• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

«رفاق السوء» خطر يحاصر المراهقين

نذير رضا

«رفاق السوء» خطر يحاصر المراهقين
◄تحصينهم بالمنزل والرياضة والروابط العائلية وسائل لإنقاذهم هواجس الأهل من "رفاق السوء"، دفعت كثيرين منهم إلى إتّخاذ تدابير احترازية. توعية، تحصين، نقاش، وصداقة.. كلها مفردات باتت "كليشيهات" للتعبير عن السلوك المثالي الذي يُفترض بالأهل اتباعه لتخليص أولادهم من رفاق السوء، أو بمعنى آخر، لإنقاذهم من الخطيئة والانحراف.. يعول الأهل على التربية لإنقاذ أولادهم من تلك الممارسات المدانة، التي تبدأ بالتدخين، وتنتقل إلى الإدمان على الكحول، وإلى القيادة المتهورة للسيارة، والخروج عن طوع الأهل وعاداتهم وتقاليدهم. وفيما يبرر السلوك الخاطئ بإلقاء اللوم على "رفاق السوء".. يتحدث البعض عن تلك الممارسات غير المسؤولة بأنها "طبيعية في عمر محدد، تبدأ من عمر الـ12 عاماً، وتمتد إلى الـ25 عاماً، ويجب على الأهل أن يُحصّنوا أولادهم ضد الخطأ منذ الصغر، حتى يصلوا إلى المرحلة التي يتعرضون فيها لمغريات الحياة محصنين". آباء وأمّهات يتحدثون عن دورهم في تحصين أولادهم من رفاق السوء، وذلك في هذا الموضوع.   صداقة الأهل مع الولد: منذ طفولة ولديه اللذين باتا ناضجين، يتخذ ميشال أبو سليمان سلسلة تدابير احترازية لمنع استغلال ولديه من قبل رفاق السوء. تابعهما، ولاحقهما ليلاً نهاراً، وواظب على تفتيش سيارتيهما. يقول: "تلك التدابير رافقت علاقة صداقة متينة ربطتني بهما، إذ قدمت لهما، ولا أزال، نصائح صديق تهمه مصلحة صديقه، قبل أن يكون أباً. آخيتهما في علاقة صداقة قوية، وتعاملت معهما بطريقة قريبة". ذلك الرابط المتين، فحسب أبو سليمان: "هو الوسيلة الأنجح لحماية الأولاد من رفاق السوء ومغريات الحياة". أحاط بهما من كل جانب، وكان يتوقف عند صداقاتهما. يقول: "الأهم بالنسبة لي أن يكون صديق لدي متناسباً مع تربيتهما. لطالما أبديتُ رأياً بأصدقائهما، وكنت أقول هذا يعجبني وذاك لا يعجبني.. تحدثت مع أولئك الأصدقاء، وعاشرتهم، وقد أرشدت ولدي إلى تمتين صداقتهما بأشخاص ينتمون إلى عائلات موقرة". لكن كل تلك التدابير لم تمنع أحد المراهقين من الاستسلام لواحدة من مغريات الحياة، تلك المتعلقة بالتدخين". يقول أبو سليمان: "لا أنكر أن أحد ولدي تعلق بالتدخين، لكنني نجحت في جعله يقلع عنه، وذلك بفضل المتابعة الحثيثة له، وقوة الرابط العائلي بيننا". ويوضح: "لا يمكن صد الولد عن أشياء تبهره، لذلك تركتهما يفعلان ما يريدان، مع وضع الحدود اللازمة وقت الحسم. لقد عرفتُ أن ابني يدخن، وتركته إلى أن حان وقت التدخل، ولفت ذهنه بالبراهين إلى مضار التدخين على جسده، بإشارة السعال الذي ما كان ليحدث لولا التدخين الذي ترفضه أكثر من 80 في المئة من الأجسام"، مشيراً إلى أن "طبيعة أجسامنا، أنا وهو وشقيقه، لا تتقبل التدخين بأي شكل، وتتحسس وتمرض، وقد أثبت ذلك الطبيب الذي صور له صدره وأظهر له آثار التدخين في الرئتين، وهكذا أقلع عن التدخين، ونجحت في إعادته إلى حياته الطبيعية". لا ينفي أبو سليمان أن "رفاق السوء" يساهمون في خلق مناخات جديدة للمراهق، خلافاً لتربية الأهل وتوجهاتهم، لكنه يعول على التربية في المنزل التي "تخلق مناعة في ذات الولد ضد الوقوع في الخطأ، وأعتبر أنّ المنزل هو أساس التربية والتحصين".   