◄إنّ التعبير الإسلامي الشامل، الذي يحتضن مفردات التسامح وتجلياته الخاصة والعامة، الثقافية والاجتماعية والسياسية، هو تعبير ومبدأ العدل والعدالة. قال تعالى: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (الشورى/ 15). إذ هو "العدل" يستوعب كلّ مفردات التشريع الإسلامي، والعدالة هي أُم القيم وتجلياتها كلّها. وفي هذا السياق أيضاً تأتي مفردات "العفو – الإحسان – دفع السيئة بالحسنة – الإعراض عن الجاهلين". إذ يقول تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (الرّعد/ 22). ويقول عزّ من قائل (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) (الفرقان/ 63). وغيرها من الآيات التي تحث المؤمنين على تجسيد هذه القيم في حياتهم وأحوالهم المختلفة.
وإنّ هذه القيم بحاجة إلى سياق اجتماعي، يتوجّه صوب بناء هذه القيم وإرساء دعائمها لبنة لبنة، وخطوة خطوة. وذلك لأنّه من المستحيل أن تتحقق هذه القيم في الفضاء الاجتماعي الإنساني دفعة واحدة، وإنما تنجز بالتدريج والتراكم. لذلك يجب أن نقوم بدعم وإسناد كلّ خطوة في هذه الطريق الطويلة والشاقة. وإنّنا من الضروري ألا نستعجل النتائج. قال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) (الأعراف/ 146). ونحن مأمورون دائماً باتباع الأحسن. إذ قال تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ) (الزّمر/ 18). فحينما تتطور الظروف، وتتبدل الأحوال، وتزداد وتيرة المتغيرات، فعلينا استناداً إلى هدى القرآن الحكيم ونور العقل وبصيرة الإيمان من اتّباع الأحسن في القول والفعل. وهذا النهج يؤسس لنا منهجاً واضحاً في طبيعة التعامل مع مستجدات الحياة وتطوراتها على الصعيدين النظري والعملي. إذ إنّنا مطالبون بالاستفادة من كلّ هذه المنجزات والمكاسب على قاعدة "فليأخذوا أحسنه"، و"إنّ ما نعيه من مقصد الشريعة في إثارة العقل، ومخاطبة العقلاء، وفي رفع حجب الشهوات، عن العقل، وفي تنمية الإرادة ضد مَن يصادرون العقل. إنّ مراد الشرع من كلّ ذلك – حسبما نعيه – هو العمل بما يقتضيه العقل والعلم، وبما يكشفان من حقائق الحياة وواقعياتها، فإن كانت الحقائق ثابتة عملنا وفقها، وإذا كانت متغيّرة عملنا وفقها". والحرية الحقيقية للإنسان تبدأ حينما يثق الإنسان بذاته وعقله وقدراتهما. وذلك لأنّ التطلّع إلى الحرّية من دون الثقة بالذات والعقل، تحوّل هذا التطلّع إلى سراب واستلاب وتقليد الآخرين من دون هدى وبصيرة. لذلك فإن لم يكتشف الإنسان ذاته ويفجّر طاقاته المكنونة، لن يستطيع اجتراح تجربته في الحرّية وبناء واقعه العام على قاعدة الديمقراطية والشراكة بكلّ مستوياتها.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق