• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الذكاء المتعدد الجوانب

أنس شكشك

الذكاء المتعدد الجوانب
◄الذكاء العاطفي:

الذكاء العاطفي: يعني تسيير العواطف للعمليات الفكرية، وذلك بالقدرة على ربط عواطف معينة بحالات عقلية محددة، كالحواس، والقدرة على إدخال العواطف في العمليات الذهنية للتحليل والفهم، حيث تقوم العواطف بترتيب الأولويات الفكرية، وتوجّه انتباهنا أكثر للمعلومات الأكثر أهمية، وتساعد العواطف الفعالة والمؤثرة في توجيه الذاكرة واتخاذ الحكم والقرار النهائي.

 

الدماغ والذكاء العاطفي:

للدماغ دور هام في موضوع الذكاء العاطفي، فالإنسان يحتفظ بالذكريات المشحونة بالعواطف والمشاعر القوية، وكلّ المعلومات القادمة إلى الدماغ من الحواس تكّون لدى صاحبها عواطف السعادة أو الفرح أو الإثارة أو الحزن، ويتم هذا لدى وصول المعلومات إلى قشرة الدماغ المسؤولة عادة عن تحليل المعلومات وفهمها.

ومن العلماء مَن يقول: إنّ للإنسان عقلاً واعياً، مفكراً مدبراً، وعقلاً شاعراً يحس بالأمور من حولنا، وإنّه لابدّ من أن يتمِّم الواحد منهما الآخر، وإن هناك توازناً بين كلّ من العقل والقلب في حياة نفسية سليمة.

ويمكن قياس الذكاء العاطفي من خلال العلاقة الذاتية للشخص، والعلاقة مع الآخرين، والقدرة على التكيف والتفاؤل في تحقيق السعادة، ومن خلال الكفاءات العاطفية.

ومما يبرهن على وجود ذكاء عاطفي وتوجيهه هو إدراك الذات، وعوامل القوة والضعف من خلال رؤية واقعية متفائلة، واحترام للذات من خلال الشعور بالانتماء والتميز، وهدف واضح في الحياة، وفهم ما هو وراء المشاعر، والسيطرة على العواطف، والمثابرة والمرونة، والصلة المناسبة مع الآخرين.

 

الذكاء والتعلم:

الذكاء والتعلم مفاهيم ترتبط بالإدراك، وهو عملية نفسية عضوية، إذ يعتبر الدماغ وعاءً عضوياً للمعرفة. وفي الواقع لا يمكن تصوُّر تعلم بدون حاضن مادي هو الدماغ، والتعلم يحدث في الدماغ عادة حسب ماهية درجة الذكاء المتوفرة للفرد، والذكاء مؤشر في الوقت نفسه لقدرة أو تفوق الدماغ.

الإدراك هو الإحساس بالشيء وفهمه، ويتم الإحساس عادة بإحدى الحواس المتوفرة للإنسان. أما الفهم فيحدث بربط محتوى الإحساس أو موضوعه بما يمتلكه الفرد بدماغه من معلومات سابقة.

والذكاء هو القدرة السلوكية على التكيف، فالإدراك قاعدة أساسية مكونة لمفهوم الذكاء، أما التعلم فهو عملية نفسية عضوية يتم خلالها تطور معرفة جديدة بزيادة كمية البناء الإدراكي، وبالتالي يقوم التعلم على الإدراك والذكاء.

حسب المعادلات التالية نجد:

سرعة الإدراك + الذكاء = التعلم

إدراك ← ذكاء ← تعلم.

 

الذكاء والموهبة:

إنّ الاهتمام الحالي ينصبّ على التعرف على الأطفال الموهوبين والمتميزين، ولا تمثل النتيجة العالية في أحد اختبارات الذكاء إلا مؤشراً واحداً من بين مجموعة من المؤشرات على أن شخصاً ما يملك موهبة أو مقدرة متميزة.

تدل نتائج اختبارات الذكاء العالية على وجود الموهبة في المجال التعليمي والفكري، لكن بالإضافة لذلك هناك نواحٍ أخرى في الحياة قد تكون مسرحاً لإبداعات الأفراد وإنجازاتهم الملفتة للنظر.