حصانة المنزل: تلك الحصانة التي يراها ميشال أبو سليمان في نشأة الولد، على قاعدة "من شب على شيء شاب عليه"، يتقن الكاتب طوني ناعسي تنفيذها في علاقته مع ابنه سيزار. فالطريقة التي اعتمدها ناعسي، تتلخص بإفهامه الخطأ من الصواب. ومنحه الوقت الكافي لتزويده بالحصانة المطلوبة خلال فترة صغره، "لأنني على يقين بأن وصوله إلى مرحلة المراهقة لن يغير إلا القليل في طباعه، ولن تجدي معه محاولات تغيير سلوكه أو التأثر بأصدقاء السوء". يوضح ناعسي، أنّ السلوكيات الصحيحة التي تدخل ضمن إطار التربية في المنزل.. "يجب أن تُعلم قبل أن يكمل الطفل 12 عاماً، أي قبل أن يقسو عوده"، مشيراً إلى أن تلك المرحلة تشبه الوعاء إذ يُملأ بما يلقنه الأهل في رأسه، علماً أنّه "سيتعرض لمغريات كثيرة في المدرسة والشارع والنوادي الرياضية، وسيحتك برفاق السوء، لكن الحصانة التي يتمتع بها منذ صغره في المنزل، ستحميه منهم، ومن مغريات كثيرة تلفت المراهقين". بعض الأهل يتوهمون أن تربية المنزل تحصن الطفل من أصدقاء السوء، لكنهم مخطئون. ويشير ناعسي إلى أنّه "يستحيل حماية الطفل من كل الأجواء المحيطة به، لكن إذا استطعنا حمايته بنسبة 90 في المئة، فإننا نكون قد نجحنا". ويلفت إلى ضرورة أن "يشعر الطفل بالاستقرار النفسي في منزل عائلته، وأن تغمره سعادة بوجوده في المكان الذي يقيم فيه، لأنّ الحزن والقلق يؤديان به إلى طرق مجهولة، ويتيحان لأصدقاء السوء التأثير به". لا ينكر ناعسي أن هؤلاء "موجودون فعلاً في حياة أي مراهق، لكن الحصانة المنزلية تدفعه لاختيار الخطأ من الصواب، وعدم الانزلاق إلى ممارسات شنيعة، فيبقى متأثراً بأهله إذا كان مستقراً من الناحية النفسية، ومصوناً بتربيتهم وتعاليمهم، وتقلل تلك الحصانة كمية المشكلات والمغريات التي قد يتعرض لها". ورداً على سؤال حول الخطوات العملية التي اعتمدها مع سيزار، إلى جانب التوعية والنقاش والحوار، يقول الكاتب طوني ناعسي: "التوجيه إلى الرياضة أساس في تحصين ابني من رفاق السوء ومغريات الحياة التي تبهر المراهق". ويوضح: "وجهت ابني إلى السباحة منذ صغره، وتابعت معه التدريبات الاحترافية والمباريات التنافسية حتى حقق إنجازات، وبهذه الطريقة، اتجه إلى الرياضة بدلاً من لهوه مع رفاق السوء، فضلاً عن أنّ الرياضة تمنعه من اعتماد أي سلوك يضر بصحته وبإنجازاته". ورأى أنّ الرياضة "هي الحصانة العملية المثلى، لأنها تُنشئ الولد كمراهق صالح، وتؤثر في مسيرة الشباب".   الرياضة للتخلص من الانحراف: في هذا السياق، أثبتت الدراسات الاجتماعية التي تتعلق بسلوكيات المراهقين أنّ الرياضة "تغير مسارات المراهقين، وتثنيهم عن السلوكيات الخاطئة، وتحميهم من مغريات تلفتهم خلال هذه المرحلة العمرية". وأشارت دراسة أمريكية صدرت عام 2007 إلى أنّ "الرياضات مثل كرة السلة، كرة القدم، السباحة، وكرة اليد التي تتطلب لياقة بدنية عالية ومهارات جسدية، تثني ممارسيها عن احتساء الكحول والتدخين، وتحمي المراهقين من تلك الآفات الاجتماعية، فضلاً عن كونها توطد الرابط بين الجسد والبيئة الاجتماعية السليمة".   إبعاد المراهق عن رفاق السوء: إذاً، يبرز شقان في فوائد ممارسة الرياضة في هذا الاتجاه. الشق الأوّل يتعلق بالتغلب على المصاعب الناتجة عن التفكك الأسري، والثاني بحماية المراهق من الانحراف... وهذا ما أكده المدرب الرياضي رائد، الذي يستقطب المراهقين في نادي اللياقة البدنية وألعاب القوى الذي يدرب فيه في بيروت. يشرح رائد أنّ التفكك العائلي، استناداً إلى ما اختبره من أحداث، يدفع كثيرين إلى الانحراف، أو التأثر بأصدقاء السوء: "خصوصاً أن أصدقاء السوء، في المرحلة العمرية الممتدة من 12 إلى 17 عاماً، محبوبون بين أترابهم، ويحفزون المراهقين الآخرين على السهر والتدخين ومعاقرة الكحول، وهي أولى خطوات الانحراف". لذلك، يؤدي رائد دور الأهل عند تلك الفئة من المراهقين التي تعاني تفككاً عائلياً، ويعالج مشكلاتهم نفسياً من خلال الحوار، فالكابتن في النادي يكون قدوة حسنة بالنسبة للاعبين الرياضيين، ويتعاون مع أحد طرفي الأهل لمعالجة المشكلات النفسية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى "يصر على تشجيع المراهقين على حضور الدروس الرياضية، لأنها