1- الحبّ في الله يشكل قاعدة مركزية للعواطف والمشاعر والأحاسيس في وسط الجماعة المسلمة الذي يوجهها لتنتج ولاءاً واحداً في حياتها وهو الولاء لله والذي في ظله تتلاشى كلّ أشكال الولاء للتراب أو الدم أو الطائفة فتنجو هذه الجماعة بسبب رابطة الحبّ في الله من ألوان التمايز والتفاضل العرقي والعصبي والطائفي والتي تتعرض الجماعات الإنسانية بسببها إلى اضطراب حياتها الاجتماعية ومصادرة سعادتها.
2- الحبّ في الله يعمق حالة التلاحم والارتباط والاندماج في صفوف الجماعة المسلمة ومن خلال هذا الاندماج والتلاحم يتحد خط سير هذه الجماعة نحو الله سبحانه وتعالى وتشكل مسيرتها قوة واحدة عزيزة مجاهدة تقوى على التغلب والانتصار على أي جماعة منحرفة عن خط الله تصارعها في الطريق أو تقف في طريقها لأنّ بنائها الجديد في ظل حب الله يمكنها من التخلص من كلّ أشكال الخوف على الحاضر أو المصير والمستقبل ما دامت هي واثقة بوجهة سيرها في سبيل الله ومطمئنة عزيزة بوحدتها وقوة تماسكها، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (المائدة/ 54).
3- الحبّ في الله يوجه عواطف ومشاعر الجماعة المسلمة إلى رسالتها فينمو تفاعل المسلم معها ويتصاعد ارتباطه بها حتى تستولي على كلّ شيء في حياته، لأجلها يحيا، ومن أجلها يموت، ويغدو كلّ ما سواها زهيداً لديه، فهي أنشودته التي لا يأنس إلّا بها، وأمله الذي به يعيش، وزاده الذي يمكنه من الحياة، عن أبي عبدالله (ع) قال: "كلّ من لم يحب على الدين ولم يبغض على الدين فلا دين له".
وبذلك يحقق الحبّ في الله انسجاماً نفسياً مع رسالة الله في الحياة، لأنّ الذي يحب في الله يعشق كلّ من يقربه إليه.
4- الحب في الله ينجي الجماعة المسلمة من خطر التعرض للأوبئة والأمراض الاجتماعية والأخلاقية والتي تمزق الجماعات الإنسانية وتؤدي إلى ذوبان الحضارات وانهيار الأُمم، لأنّ هذه الأمراض سببها الهوى "الحب في غير الله" عندما يكون أداة توجه الإنسان وتتحدد طبقاً له مواقفه وعلاقاته الاجتماعية، فتضطرب عندئذٍ الحياة ويتحول وضع المجتمع الإنساني في ظل سيطرة الهوى إلى بحر متلاطم من النزوات والمصالح والمواقف المتناقضة وتمتليء الحياة بالضجيج ويتحول وضع المجتمع هذا إلى وسط صالح لبروز وتفشي الأمراض الأخلاقية بمختلف أنواعها.
ولكن في ظل رابطة الحب في الله يختفي ذلك التناقض في المصالح والمواقف ويتحول سعي الفرد في الجماعة المسلمة لتحقيق المصالح الاجتماعية إلى مكسب شخصي لما يمكن أن يقرب ذلك الموقف أو العمل هذا الإنسان لله تعالى، عن الباقر (ع) قال: "إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خير فانظر إلى قلبك فإن كان يحب أهل طاعة الله يبغض أهل معصيته ففيك خير.. وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك.. والمرء مع من أحب".
5- الحبّ في الله تتولد عنه الكثير من حالات الفداء والإيثار العالية التي يؤدي انتشارها في حياة الجماعة المسلمة إلى أن تعيش حياة هانئة سعيدة، وتأريخنا الإسلامي زاخر بأمثلة فريدة لهذه الحالات، ولعل التجربة الأولى للمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار هي من أروع تلك الصور وأبرزها وضوحاً، وفي حاضرنا نشاهد الكثير من حالات الفداء والإيثار التي هي من آثار الحب في الله في حياة الجماعة المسلمة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر/ 9).
6- الحبّ في الله يؤدي إلى وحدة الموقف والقرار من القضايا المتشابهة والأحداث في حياة الجماعة المسلمة، لأنّ الطبيعة والحالة الواحدة للمشاعر والعواطف ينتج عنها عندما يضاف إليها وحدة الفكر، الموقف الموحد والقرار الواحد.
بقى علينا أن نعرف أنّ الحب في الله هو فرع عن حب الله، فإذا أردنا أن نوجد حالة الحبّ في الله وننميها في الحياة الاجتماعية ينبغي أن نسعى لإيجاد حالة حب الله في هذه الحياة ونستمر في تنميتها ليكون الحب في الله قد ولد كنتيجة طبيعية لحب الله فيحتل حبّ الله موقع القاعدة التي تتولّد عنها كلّ تلك المشاعر والعواطف والأحاسيس الإسلامية التي تجسد حالة الحب في الله في الحياة.
قال الإمام زين العابدين (ع) في مناجاة المحبين: "إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلاً، ومن ذا الذي أنس بقربك فابتغى عنك حولاً، يا منى قلوب المشتاقين، ويا غاية آمال المحبين أسألك حبّك وحبّ مَن يحبّك وحبّ كلّ عمل يوصلني إلى قربك وأن تجعلك أحبّ إليّ مما سواك، وأن تجعل حبِّي أيّاك قائداً إلى رضوانك وشوقي إليك ذائداً عن عصيانك".
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق