والإنتباه إلى مؤشرات الجوع الفعلي، وتعلّم كيف نأكل إستجابة لهذا الجوع الحقيقي فقط، يُمكن أن يساعدانا على تفادي الإفراط في الأكل.
الجوع، الشهية، الشَّبَع.. هي الأركان الأساسية الثلاثة التي يتمحور حولها سُلوكنا الغذائي، وما ينتج عنه من وزن صحي، زيادة في الوزن، سمنة، بدانة أو نحافة. وفهم الجوانب البيولوجية والنفسية التي تُحدّد طبيعة جوعنا وشهيّتنا وشبعنا يُساعدنا على التعامل معها، وتنظيم توازنها والتناغُم بينها، وهو الخطوة الأولى على طريق الحفاظ على وزن صحي، أو التخلص من الوزن الزائد. فإذا اعتمدنا نظاماً غذائياً غنياً بالأطعمة التي تحتوي على نسبة كافية من العناصر المغذية التي تسد جوعنا، وتُرضي شهيتنا، وتمدّنا بالطاقة الكافية، ننجح في تفادي أي اضطرابات متعلقة بالتغذية، بما فيها زيادة الوزن.
نستعرض في ما يلي أبرز ما يقوله المتخصصون، حول أسس سُلوكنا الغذائي الثلاثة:
- الجوع:
إنّ "الحاجة" البيولوجية إلى الطعام، تتجسّد على شكل إحساس فيزيولوجي يدفعنا إلى الأكل. وتتحكم في الجوع شبكة متطورة من الهرمونات، والناقلات العصبية، والمواد الكيميائية الأخرى، التي تقول لنا متى نأكل ومتى نتوقف عن الأكل. وهناك العديد من المؤشرات البيولوجية التي تُنبئنا بأننا جائعون، مثل الصوت الذي يصدر عن المعدة الخاوية، وانخفاض مستوى الـ"غلوكوز".. (سكر الدم)، وتغيُّرات في مستويات الهرمونات في الجسم، مثل ارتفاع مستويات الـ"غلوكوجين" والـ"غريلين"، وانخفاض مستويات الـ"أنسولين". وعندما تكون المعدة فارغة، يتقلص حجمها، ويؤدي تقلّص عضلات جدرانها إلى استثارة الأطراف العصبية الموجودة فيها، ما يتسبب في الإحساس بالجوع. وبعد تناول الطعام، تتمدد جدران المعدة وتسترخي أعصابها ويختفي الإحساس بالجوع. وانطلاقاً من ذلك، فإن تناول أي نوع من الطعام يكفي للقضاء على الإحساس بالجوع، وذلك نتيجة تأثيره الميكانيكي في المعدة.
والجوع لا يُمكن التحكم فيه.. إنّه غريزي. وإذا أمضينا وقتاً طويلاً من دون تناول الطعام، على الرغم من إحساسنا بالجوع، فإننا قد نُصاب بآلام في الرأس أو بالتعب أو حتى بالدوخة.
- الشهية:
إنّها الرغبة النفسية في الأكل، وهي مرتبطة بمواصفات الطعام وبخبرات حسّية، مثل رؤية الطعام أو شم رائحته، وبعوامل انفعالية مثل المزاج، وعوامل ظرفية مثل الوقت والمكان. وتظهر الشهية نتيجة جُهد مشترك بين الدماغ والمعدة. فعندما نظر إلى الطعام شهي، يسيل لعابنا، ونكاد نحس بطعمه وحتى بقوامه في فمنا حتى من دون أن نأكله. ويُمكن في كثير من الأحيان، أن يؤدي مُجرّد التفكير في طعام إلى إطلاق مثل هذه الاستجابة الانفعالية. وإذا كان أي نوع من الطعام كافياً لإسكات الجوع، إلا أنّ الشهية تجعل بعض الأطعمة أكثر إغراءً من غيرها. فالشهية هي في الواقع استجابة حسّية لرغبة في إعادة تجربة ماضية ممتعة. فمنظر، نكهة، رائحة وحتى قوام طعام ما في الفم، هي جزء من تجربة ممتعة كنّا قد مررنا بها عندما تناولنا هذا النوع من الطعام في السابق. وفي بعض الأحيان، تكون هذه المؤثرات كافية لتجعلنا نأكل حتى بعد أن يكون الإحساس بالجوع قد اختفى.
والشهية في حَدّ ذاتها شيء جيِّد. فالتمتع بشهية صحية يعني حصولنا على العناصر المغذية التي نحتاج إليها. لكن، تناول الطعام اعتماداً على الشهية فقط، عوضاً عن الإحساس الحقيقي بالجوع، يُمكن أن يؤدي إلى تناول كمية من الطعام تفوق تلك التي نحتاج إليها.