تأخذ منهم وقتاً طويلاً، شباناً كانوا أو شابات، وتدفعهم الرياضة إلى تجنب كل ما يؤثر على أجسامهم، وتأتي الكحول والتدخين بالدرجة الأولى، ونكران الذات الذي يتمثل بالتهور في قيادة السيارة مثلاً، وذلك عبر زرع الأمل فيهم". ويضيف: "أحاول تعرية وفضح الصورة السلبية للسلوكيات الخاطئة أمامهم، لأنّ التربية لا تكون بالإكراه، بل بالحوار والنقاش والمتابعة الدائمة". ولأنّ "رفاق السوء" لهم حصة كبيرة في تغيير سلوكيات الأبناء، يشير رائد إلى أهمية "تغيير مقر إقامة المراهق إذا تأثر برفاق السوء، وهذا ما نُصحت به عائلتين بعد أن انحرف ابناهما في متاهات كثيرة، بالإضافة إلى تغيير رقم هاتف المراهق المتأثر بالسيئين، وذلك لفترة محددة إلى أن يقتنع بالإقلاع عن العادات السيئة، بالإضافة إلى تكثيف التوعية، وإشراكه في نشاطات كشفية ورياضية، وتنظيف بيئة المنزل من المشكلات والعادات السيئة المرتبطة بالتدخين والكحول كي لا يتأثر الطفل بسلوكيات الأهل".   تصرفات الطفل في الثالثة إشارة إلى انحرافه في عمر الثلاثين: نقلت قناة "سي إن إن" عن دراسة علمية، أنّ مراقبة تصرفات الأطفال في سن الثالثة قد تكشف عن قرائن لافتة بشأن إمكان اكتسابهم سلوكيات منحرفة كإدمان المخدرات أو المقامرة عند بلوغهم العقد الثالث من العمر. النتيجة، هي خلاصة بيانات دراسة نيوزلندية لا تزال قائمة، جرى خلالها تتبع "تطور الحياة النفسية والاقتصادية والفكرية لنحو ألف مشارك، من الولادة وحتى بلوغهم سن 32 عاماً. ووجدت النتائج المبدئية للبحث، الذي نشر في دورية "علم النفس"، أنّ الأطفال في السن الثالثة، ممن اعتبرت أمزجتهم "الأدنى كبحاً"، تزايدت احتمالات انغماسهم بالقمار إلى الضعف لدى بلوغهم سن 21 و32 عاماً". هذه الدراسة، التي تعرف باسم "مشروع دنيدن"، تعد بالغة الأهمية لتحديد جذور الإدمان، وما إذا كان هو الذي يقف وراء السلوك المتهور الذي يُعرف به المدمنون أم أنّ السلوكيات منذ الصغر قد تحدد هذا الاتجاه، بحسب مجلة "التايم". ولم يتوصل الباحثون على نحو مؤكد إلى الصلة بين "الأمزجة الأقل كبحاً" وسلوكيات الإدمان، إلا أنهم عزوها إلى احتمال استمتاع هؤلاء الأشخاص بالمقامرة لأنها قد تعتبر متنفساً للمستويات المرتفعة من المشاعر السلبية التي تنتابهم.   أصدقاء السوء سبب في إدمان بعض شباب الإمارات على المخدرات:  ذكرت إحدى الصحف الإماراتية أن مدمنين سابقين كشفوا أنّ المرة الأولى التي تعاطوا فيها المخدرات كانت على يد أصدقاء أو أقارب لهم نصحوهم بتجربتها للحصول على شعور بالنشوة والنشاط، ولمضاعفة قدراتهم الجنسية، مؤكدين أنّ هذه المرة كانت سبباً رئيساً في إدمانهم على المخدرات. ونقلت الصحيفة عن مدمن سابق يخضع للتأهيل في أحد المراكز في أبوظبي، أنّه بدأ طريق المخدرات بكأس خمر تناولها مع أصدقاء له، ثمّ قرر تجربة الحشيش للحصول على نشوة أعلى، وتطور به الأمر إلى تعاطي الهيرويين والكوكايين، مؤكداً أنّ المرة الأولى كانت سبباً رئيساً في إدمانه، لأنّه ظن أنّ المخدرات منحته شعوراً خيالياً بالسعادة والنشوة. وأبلغ مدمن آخر الصحيفة أنّه بدأ طريق المخدرات منذ ثلاث سنوات، بعد جلسة مع أصدقاء له اجتمعوا للمذاكرة قبل الدخول إلى الامتحانات، إذ فوجئ بأحدهم يخرج شريطاً من العقاقير التي أدرجت حديثاً في جدل المخدرات، وينصحهم بتعاطيها لزيادة قدرتهم على التركيز في المذاكرة. وقال مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في شرطة دبي اللواء عبدالجليل مهدي العسماوي، للصحيفة، إنّ "المدمن مهووس دائماً بتحويل كل من حوله إلى مدمنين"، لافتاً إلى أنّ "عدداً كبيراً من المتعاطين حصلوا على جرعتهم الأولى من أقارب وثقوا بهم، مثل الأخ أو ابن العم أو الخال، أو أصدقاء شجعوهم على تجربة المخدرات".►

ارسال التعليق

Top