• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الطفولة في القرآن الكريم

د. محمّد أيوب

الطفولة في القرآن الكريم
يشير القرآن الكريم إلى تأثير التربية في مرحلة الطفولة على مستقبل الناشئة وترسيخ عقائدهم، وعدم التمكن من استئصالها إلّا بصعوبة بالغة، فقد كانت هناك محاجة بين الرسول (ص) والكفار من عبدة الأوثان الذين ناصبوا الإسلام العداء، بعد أن فتحوا أعينهم على روعة الدين الجديد، دين المحبة والتسامح والتعاون اصطدموا بعقبة التربية الطفولية (بل قالوا: إنا وجدنا آباءنا على أُمّة وإنا على آثارهم مهتدون). هذه العقدة التي يعانيها كلّ من يريد الخروج على عقائد والديه خيرة كان أم شريرة ترافقه طيلة حياته.

وهنا يأتي دور الأهل في الإرشاد والتوجيه في مرحلة الطفولة، فيمكن تغذية فطرة الطفل بالخصال الكريمة وزرعها في نفسه؛ وقد ورد في حديث لرسول لله (ص): "مروا أولادكم بالصلاة أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع".

"والطفولة التي ترتب على الإسلام منهجاً وقولاً وعملاً وقدوة في البيت والشارع ودور العلم. في معاملاتها وفي مجتمعاتها، هي وسيلة الأُمّة لتخريج جيل قوي بأخلاقه، نبيل في قيمه، رفيع في مبادئه، سام في تفكيره".

لذلك فتحفيظ القرآن الكريم لأبنائنا من شأنه أن يعدل سلوكهم ويغرس في عقولهم الأخلاق الفاضلة، والقيم الإنسانية السامية. ويعتمد القرآن أسلوب الترغيب والترهيب؛ الترغيب بدخول جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً، وعد الله بها المؤمنين، أو الترهيب بنار لا تبقى ولا تذر أعدت للكافرين، تتسع لأعداد كبيرة من العاصين (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) (ق/ 30).

وأساليبنا التربوية اليوم قائمة على نظرية الثواب والعقاب وإن كنا نميل إلى تشجيع وتعزيز أسلوب الثواب، بعد أن أثبتت الاختبارات فعالية الحوافز القائمة على الثواب، أكثر من تلك القائمة على مبدأ العقاب.

وتأتي كلمة الفصل لهذا الاحتمال الدنيوي الطويل، حيث لا يستوي الخبيث والطيب، ولا الظلمات والنور، ولا الأعمى والبصير، ويوجز القرآن الكريم ذلك بقوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ) (الزّمر/ 9). ثمّ لا يستوي الذين آمنوا والذين كفروا وبذلك يصبح قوله تعالى حكماً محتوماً (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) (فصّلت/ 46). (وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصّلت/ 46).

ولا يمكن للطفولة السعيدة، الطفولة المؤمنة، أن تتحقق إلّا في ظلال أسرة سعيدة مؤمنة. من أجل ذلك علينا أن نجتهد في أن تكون أسرتنا أسرة متكاملة يسودها الحب والعطف والتعاون والاحترام المتبادل. فهي الملاذ الأوّل والأخير الذي يرتاح إليه الطفل؛ وبين أحضانه تتكون شخصيته وتنمو مداركه ومعارفه تدريجياً. فما أن يذهب إلى المدرسة حتى يكون مزوداً بالمبادئ الأساسية للقيم الدينية التي هي أساس القيم الاجتماعية. "والبيت هو جذر التمدن البشري وأصله، ويتوقف على صحة هذا الجذر وقوته صحة التمدن البشري وقوته".

ولكي يكون البيت حافلاً بالاستقرار يجب أن تسود المودة بين الزوجين، فلا زواج بغير مودة ورحمة ولا أسرة بدون ذلك. (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الرّوم/ 21).

 

المصدر: كتاب الإرشاد النفسي، التربوي، الاجتماعي لدى الأطفال

ارسال التعليق

Top