والفرق بين الجوع والشهيّة، هو أنّ الأوّل دافع أساسي غريزي، بينما الشهيّة انعكاس لخبرات متعلقة بالطعام. فأحياناً لا نكون جائعين، لكن نتمتع بشهية للأكل، مثلما يحدث عندما نرى حلوى شهية بعد تناول وجبة كاملة فنأكلها على الرغم من أننا نكون قد شبعنا، بل وأتخمنا. كما يمكن أن نكون جائعين من دون أن تكون لدينا شهية للأكل، مثلما يحدث عندما نكون مرضى.
وخلافاً للجوع، فإنّه يمكننا التحكم في الشهية وتجاهلها. وبما أن درجات الشهية تتأثر كثيراً بالدماغ، فإنّها سلوك نتعلمه، أي أنّه يمكننا أن نتعلم كيف نتحكم في شهيتنا ونُعدّل درجاتها. على كلِّ حال، فإنّ كلاًّ من الجوع والشهية يُحددان كيف، ومتى ولماذا نأكل.
- عوامل تتحكم في ما نأكل:
القدرة على التحكم في كمية ما نتناوله من طعام مع الحفاظ على وزن صحي، تعتمد على فهمنا للأوالية التي تخلق لدينا الحاجة إلى تناول الطعام.
ويقول العلماء، إنّ هناك 3 عوامل تتحكم في كمية الطعام التي نأكلها:
أوّلاً: مركز الجوع الموجود في منطقة دماغية تدعى الـ"هايبوتلاموس".. (ما تحت السرير البصري).
ثانياً: مركز الشهية الموجود في جذع الدماغ.
ثالثاً: مركز الشبع، وهو متصل بمركزي الشهية والجوع بواسطة نظام عصبي.
وتُشير الأدلّة العلمية، إلى أنّ جذع الدماغ يؤثر في الشهية بشكل مستقل عن مركز الجوع في الـ"هايبوتلاموس". والشهية ترتبط بالرغبة في تناول أنواع مُعيّنة من الأطعمة وليس في تناول الطعام بشكل عام. وهي مسؤولة عن اختيار كلٍّ من نوعية وكمية الطعام التي نأكلها تبعاً لتجاربنا السابقة.
ومركز الجوع هو المسؤول على المدى البعيد، عن تنظيم كمية وأيض الطعام الذي نتناوله على مدى أسابيع وأشهر. ويحافظ مركز الجوع على كميات طبيعية من مخزون العناصر المغذية لدينا، ويتحكم في المؤشرات الفيزيولوجية للجوع. ويتأثر مركز الجوع بالتغيُّرات التالية:
1- عندما تنخفض مستويات تَركُّز السكر في الدم، يظهر الإحساس بالجوع ليحثّنا على تناول الطعام، كي نرفع مستويات سكر الدم حتى تبلغ حدوداً، يقوم عندها مركز الشبع بإلغاء الإحساس بالجوع.
2- عندما ينخفض تَركُّز الأحماض الأمينيّة في الدم، يزداد الجوع، لكن تأثير هذا الانخفاض ليس في قوة تأثير انخفاض الـ"غلوكوز".
3- عندما تزداد كمية الخلايا الدهنية في الجسم، تتراجع درجة الجوع الفزيولوجي.
4- عندما نتعرض لبرودة الطقس، نتحفّز فيزيولوجياً لتناول المزيد من الطعام. فالبرودة تؤثر في الـ"هايبوتلاموس" وتزيد من حاجتنا إلى الطعام، لتأمين الدهون التي تُسهم في تشكيل عازل ضد البرد.
- الشهية والتحكم في كمية الطعام:
عندما نأكل كثيراً ويتمدد تجويف البطن، تقوم الأعصاب في الجزء العلوي من الجهاز الهضمي، بإطلاق إشارات تقضي بالتوقّف عن الأكل. وهذا مهم جدّاً لإيقاف الاستهلاك الزائد للطعام، ويوضح لماذا يُسهم شرب الماء قبل الوجبة، أو تناول الحساء في الوجبة، في التخفيف إلى حد كبير من عدد الوحدات الحرارية التي نتناولها. وعندما يتم عن طريق تناول الطعام تلبية، أو أرضاء العوامل المذكورة التي تؤثر في مركز الجوع، يتم إسكات مركز الجوع في الـ"هايبوتلاموس" مُؤقتاً.
