التي عمت وجودهم.

فعن الإمام عليّ بن موسى الرضا (ع) عن جده رسول الله (ص) حيث قال: "من أدى فريضة فله عند الله دعوة مستجابة".

فالصلاة، هذه الفريضة العظمى تفتح الأبواب المؤصدة أمام الإنسان فتضمن استجابة الدعاء الذي يعقبها فهي، إذاً، مفتاح هذه الأبواب.

ومن مردودات الصلاة الإيجابية التي لم تحظى أو قلما حظت بالاهتمام وعرضت للدراسات والبحث هو دور الصلاة في شفاء الأمراض النفسية والجسمية أو في الحد من الآثار والأعراض السلبية لهذه الأمراض.

ونلاحظ في بعض الأحاديث المروية عن النبيّ (ص) والأئمة – عليهم السلام – تأكيدهم في بعض الحالات على الاستشفاء بالصلاة. فيروى عن رسول الله (ص)، مثلاً أنّه حدد صلاة الليل كأسلوب لانقاذ الجسم من الآلام والأمراض.►

 

المصدر: كتاب الرعاية الصحية في المسجد والصلاة والصيام

ارسال التعليق

Top