وقد كانت هذه الحقيقة بالذات عامل تأثير مهم في جميع الأبحاث والدراسات حول الإبداع، والتي بدأت في أواخر القرن العشرين.

قد يكون أحد الأفراد موهوباً أو مبدعاً في واحد أو أكثر من المجالات الأربعة التالية:

1-  في مجال الفكر والعلم، فقد يظهر الفرد المبدع في المجال التعليمي والفكري إمكانيات ملفتة للنظر، ويحقق إنجازات في تلك النواحي التي تتطلب التمكن من التعامل مع المعاملات والرموز. هذا النوع من الإبداع ينعكس في نتائج اختبارات الذكاء ونتائج الاختبارات المدرسية والتعليمية بشكل عام.

2-  في مجال الإبداع والإنجاز، فقد يظهر الفرد ذو الموهبة الإبداعية إمكانيات، ويحقق إنجازات في تلك النواحي التي تتطلب تفكيراً أو عملاً منتجاً منفرداً وذا أصالة وانفتاحية.

ويتجلى الإبداع عبر الفنون المرئية والعملية كالتمثيل والرسم والنحت، وفي المجالات العلمية، وفي مجال الأعمال أو السياسة والاجتماع.

هناك نوع من اختبارات الذكاء يمكنه تقييم الإبداع، لكن هناك حدود لما يمكن أن تقيسه هذه الاختبارات، وخاصة عند طرحها على مجموعة كبيرة من الأشخاص، لذا فإن أفضل طريقة للتعرف على الإبداع هي عن طريق مراقبة تصرفات الأفراد التي تشير إلى وجوده، وخاصة في طريقة التفكير والأداء.

3-  المحركات النفسية الجسدية: فقد يظهر الأشخاص الموهوبون في المجال الجسماني إمكانيات متميزة، ويحققون إنجازات ملفتة للنظر في النواحي التي تتطلب عمل عضلات الجسم الكبيرة والصغيرة، وتتطلب تنسيقاً وتوافقاً بين العين وحركة الأيدي مثلاً، ويتضمن ذلك مجالات الرياضة والرقص والحركة والإيقاع والمهارات المطلوبة للتمكن من وسائل الفنون الدقيقة. ويمكن للمقدرات الحركية النفسية أن تقاس فقط بواسطة الملاحظة.

4-  قد تظهر مواهب الفرد في ميادين الاجتماع – الشخصية – القيادة، فقد يظهر الفرد في مجال القيادة إمكانيات، وأداء متميز في المجالات الاجتماعية والمقدرات الشخصية المطلوبة لدى القياديين، لا يمكن لهذه المقدرات أن يتم قياسها إلا بواسطة الملاحظة، وتتبع السلوك الإنساني اليومي. وتتعلق موهبة القيادة كثيراً بشخصية الفرد، مقدرته على التواصل مع الآخرين ومهاراته في قيادة الأفراد والجماعات.

ومن الملاحظ أنّه لا يمكن اعتبار نتائج اختبارات الذكاء دليلاً موثوقاً على المقدرات الإبداعية أو النفسية الحركية أو على المقدرات القيادية، فكيف يمكن التعرف على الأشخاص الموهوبين في هذه المجالات منذ صغرهم؟

إن أفضل طريقة في الواقع للتعرف عليهم هي مراقبة تصرفاتهم بشكل منتظم، وتسجيل الملاحظات حول الحوادث التي يمكن أن تكون مؤشرات موثوقة حول وجود الموهبة لديهم في أحد المجالات.

يمكن تشكيل فكرة دقيقة بشكل عام حول مدى موهبة أحد الأشخاص، عن طريق مراقبة التصرف العام بشكل منتظم. بالإضافة إلى ذلك هناك التصرفات التي يقوم بها الأطفال قبل سن المدرسة، والتي تشكل مؤشراً على وجود مستوى معيَّنٍ من الذكاء.

ويمكن التعرف بسهولة على الأطفال فائقي الذكاء بمقارنة تصرفاتهم مع تصرفات الأطفال العاديين من الفئة العمرية نفسها، كأن يبدأوا بالكلام أو المشي مبكراً، أو أن يستطيعوا حل مشكلات صعبة في سني عمرهم الأولى، أو أن يظهروا مهارات متميزة في مجالات العلوم المختلفة، أو في مجالات الفنون.