وبما أنّ الإسكات التام للـ"هايبوتلاموس"، لا يحصل إلا إذا تمّت تلبية الجوع والشهية، يُمكن أن نشعر برغبة في تناول الطعام من جديد بعد وقت قصير من الأكل، وذلك إذا كنّا قد أشبعنا جوعنا ولكننا لم نُشبع شهيتنا. وهذا ما يفسّر إقبال الكثيرين على تناول المزيد من الطعام، حتى عندما لا يكونون جائعين فعلاً.
والواقع، أنّه يُمكن استخدام الشهية للتحكم في الجوع. فإذا انتظرنا حتى نبلغ درجة عالية من الجوع الفيزيولوجي قبل أن نأكل، فإننا سنستهلك ضعفي أو ثلاثة أضعاف كمية الطعام التي نحتاج إلى تأمين العناصر المغذية الضرورية. ونجد الكثيرين يُفوّتون وجبات ثمّ يأكلون بشراهة. ونشير هنا، إلى أنّه من السهل نسبياً التغاضي عن الشهية، ولكنه من المستحيل التغلب على الجوع الفيزيولوجي. ولتفادي ذلك، ينصح الخبراء بتناول وجبات متوازنة منتظمة يومياً، وتجنب الجوع الشديد الذي يدفعنا إلى الأكل بشراهة.
- الشبع:
على المقلب الآخر من الجوع والشهية، نجد الشبع هو الإحساس الفيزيولوجي والنفسي بـ"الامتلاء" الذي يظهر بعد تناول الطعام والشراب. ومثلما هي الحال بالنسبة إلى الجوع والشهية، هناك عوامل بيولوجية عديدة تؤثر في تجربة الشبع، مثل تمدّد المعدة، ارتفاع مستويات سكر الدم، والتغيُّرات الهرمونيّة، مثل ارتفاع مستويات الـ"أنسولين" وانخفاض مستويات الـ"غلوكوجين".
وبشكل عام، فإنّ الإحساس بالشبع يتوقف على كمية الطعام التي نأكلها، فعلينا مثلاً أن نأكل شطيرة كاملة لنشعر بالشبع وليس لقمة واحدة منها. ولكن في بعض الأحيان، لا تكون كمية الطعام فقط هي التي تقود إلى الشبع، بل وخصائص هذا الطعام أيضاً. فالماء والألياف الغذائية والعناصر المغذية الموجودة في طعام ما، تلعب دوراً بارزاً في بلوغ الشبع.
- الماء: إنّ تناول الأطعمة الغنية بالماء، يُعزز الإحساس بالشبع. ويعود ذلك، إلى أنّ الماء يزيد من حجم الطعام من دون أن يزيد من عدد الوحدات الحرارية الموجودة فيه، ما يؤدي إلى خفض ما يُسمَّى كثافة الطاقة للطعام. وأبرز الأطعمة ذات النسبة العالية من الماء وذات كثافة الطاقة المتدنيّة هي: الفواكه، الخضار، الحليب خفيف الدسم، الحبوب المطبوخة، اللحوم خفيفة الدهون، السمك، الدواجن، الفاصولياء. وتناول مثل هذه الأطعمة، هو خطوة ممتازة للحفاظ على وزن صحي.
- الألياف الغذائية: مثلها مثل الماء، لا تحتوي الألياف الغذائية على وحدات حرارية، لكنها تزيد من حجم وزن الطعام، ما يُساعد على تعزيز الإحساس بالشبع. والألياف لا يتم هضمها في الجسم، وتحتاج إلى الماء ليتم التخلص منها، وخلال هذه العملية تساعد الألياف على تسهيل عملية التخلص من الفضلات. فضلاً عن ذلك، فإنّها تمتص نسبة من الدهون الموجودة في الأطعمة التي نأكلها، وتُخرجها من الجسم قبل أن يتم تخزينها فيه. وأبرز الأطعمة الغنية بالألياف، الخضار والفواكه والحبوب الكاملة.
- العناصر المغذية: هناك 3 عناصر مُغذية رئيسية تُوفّر الوحدات الحرارية في الأطعمة، وهي الكربوهيدرات، البروتينات والدهون. والدهون هي أكثر العناصر المغذية كثافة في الطاقة، إذ يحتوي كل غرام منها على 9 وحدات حرارية. أمّا الكربوهيدرات والبروتينات، فيحتوي الغرام الواحد منها على 4 وحدات حرارية فقط. وهضم الدهون يتطلب وقتاً طويلاً، وهي تخرُج من المعدة ببطء، ما يُساعد على إطالة الإحساس بالشبع. أمّا هضم البروتينات، فيحتاج إلى قدر كبير من الطاقة، ما يُساعد على حرق الوحدات الحرارية. أمّا الكربوهيدرات، فيجب تفادي المكرَّر والمصنَّع منها، لأنّها تكون سريعة الهضم.
