• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحمامةُ الحكيمة

الحمامةُ الحكيمة

صادَ رجلٌ حمامةً، فقالت له: يا هذا! ماذا تصنعُ بحمامةٍ مسكينةٍ ضعيفةٍ مثلي؟

قال: أذبحكِ وآكلك!

فقالت له: إنّ لحمي لقليلٌ، ووالله فإنِّي لا أُشبِعُكَ من جوع، وخيرٌ لك من أكلي أن أُعلِّمُكَ ثلاث خصال تنفعكَ في حياتك.

ففكّر الصيّاد، وقارنَ بين أن يسد جوعه البطنيّ، وبين أن يملأ جوعه المعرفيّ، ففضّل الثّاني، لأنّ لحم الحمامة يُؤكَل ويتحوّل بعد ذلك إلى فضلات، أمّا الحكمة فهي باقية ما بقيت الحياة.

فقال لها: هاتِ ما عندكِ، رضيتُ بالحكمة دون اللّحم!

قالت الحمامة: سأعطيكَ نصيحة وأنا في يدك، والثّانية وأنا على الشّجرة، والثالثة وأنا على الجبل.. فه اتّفقنا؟

قال لها الصيّاد: إتّفقنا! هاتِ (أعطني) الأولى؟

فقالت الحمامةُ الحكيمة: الأولى: لا تأسفنَّ على شيءٍ فاتك!!

قال الصيّاد: أحسنتِ، وخلّى سبيلها، أي أطلقها.

فلمّا صارت على الشّجرة، قالت: ولا تُصدِّقُنَّ بما لا يكون!! (أي لا تُصدِّق غير المعقول).

قال الصّيّاد: وهذا جميلٌ أيضاً، والثالثة؟

ولمّا صارت الحمامةُ على الجبل، قالت: يا شقيُّ! لو ذبحتني لأخرجتَ من حوصلتي دُرّتين زِنةُ كلِّ واحدةٍ عشرون مثقالاً!!

فعضّ الرّجل على يديه ندماً، وقال مخاطباً الحمامة: لقد غلبتني، هاتِ الثّالثة؟

فقالت الحمامةُ الحكيمة: يا مُغفّل! نسيتَ الأولى والثّانية، فكيف أخبرُكَ بالثّالثة؟!

 

الدروس المُستخلَصة:

1-    النّصيحة بجَمَلٍ، كما يُقال، والعاقلُ يطلبها، ويُقدم عليها ويأخذها أينما وجدها، حتّى من غير المنتصحين بها.. لأنّها ثروة لا يُقدِّر ثمنها إلا أصحاب العقول الرّاجحة.

2-    النّصيحةُ – كمنطوقٍ – ليست بكافية، فالأخذُ بها، والعملُ بها، والإنتصاحُ بها هو المهمّ، فما أكثر ما نقرأ ونسمع من المواعظ والنّصائح، وقد لا نأخذ بأيٍّ منها، فنحنُ نستحسنُ النّصيحةَ لكنّنا نشعر أننا في غنى عنها أو لسنا بحاجةٍ إليها، وكأنّها قيلت لغيرنا، فلسنا المعنيِّين بها.

3-    (عدم التأسّف على ما فات)، هو تلخيص لمعنى (الزّهد)، فإذا لم تذهب نفسك حسرات على الفائت، وغير المُدرَك، والضّائع، والحليب المُراق على الأرض، تكون في أمن نفسيّ وصحِّيّ كبيرين.

4-    وقديماً قال العُقلاء: حدِّث العاقل بما لا يليق، فإن صدّقَ فلا عقلَ له؛ لأنّ الكثير ممّا يُقال إمّا نُقولات غير دقيقة وإمّا إشاعات واختلاقات، وإمّا أكاذيب، فغير المُتورِّعين الذين يُطلقون الكلام بلا حسيب ولا رقيب كثيرون اليوم بل آخذون بالإزدياد، فما أحرانا بالتدقيق والتحقيق وتحرِّي الصحّة، ومعرفة القائل وما هو مراده ممّا قال، وأين قاله؟ ولمن قاله؟ وكيف قاله؟

ارسال التعليق

Top