والأهم من ذلك كله هو الأهل الذين يجب عليهم أوّلاً ملاحظة مظاهر الذكاء على أطفالهم، ومن ثَمّ تشجيعهم على تنمية هذه المواهب بأيّة طريقة ممكنة، حتى ولو كان ذلك مخالفاً لبعض التقاليد المتبعة في مجتمعهم المحيط.

 

خلاصة:

اهتم العلماء بالبحث عن جذور الذكاء في وراثة الفرد، وكذلك اهتموا بعلاقته بالمتغيرات الأخرى، كما اهتموا بتأثير البيئة في الذكاء وبمشكلة توزيعه وانتشاره بين السكان، وبمشكلة تأثيره على سلوك الفرد.

كما اهتموا بمعرفة التغيرات التي تطرأ عليه مع تقدم الفرد في العمر أي معرفة معدلات النمو في مراحل العمر المختلفة.

وقد عُرِّف الذكاء تعريفات كثيرة، أهمها أنّه قدرة على مواجهة المواقف الجديدة، والتكيف مع البيئة، وذلك باتِّباع استجابات جديدة ملائمة.

وعُرِّف الذكاء بأنّه قدرة على التجريد، وإدراك العلاقات بين الأشياء.

وكان اختبار الذكاء عبارة عن موقف يواجه فيه الفرد بسلسلة من الأعمال التي عليه أن يؤديها، ومن أمثلة هذه الأعمال: حل المشكلات، وإدراك العلاقات، واستخدام الرموز، وفهم المادة المقدمة، والفرد يستجيب لهذه السلسلة المقننة من المشكلات، ثمّ يقيم أو يقدر سلوكه تقديراً كمياً، وذلك بالمقارنة بدرجات مجموعة معروفة من الناس الذين أدوا نفس هذه الأعمال، أي قاموا بحل نفس المشكلات، وعلى ذلك فإننا على أساس من المقارنة والملاحظة نعطي الفرد درجة معينة هي التي نعتبرها دالة على ذكائه الذي يميز سلوكه بصفة دائمة، ويظهر لنا من خلال هذا التعريف أهمية صفة الديمومة في ذكاء الفرد، وبالتالي ما من شيء يعكس قدرة الإنسان على الاستفادة من الخبرة والتعلم والسيطرة على مشكلات البيئة مثلما يعكسها ذلك المفهوم الذي نطلق عليه الذكاء بكل ما يتضمنه من قدرات على التجريد وتكوين المفاهيم، سواء على المستوى الشكلي والمستوى النظري.

ويمكن اليوم قياس الذكاء، والتأكد من الفروق الفردية بين الناس بدرجة مرتفعة.

وهنا طالب العلماء بتوسيع مفهوم الذكاء بحيث لا يقتصر على القدرات المرتبطة بالنجاح الأكاديمي كالتجريد وتكوين المفاهيم، وجاءت الرغبة في توسيع مفهوم الذكاء مصاحبة أيضاً للنمو في دراسة وظائف المخ، التي بيَّنت أنّ المخ ينقسم إلى نصفين: أحدهما مسؤول على القدرات التجريدية وهي التي تقتصر عليها المفاهيم المعاصرة للذكاء، والآخر مسؤول عن الوظائف مثل الحدس والنشاط التخيلي.

أضف لهذا أنّ التحيز في اختبارات الذكاء من الظواهر التي يلاحظها العلماء في البنود المكونة للمقياس؛ باختبارات الذكاء ما هي إلا بنود وأسئلة عن معلومات أو مهارات في أداء أشياء موجودة في بيئة الشخص، وبهذا فهي تأخذ موقفاً متميزاً منذ البداية نحو الأطفال الذين ينشئون في بيئات مختلفة، تختلف عن البيئات التي وضعت فيها مقاييس الذكاء. ولابدّ من الاعتراف بأن تدريب التفكير وإثراء البيئة وتنشيط العقل تزيد الذكاء. ►

 

المصدر: كتاب الذكاء.. أنواعه واختباراته

ارسال التعليق

Top