- مؤشر الشبع:
في محاولة لتحديد أنواع الأطعمة التي تُعزز الإحساس بالشبع، قام البحاثة الأستراليون، بتطوير ما يُعرف بمقياس مُؤشر الشبع. فأجروا تجارب على 38 طعاماً مختلفاً تُمثل فئات الطعام الأساسية، ثم منحوها رُتَباً تَبَعَاً لدرجة الشبع التي تُؤمّنها. فَتَبَيَّن أنّ الأطعمة التي احتلت أعلى رُتَب على مقياس الشبع، هي تلك الغنية بالماء أو الألياف، وخفيفة الدهون. واحتلت الخضار والفواكه المرتبة الأولى على لائحة الأطعمة ذات مؤشر الشبع المرتفع، وجاءت البطاطا أولى بينها. أمّا الأطعمة الأخرى التي تَلَت البطاطا فكانت الأسماك، الشوفان، البرتقال، التفاح، المعكرونة المحضَّرة من القمح الكامل، ستيك البقر والفاصولياء.
- نصائح لتعزيز الإحساس بالشبع:
يُسهم اختيار الأطعمة تَبَعاً لمؤشر الشبع الخاص بها في التحكم في الوزن وتفادي السمنة. لكن للأسف، لا يُذكر مؤشر الشبع على المنتجات الغذائية. لكن هناك نصائح بسيطة تتعلق باختيار الأطعمة التي تساعد على الشبع، من دون أن تُثقل الجسم بالوحدات الحرارية وبطريقة تحضيرها وتناولها.
- الحرص على تناول أطباق صحية غنية بالماء، مثل الحساء واليَخْنَة في معظم الوجبات، واستخدام صلصة الطماطم عِوضاً عن الصلصات التي تحتوي على القشدة.
- تناول كمية وافرة من الفواكه والخضار، والحليب ومشتقاته خفيفة الدسم أو الخالية من الدسم، والحبوب الكاملة.
- اختيار الأطعمة الكاملة الغنية بالعناصر المغذية، التي تُشبعنا وتُؤمّن لجسمنا ما يحتاج إليه. وتكون هذه الأطعمة عادةً أقل كثافة في الطاقة، أي أنّ الحصة الواحدة منها تحتوي على عدد أقل من الوحدات الحرارية، مُقارنة بحصة بالوزن ذاته من الأطعمة المصنَّعة الفقيرة في العناصر المغذية، التي لا تُوفّر للجسم ما يحتاج إليه من عناصر مُغذيّة، ما يحول دون الإحساس بالشبع.
- مُراقبة وتحديد نوعية الأطعمة التي تجعلنا نشعر بالشبع أكثر من غيرها والتركيز عليها.
- الانتباه إلى إشارات الشبع التي يُطلقها الجسم. وللتمكن من ذلك يتوجّب علينا تناول الطعام ببطء ومضغ كل لقمة جيِّداً.
- خداع الدماغ وجعله يسجل درجة عالية من الشبع، من دون تناول كمية كبيرة من الطعام. ففي دراسة لافتة، تم إعطاء مجموعتين من المشاركين نوع الطعام نفسه (لوح من ألواح البروتينات مع الشوكولاتة والتُّوت البَرّي)ز وبعد تناول هذا اللوح، أشار أفراد المجموعة الأولى إلى أنّهم لا يزالون يشعرون بالجوع. أمّا أفراد المجموعة الثانية فقالوا، إنّهم أقل إحساساً بالجوع. أما الفرق الوحيد، فهو أنّ المشرفين على الدراسة، أخبروا أفراد المجموعة الأولى أنهم سيأكلون لوحاً جديداً من ألواح البروتينات الصحية، بينما قالوا لأفراد المجموعة الثانية، إنّهم سيأكلون لوحاً لذيذاً جدّاً من الشوكولاتة، في داخله حشوة رائعة وطرية من الشوكولاتة والتوت البري. فمجرّد التفكير في أنّ الطعام كان "طعاماً صحيّاً" جعل أفراد المجموعة الأولى يشعرون بدرجة أكبر من الجوع بعد تناوله. أمّا عندما استُخدمت أوصاف مشجعة ومفعمة بالحيوية لوصف الطعام نفسه، كانت النتيجة تسجيل درجة أكبر من الشبع.
- وضع لائحة بالأنشطة الممتعة التي لا تتعلق بالأكل، وتعليقها في مكان بارز في المطبخ، بحيث نراها ونعود إليها عندما نجد أنفسنا ندخل المطبخ، بحثاً عن الطعام من دون أن نكون جائعين فعلاً. فنختار نشاطاً منها ونقوم به عِوضاً عن الأكل.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق